عام

وقفة مع روح القيادة

عبدالسلام بن عاطف

كاتب جنوبي
كانت شيوخ العرب في الحواضر في العهود القديمة ترسل أبناءها إلى قبائل معينة حتى تتعلم من عاداتهم (يمكن تشبيهها بالبعثات العلمية الآن).. كان الهدف إكساب الفتى صفات العرب الأصيلة؛ الكرم، الشجاعة، النباهة، سرعة البديهة، آداب الحديث، سلامة اللغة، الصبر…. إلى آخره.. وكانت توكل رعاية أبناءها لأشخاص من ذوي الشجاعة ورجاحة العقل وغيرها من صفات الوجاهة والرئاسة التي يتميزون بها عن غيرهم بهدف نقل هذه الصفات إلى هذا الفتى.
فالعلم والمعرفة بعمومها إمَّا منقول أو مطروق؛ منقول عن طريق التعليم بالمدرسة والجامعة أوالتوجيه، والنصائح ومراقبة ذوي العلم، واقتباس المعرفة منهم ومن الكتب والخطب……إلخ.. أو مطروق؛ أي بالتجربة الفعلية، فكلما قام الشخص بأعمال جديدة تعلم منها، وكلما أخطأ فيها أكتسب المعرفة فلايقع بنفس الخطأ مرَّة أخرى .
ومن هذه المشارب التي ذكرناها وغيرها تتشكل “روح عقل الإنسان” .. لكن لايصبح جميعهم قادة، فهناك مؤثرات أخرى؛ بعضها إلاهي ليس للإنسان علاقة به كالميزات الخٓلْقِية التي اختص الله بها أناس وحرمها عن آخرين، وهذه الميزات هي التي تجعل أشخاص يتميزون عن آخرين بالقدرة على اكتساب المعرفة، وسرعة كسبها، وحفظها.. وهناك مؤثر آخر “البيئة” وقد يكون للشخص دور فيه وقد لايكون.. يكون له دور في البيئة الجغرافية، بحيث يمكنه الإنتقال من الدولة/المدينة/القرية التي لاتتوفر فيها إمكانيات التعلم، أولاتتوفر فيها مساحة الحرية التنافسية، التي تسمح للشخص المنافسة على الصدارة، مستخدماً قدراته الشخصية.. وهناك البيئة الضيقة الأسرة/الأصدقاء/الأقرباء الذين يكونون عوناً للشخص في مسيرته، وهذه البيئة قد لايكون بإمكان الشخص التأثير فيها أوتغييرها.
فإذا توافرت المشارب المناسبة للعلم والمعرفة، وتوفرت البيئة الضيقة والواسعة، وتوفرت القدرات الجسدية والذهنية هنا تتشكل “روح القيادة” في هؤلاء الأشخاص.. ولكن ليس كل من أمتلك روح القيادة يصبح قائد.. فللحظ دوره، وللصدفة دورها، ولثقافة المجتمع دورها.
ويستطيع المراقب أن يكتشف القائد الحقيقي من “القائد الصدفة” من خلال رصد نتائج عملهم؛ فعندما تجد قائد يتحدث لجلسائه بمايفكر، ويتحدث عن المعوقات ويسهب في شرحها، لكنَّه لايقوم بأي عمل، ويبرر عدم قيامه بأي عمل بالمعوقات التي تسبب بها آخرون فأعلم أنَّه قائد الصدفة لايملك “روح القيادة”.. وقائد آخر تجده يقدم على إعلان عمل معين، وينطلق في تنفيذه بمن حضر دون أنتقاء الكفاءات المناسبة للمهمة، ودون خطة، ودون تقديرات للنتائج، ومحصلة عمله الفشل لامحالة، وهذا أيضاً قائد صدفة، ويريد الحظ أن يآتي له بالنجاح، كماجاء به الحظ إلى مركز القيادة.
روح القيادة تجعل القائد يسبق عوام الناس (الجماهير) في قياس المعطيات التي أمامه، ويسبقهم في تحديد طرق توظيفها في خطته، وفي تقدير احتمالات النتائج. وتجده يتقدم في كلامه ومواقفه وأعماله على الجماهير، فيصبح كلامه وأفعاله علامات الطريق للجماهير.. فإذا وجدت قائد يسير خلف مواقف وشعارات الجماهير، فأعلم أنَّه قائد صدفة، وفشله أمر محتوم؛ لأنَّ الجماهير تتفق في لحظات على الهدف الكبير، وتختلف بعدها؛ تصبح كل مجموعة أو كل فرد صاحب رؤية مخالفة لغيره في طريقة عملهم..
روح القيادة قد تتجسد في أشخاص لايصلون إلى كرسي القيادة، لكنَّها تجعل منهم لاعبين أساسيين في كل الصراعات التي تدور، فإما اعتزلوا الصراع أوشاركوا فيه بطريقة “ملقن المسرح” الذي يلقن السيناريو -المحادثة- للممثلين النجوم، فيكررون خلفه مايقول، فتسمع الناس للنجوم ولاتسمعه، وينتهي العرض بخروج النجوم والناس تجري خلفهم بين محب ومبغض، ويخرج الملقن لايعرفه أحد. وهنا تكمن الخطورة؛ فإذا جعلوا الله رقيباً عليهم وأخلصوا لله في مايفعلون انقذوا الناس، وإذا كانت “الأنا” أوالانتقام لماتعرضواله أهلكوا الناس.. قال داهية العرب قيس بن سعد بن عبادة {لولا الإسلام لمكرت مكراً لاتطيقه العرب}
والله أعلم،،
عبدالسلام بن عاطف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى