آداب و ثقافة

شخصية مثالية للاستثمار في تعليم الأبناء والبنات.

يكتبها: علي صالح الخلاقي

يحرص كثيرون من التجار وأصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في المشاريع الاقتصادية ذات الربحية السريعة، وفي الغالب يزجون بأولادهم في ذات العمل الذي بدأوه كمصير محتوم فيحددون بذلك مستقبل أبنائهم، فتاجر المواد الكهربائية يشجع ابنه على ذات العمل وقد يدفع به إلى فتح محل جديد، وتاجر الذهب يربط مستقبل ابنه بتجارة الذهب، وقس على ذلك بقية الأعمال ونعرف كثيرين من هؤلاء.. وقلّة قليلة من شذ عن هذه القاعدة واتجه إلى الاستثمار في التعليم كأساس لرقي وتقدم الأفراد والمجتمعات في كل زمان ومكان.
ومن هؤلاء صديقي، جميل الروح، باسم المُحَيَّا، الشخصية الاجتماعية المحبوبة وصاحب المواقف المتزنة، رجل الأعمال العصامي الذي بدأ حياته من الصفر حسن عبيد ناصر القعيطي (أبو علي) واشتهر بكُنيته تلك حتى قبل أن يُرزق بنجله (علي)، إذ أن له قبله خمس من البنات، ولهذا كان البعض يخاطبه مداعباً ( أبو البنات) وكان يسر لذلك لحبه لبناته ورضاه بما قسم الله له، ثم أكرمه الله بعد الخمس البنات بثلاثة من الذكور.
أعترف بأنَّ شهادتي فيه مجروحة ولكنَّ الواجب يُملي عليّ ذلك لتقديمه أسوة حسنة يُقْتدى بها في تعليم الأبناء، فحينما التقيت به في الأردن، لقاء الأصدقاء، حيث يقيم مع أولاده وبناته ، أدركت سبب اختياره لهذا البلد الشقيق ولعاصمته الجميلة الهادئة (عمّان) التي أحبها وصارت، كما يقول، جزءاً مهماً جداً في حياته، وتوأم روحه بعد معشوقته عدن..
كيف لا وقد احتضنت بناته وأبناءه وأتيح لهم فيها الحصول على تخصصات علمية رفيعة، على نفقته الخاصة، لقناعته أن هذا هو الاستثمار الصحيح الذي حُرم منه في شبابه حينما اتجه إلى المهجر السعودي في شبابه، رغم تفوقه في الثانوية العامة وتكريمه في يوم العلم عام 1982م من قبل الرئيس علي ناصر محمد ، فقرر أن يعوّض ما فاته من تعليم من خلال أولاده.
كان بإمكانه كرجل أعمال ناجح أن يترك لهم رصيداً يؤمنهم في البنوك أو يقتني لهم بيوتاً أو يدفع بهم إلى العمل الربحي في مؤسسة أو شركة ..لكنه اختار أن ينفق على تعليمهم وتأهيلهم وهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي يظل رصيده في ازدياد ينتفع به صاحبه وينفع به أهله ومجتمعه. وقناعته التي عبر عنها هي:” إن المال سوف يذهب أو يصير مجرد رصيد في البنك في يوم من الايام وربما يكون وبالاً، ولن يتبقى الا رصيد العلم الذي كسبته واستفدت منه وافدت منه الناس”.
لا شك أن النجاح الذي حققه أخوه الأصغر وفخره الأكبر (محمد) في كل مراحل التعليم الممتد منذ الصغر وحتى حصوله على المركز الاول في الثانوية العامه على مستوى جمهورية اليمن الديمقراطيه الشعبيه عام 1983 وتكريمه بشهادة التفوق العلمي وميدالية التفوق العلمي، وصولاً إلى دراستة للطب في المانيا ونبوغه فيه وحتى تخصصه الدقيق في جراحة المخ والأعصاب في مستشفى الجامعة الاردنية وتميزه ونيله أعلى الدرجات، وهو اليوم الطبيب الأشهر في جراحة المخ والأعصاب، بل والطبيب الإنسان، الوفي والكريم الذي رفض عروض العمل في أعظم دول العالم وبراتبٍ مغري، حباً لوطنه، ويصفه في تغريدة له بأنه(حبيب قلب العائلة ونبراسها)، ولعل نموذج النجاح الذي بلغه الدكتور محمد في دروب العلم قد حفزه ليدفع بأولاده في ذات الطريق، ولم يكن مخطئاً في هذا الاختيار، وحق له اليوم أن يفخر ليس فقط بـ(شقيق روحه الأصغر) بل وبفلذات كبده من الأبناء والبنات، فمنهم اليوم من حاز أعلى الدرجات، ومنهم من يواصل السير بثبات في نجاحاتهم العلمية حتى يكملون المشوار.
كيف له أن لا يفخر ، وقد أصبح أباً لكوكبة من حملة الشهادات العليا أو الساعين لها بدأب ومثابره وبتشجيع لا حدود له منه.. فابنته الدكتوره (أماني) اختصاصية في تقويم الأسنان، والدكتوره (أميرة) اختصاصية في الأشعة، و(ماريا) مهندسة كمبيوتر، و(دينا) مهندسةعلوم الحاسوب، والدكتورة (بلقيس) اختصاصية تغذية، و(ملاك) في سنة ثالث، تخصص صيدلة، و(علي) سنة ثالثة هندسة بترول، و(مطيع) أكمل الثانويه ويعتزم دراسة (هندسة مدنية)، وأصغر الأولاد (عبيد) ما زال في السنة التاسعة من التعليم الأساسي، ولم يقرر بعد ماذا سيختار، وما زال أمامه وقت كافٍ ليَحْسُن الاختيار، لكنه لن يخرج عن المسار، فعلامات النجابة تبدو على محياه.
لا أكتب هناعن صديقي هنا من باب المجاملة، فهو في غنى عنها ويعرفه الكثيرون بصافته النبيلة وسيرته العطرة، وإنما من باب تقديم النموذج الحسن، للاقتداء به في مضمار الاستثمار في تعليم الأبناء والبنات، فهذا هو الطريق القويم لبناء الفرد والأسرة والمجتمع وتطور وازدهار الأوطان.
ومسك الختام أختتم بتغريدتين من صفحته في(الفيسبوك) لنعرف مدى شغفه بتعليم أولاده وتشيجعه الأكثر لبناته وفخره بنجاحاتاتهن.

التغريدة الأولى الأولى في 18أغسطس 2021م، سكب فيها عصارة موهبه النثرية والشعرية وخص بها الدكتورة أماني، يقول فيها:

“إهداء إلى زهرة عمري الدكتورة أماني..
عندما كنتي صغيرتي وفي الصف الخامس ابتدائي أحضرتي لي دفتر أيامك وذكريات صديقاتك
مدونة في كل براءة الاطفال يكتبوا لك خواطرهن الجميله وامنياتهن لك وبعض تعليقات مدرساتك الأكثر من جميلة، وطلبتي مني ان اكتب لك تعليقاً في مفكرتك، وكتبت إليك كلمات مازلت احفظها عن ظهر قلب، كما أنها لا زالت محفوظة في مذكرتي الشخصيه، مثلها مثل ما كتبت للدكتورة أميرة والمهندسة ماريا والمهندسة دينا والدكتورة بلقيس والدكتورة ملاك..
ولأن أولادي حفظهم الله، علي ومطيع وعبيد، لم يطلبوا مني ذلك حفظت خواطري لهم في قلبي.

كتبت في مفكرتك حينها والتي انا بصددها في هذا المنشور:
يا أماني إن لي فيكِ أمانٍ طيباتِ
فاكبري حُلماً وعقلاً
وخذي العبرة من ماضٍ من الدهرِ وآت
واحفظي الله رفيقاً
ان لله مكاناً في القلوب العامراتِ
واسلكي العلم طريقاً
ان نور العلم زادُ للعقول النيرات ِ
واكبري فوق الصغائر إنما يسمو في العلياِ
أصحاب النفوس الشامخات ِ
****
وكم احمد الله انك كنتي أعظم من أمنياتي
ولي مع ذكريات اخواتك موعد آخر”.

والتغريدة الثانية محررة 12ديسمبر2021م وخص بها الدكتورة (أميرة) يقول فيها:

” أميرتي …
يا اميرة الزمان والمكان
هل تعلمين نبضة الزمان ماهي ؟
وريحة المكان ماهي ؟
إن نبضة الزمان
جزءٌ من نبضات قلبك الصغير
وريحة المكان بعض عطر روحك الجميل
واعلمي ياصغيرتي .. ان المميزين
يصبغون لون صبغة الزمان بلونهم
ويرسمون لوحة المكان بروحهم
وانتي ياصغيرتي ويا اميرتي .. مميزه
فحافظي على تميزك
مهما تغير الزمان والمكان
واعلمي ياصغيرتي .. أن التميز
هو مزيج .. من صفاء الايمان
واكتساب صفوة العلوم والأدب
هذه الكلمات كتبتها لأميرة قلبي الدكتورة أميرة حسن وهي في الصف السادس أبتدائي، وها هي اليوم تجتاز الامتحان العملي في مدينة الحسين الطبية في الاردن الحبيبة ، بعد ان اجتازت الامتحان النظري وامتحانات البورد العربي ، في الاسبوع الماضي وبكل نجاح وتميز وتنال شهادة التخصص في تخصص الأشعة الطبيه
كم انا فخور فيك ياروح بابا ، والفضل بعد الله يعود لزوجتي الحبيبة أم علي التي كانت نعم السند ونعم الأم.
بارك الله فيك وفي جميع اخواتك واخوانك، وربنا ينفع فيكم دينكم وأهلكم ووطنكم”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى