استطلاعات

لهذا السبب.. أولياء أمور الطلاب لـ«سمانيوز»: قيادات الرئاسي والحكومة لن يلتفتوا لمعاناة المعلم الجنوبي..!

سمانيوز/ استطلاع

في ظل استمرار حرمان المعلم الجنوبي من حقوقه المالية، التي بموجبها انتقل من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة المسحوقة، غير القادرة على توفير الحد الأدنى من متطلبات الأطفال من حليب وحقيبة مدرسية وثلاث وجبات يومية.

يرى مراقبون أن ما يتعرض له المعلم الجنوبي لم يكن عفوياً، بل حرب ممنهجة الهدف منها إهانة المعلم الجنوبي والتقليل من هيبته، وانتهاك كرامته وضرب معنوياته، وقمع طموحه وإبداعاته، حتى يصاب بالإحباط واليأس، على قاعدة مستوحاة من مقولة احد المستشرقين: (إذا أردتَ أن تهدمَ حضارة، احتقر معلّماً، وأذلّ طبيباً، وهمّش عالماً، واعطِ قيمةً للتافهين).

ولأن للجنوب العربي دولة ذات سيادة وتاريخ حضاري وإنساني عريق، يميزه عن غيره من شعوب الجزيرة العربية، يناضل الجنوبيون لاستعادة دولتهم وهويتهم وحضارتهم. في المقابل تسعى قوى معادية سراً وجهراً لضرب مشروع استعادة الدولة الجنوبية، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، شنت حروباً متعددة الأشكال إحداها تدمير المنظومة التعليمية الجنوبية، إهانة المعلم الجنوبي لثنيه عن مزاولة مهنته النبيلة وجعله عبرة للآخرين، لضمان تجهيل أجيال الجنوب ليسهل السيطرة على حاضر ومستقبل الجنوب وحرف مسار قضيته السياسية.

اليوم يعاني المعلمون في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب أوضاعاً معيشية كارثية، وتجاهل حكومي واضح لمطالبهم، مما أدى إلى توقف الدراسة في العديد من المدارس. وتتلخص معاناة المعلم الجنوبي في إفراغ راتبه الشهري – الذي لم يعد يصرف شهرياً – من قيمته الشرائية، حيث كان قبل العام 2015م يعادل الف ريال سعودي في المتوسط، واليوم أصبح يعادل 100 ريال سعودي، سقوط مدوي، في مقابل ذلك ارتفعت الأسعار والإيجارات وأجرة المواصلات، ارتفاع طال كل شيء إلا الراتب لم يرتفع، لم يجارِ المتغيرات من حوله. وتدريجياً بات لا يعادل قيمة كيس دقيق عقب أن كان يكفي لتلبية مصاريف شهر باكمله. أصبح أغلب المعلمين لا يجدون قيمة أجرة المواصلات من وإلى المدرسة.

أجرت صحيفة «سمانيوز» استطلاعاً ميدانياً التقت خلاله عدداً كبيراً من المواطنين وأولياء أمور الطلاب وعدداً من المعلمين، تمحور حول معاناة المعلم الجنوبي وأسباب تجاهل الحكومة والرئاسي، وتقاعس جهات الاختصاص عن بذل أدنى مجهود يلتمسه المعلم يخفف من وطأة معاناته جراء فقدان راتبه قيمته الشرائية وعدم صرفه شهرياً، في ظل انهيار العملة المحلية والارتفاع الجنوني للأسعار بجميع المواد المرتبطة بحياة وسبل عيش المواطن الجنوبي، والتبعات السلبية المترتبة على إغلاق المدارس، وهرولة النشء والشباب إلى الأسواق كبديل عن المدرسة، وانخراط بعض المعلمين ببعض المهن البعيدة عن مهنة التعليم، وضبابية مستقبل أجيال الجنوب..

المعلم الجنوبي يعلم أبناءنا فيما أبناؤهم يتعلمون في الخارج:

المواطن علوي الشبحي، وهو ولي أمر 3 أبناء وبنت بالمرحلة الابتدائية، قال: قيادات الرئاسي والحكومة لن يلتفتوا إلى معاناة المعلم الجنوبي لأنه لا يدرس أبناءهم.. مشيراً إلى أن أبناء القيادات والمسؤولين يتعلمون في الخارج، غير محتاجين للمعلم الجنوبي، (وجوده زي عدمه بالنسبة لهم)، لذا لن يرهقوا أنفسهم في إيجاد حلول لمعاناته.
مضيفاً: أبناؤنا هم الضحية لأن المعلم الجنوبي (الحكومي) هو الوحيد الذي يعلمهم ولا غنى عنه، في ظل عدم قدرتنا على إلحاق أبنائنا بالمدارس الخاصة أو بالخارج، فاقتصاد الأسرة الجنوبية على المحك.

وتابع قائلاً: الرواتب التي يتقاضاها المعلمون لا تتناسب مع مستوى التضخم وارتفاع الأسعار، مما يجعلها غير كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية والعيش ما دون الكريم، وهذا مبرر منطقي للإضراب والتوقف عن التدريس، في المقابل لا يوجد مبرر منطقي لتقاعس المسؤولين إزاء ذلك.

سياسة تجهيل للسيطرة على تفكير وقناعات الأجيال القادمة:

الأستاذ أبو مؤمن “معلم ثانوي”، فضل عدم ذكر اسمه، قال: إن ما نعانيه اليوم يأتي في سياق فن تجهيل الشعوب، الذي من أهم وسائله إضعاف التعليم وتوسيع الفجوة بين النخب وبين المستويات الدنيا، بحيث يتم تغييب الشعوب عن كيفية هذا الاختلاف بين الطبقتين، إلى جانب عمليات غسل الدماغ الممنهجة عبر الفضائيات ووسائل الإعلام، إضافة إلى نشر معلومات مغلوطة عقب استبعاد المعلم الذي يمتلك المعلومة الصحيحة عن المشهد.

وأضاف: هي أساليب لا أخلاقية لمصادرة العقول والتلاعب بالفكر، لا تفكر نحن نفكر بدلاً عنك، نحن نطعمك، ونحن من نقرر مصيرك، إلى جانب اختلاق الأزمات وإطالة أمدها لتغيير قناعات الشعب في مدة عشر سنوات مثلاً، يتم فيها خنق وتغيير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، ليتسنى خلق واقع جديد يجبر الشعب على تقبله والتأقلم معه، رغم أنه كان يرفضه في الفترة السابقة، ثم تقديم الحلول المعدة مسبقاً.

واستهجن قائلاً: وتكمن الخطورة في إثارة عاطفة الشعوب أكثر من عقولهم حتى يتحرك الشُّعور اللَّاواعي، فيتم بذلك وأد التفكير العقلاني والانتقادي، وتجميده، ليتم تسليمه بدون تفكير إلى حكم العاطفة والتبلد الفكري، والدخول في مرحلة التنازل الطوعي عن القضايا السياسية السيادية المصيرية مقابل سلة غذائية.
كما أن أخطر ما في سياسة التجهيل هو ضياع الهوية وخلط الأوراق لتمزيق المجتمع والقضاء على الرأي الجمعي الموحد.د، فيؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والثقافية من خلال اللعب على التوترات المناطقية..

وختم قائلاً: نمر بمرحلة انتقالية خطيرة، قد تنقل الجيل القادم الى مستنقع الجهل والتبلد الفكري إن لم يتم استيعاب وتدارك الموقف قبل خروجه عن السيطرة وعن القدرة على إعادة ضبطه. ويتوجب على النخب المثقفة والفاعلة في المجتمع نشر الوعي بمخاطر سياسة التجهيل “الجماعي”، والعمل على محاربته بكل السبل والإمكانات المتاحة.

العسكرة ملاذ الشباب غير المتوقع:

من جهته، المواطن محسن فريد قال: لم نتوقع أن تصبح العسكرة ملاذ الشباب عقب أن كانت في الماضي آخر الحلول، لم نتوقع أن يحارب التعليم الأساسي والجامعي ويحرم أكثر من 50% من الشباب والنشء من الحق في التعليم، حرب غير معلنة ضد المعلم وضد المنظومة التعليمية، والأخطر في ذلك إطالة أمدها، فمدة عشر سنوات كفيلة بإحداث تغيير اجتماعي وثقافي سلبي (جهل وأمية) يعيدان الجنوب عشرات السنين إلى الخلف، وقد يتطلب عشرات السنين لتجاوز تلك المحنة المؤجلة.

المعلم فقد ثقته في الحكومة:

المعلم أبو نزار (تعليم أساسي) طلب عدم ذكر اسمه، قال: أدى التجاهل الحكومي لمطالب المعلمين إلى فقدان الثقة في الحكومة، وتكمن المشكلة في أن الحكومات المتعاقبة وكذا الرئاسي يعانون مشاكل داخلية أشغلتهم عن ما يعانيه المعلم وكذا المواطن، مماحكات وصراع خلف الجدران على ترسيخ النفوذ والهيمنة على القطاعات الإيرادية، فكل فصيل يبذل جهده لبناء دويلة خاصة به، وفي كل مرة يزداد تغييب مؤسسات الدولة والدفع بها نحو الفشل الكلي.

وختم قائلاً: لا تخلو الأزمات الاقتصادية والخدمية الحاصلة في البلد من دوافع واجندات سياسية يراد تمريرها، ولا أتوقع الخروج من هذه الدوامة بسهولة في ظل صراع الضد، صراع استنزاف لم تظهر نهاية معلومة له.

ختاماً..
“النار لا تحرق إلا رجل واطيها”، لن يشعر المسؤولون بمعاناة لم تطأها أقدامهم، فالإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يفهم مدى مرارة أو ألم موقف ما إلا إذا كان هو من يعيشه ويتعايش معه. 
فمن يشاهد المشكلة من بعيد لن يشعر بنفس القدر من الألم والمعاناة التي يشعر بها من يعيشها يومياً في البيت والسوق والعمل، وكذلك هو حال المعلم ومسؤولي البلد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى