اقتصاد

على غرار “منع الأسلحة النووية”.. مطالبات بمعاهدة دولية لمكافحة الأوبئة

سمانيوز / متابعات

كشفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) عن أوجه قصور مدمرة ومميتة في الحوكمة والتعاون الصحي على مستوى العالم، في الوقت الحالي، ما دفع 25 من قادة العالم إلى الدعوة لإبرام “معاهدة دولية لمكافحة الأوبئة”. 
وتمثل “اللوائح الصحية الدولية” (IHR) المعاهدة الصحية العالمية الحالية، ولكن منذ تفشي وباء فيروس كورونا، أثبتت هذه اللوائح فشلها.
وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، أثار عدم شفافية الصين خلال تفشي وباء “سارس” في عامي 2002 و2003 موجة إصلاحات كبرى في هذه اللوائح في عام 2005، لكن العالم بلغ سريعاً حقبة وباء (كوفيد – 19)، وما زالت الصين تتأخر لأسابيع قبل تأكيد تفشي الوباء، إذ أنكرت حكومتها انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، على الرغم من الانتشار المجتمعي واسع النطاق للمرض، فيما ظلت منظمة الصحة العالمية عاجزة عن المطالبة بالشفافية والمساءلة بسبب افتقارها لأدوات تأكيد البيانات بصورة مستقلة، وعدم قدرتها على العمل داخل أي بلد دون إذن مسبق.
وتتساءل “فورين بوليسي”: “كيف يمكن أنْ تبدو إذن معاهدة فعالة وقوية لمكافحة الأوبئة؟”.
بحسب المجلة، دعا مؤتمر صحافي مشترك أقامته منظمة الصحة العالمية والمجلس الأوروبي، الأسبوع الماضي، إلى ضرورة ضمان وجود نظام تنبيه سريع وقابل للتحقق، ومشاركة البيانات، والشفافية، وسلاسل إمداد متطورة للقاحات والمواد الدوائية، والمساواة في توزيع الأدوات الوقائية الشخصية والإجراءات الطبية المضادة. 
لكن المعاهدة يجب أن تشتمل على أكثر من ذلك بكثير، بحسب المجلة، إذ تحتاج منظمة الصحة العالمية، إلى السلطة للتحقق بصورة مستقلة من التقارير الرسمية التي ترفعها الدول، كما يجب أن تتحلى بالصدق والأمانة في تنبيه العالم عندما لا تتصرف الدول بمسؤولية وشفافية. 

وتقر “فورين بوليسي” أنه “ربما لا توجد حلول مضمونة”، لكنها تؤكد أن “النموذج الوحيد يمكن أن يتمثل في نظام التفتيش والإنذار المعمول به حالياً للحد من انتشار الأسلحة النووية”، فمن خلال المعاهدات الكيميائية والنووية، على سبيل المثال، تستطيع وكالات مستقلة أن توفد علماء مستقلين لتفتيش بعض المنشآت والمرافق في جميع أنحاء العالم، لافتة إلى أن هذا هو المطلوب أيضاً، وليس أقل منه، لإجراء تحقيقات تتعلق بمسببات الأمراض الجديدة والخطيرة. 

دعم الإمدادات الطبية

في وقت مبكر من الوباء، كافحت الدول لشراء مواد طبية منقذة للحياة، مثل أدوات الاختبار، والمعدات الوقائية الشخصية، وأجهزة التنفس الصناعي، تماماً كما تكافح الآن للحصول على اللقاحات، ومن ثم، فإن العالم بحاجة إلى نظام لتكثيف إمدادات الإجراءات الطبية المضادة المنقذة للحياة، وتنفيذ ذلك على نحو عادل. 
يتضمَّن هذا، وفقاً لـ”فورين بوليسي”، أن تعمل الدول معاً لتحسين قدراتها، وضمان توافر سلاسل إمدادات أكثر فاعلية، ونقل التكنولوجيا لإنتاج المواد الطبية محلياً، وتعليق حماية الملكية الفكرية التي تحيط المعلومات الحيوية والمهمة بهالة من السرية. 
كما يتطلَّب ذلك المشاركة المفتوحة للمعلومات العلمية، وعينات الفيروسات، وبيانات التسلسلات الجينومية، وستتراوح منصات مشاركة المعلومات من البحث والتطوير إلى الدروس العملية، لافتة إلى أنه في المرة المقبلة التي يحدث فيها تفشٍّ خطير للوباء، يجب أن يحل التعاون الدولي محل التنافس على الأسعار.
وبحسب “فورين بوليسي”، قدمت الولايات المتحدة أفضل فكرة لتطوير القدرات الأساسية للمنظومات الصحية من خلال “أجندة الأمن الصحي العالمي” التي وضعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكن التمويل اللازم لتفعيل هذه الفكرة لا يزال غير كافٍ. 
ومن ثم فإنَّ معاهدة مكافحة الأوبئة، يجب أن تضع، بحسب المجلة الأميركية، متطلبات تمويلية محددة، سواءً في ما يتعلق بالاستثمارات المحلية الخاصة بالتأهب للأوبئة، أم بالمساعدات الاقتصادية والتقنية العالمية، كما يمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تزيد الأنصبة الإلزامية للدول الأعضاء الخاصة برسوم العضوية، والمخصصة لبناء القدرات الأساسية للمنظومة الصحية. 

المساواة في الاستجابة الوبائية

وأشارت المجلة إلى أن العنصر الأهم على الإطلاق هو المساواة، ففي الوقت الذي كانت فيه الدول الغنية هي الأكثر تضرراً، كان الشعور بالتداعيات الأطول زمناً والأوسع نطاقاً يضرب، وسيظل يضرب، الدول الأكثر فقراً. فالدول منخفضة الدخل هي الأقل من حيث فرص إجراء الاختبارات والحصول على اللقاحات، والأقل موارد للتخفيف من حدة الدمار الاقتصادي، كما أن أنظمتها الصحية هي الأقل قدرة على التأقلم في أوقات الأزمات. 

 ولحل هذه الإشكالية، اقترحت المجلة أن تلزم المعاهدة منظمة الصحة العالمية بتطوير فريق عمل رفيع المستوى لضمان أن تشكل المساواة والعدالة ركناً أساسياً في الاستجابة للأوبئة، تماماً كما فعل الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة.  
وأشارت المجلة إلى أن هناك معاهدة أخرى مقترحة يتوافر لها إلزام صريح بالعدالة الصحية من خلال المساءلة عن الحق في الصحة، وهي الاتفاقية الإطارية بشأن الصحة العالمية، والتي من شأنها أن تعالج الأسباب الكامنة وراء ضعف الصحة وعدم المساواة الصحية. 
وقالت المجلة إن الملامح العامة لهذا الإطار ستعزز التأهب للوباء قبل وقوعه، والاستجابة له حال وقوعه، بما في ذلك المعايير والآليات التي تدعم المساءلة والمشاركة والمساواة.

مقاربة “صحة واحدة”

ويدرج مؤيدو معاهدة الوباء الحاجة إلى مقاربة “صحة واحدة”، التي تقوم على الروابط الوثيقة بين الصحة البشرية والصحة الحيوانية والبيئة. فالتقرير الخاص بمنشأ فيروس “سارس – كوف – 2” يحدد “قفزة طبيعية من حيوان إلى إنسان” باعتبارها السبب المحتمل. 
وتبدأ نحو 70% من جميع الأمراض المستجدة بهذه القفزة حيوانية المصدر. ويمكن للمعاهدة أن تمنع تدريجياً بيع الحيوانات البرية، أو الاتجار بها، مع صياغة لوائح تنظيمية صارمة للأسواق الرطبة.
كما يمكن للمعاهدة أن توفر التمويلات اللازمة لمساعدة انتقال المجتمعات إلى مصادر بروتينية أخرى، ومساعدة الحكومات على محاربة عمليات إزالة الغابات غير القانونية لأغراض مثل تربية المواشي، أو الحصول على الأخشاب. 
ويجب أن تشمل المعاهدة أيضاً مقاومة مضادات البكتيريا، بما في ذلك الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، أو إساءة استخدامها في الإنسان والحيوان، كأحد أخطر عشرة تهديدات صحية تواجه منظمة الصحة العالمية. 

آليات التنفيذ 

وقالت المجلة إنه سيكون من الصعوبة بمكان فرض آليات مناسبة لهذه المعاهدة واسعة النطاق، لكن المجتمع الدولي يمكن أن يبحث مجموعة من آليات الإنفاذ الموجودة بالفعل في معاهدات وأنظمة أخرى، مثل التقييمات الخارجية المشتركة التي يتم استخدامها الآن في اللوائح الصحية الدولية، حيث يقوم المسؤولون الوطنيون وخبراء الصحة والمجتمع المدني معاً، وبالتشارك، بتقييم تطبيق هذه اللوائح. 
وربما تكون هذه التقييمات طوعية في الوقت الراهن، لكنها يمكن أن تصبح إلزامية. ويمكن أن تتطلب المعاهدة أيضا التحكيم الملزم. كما يمكن أن تبحث مسألة فرض عقوبات، سواءً كانت في صورة حظر السفر أو تجميد الأصول للمسؤولين الحكوميين غير الممتثلين، أو عقوبات تجارية أكثر شمولا. 
ويمكن تأسيس وكالة مستقلة وتمكينها من إجراء التحقيقات التي تراها ضرورية، بدءا من التحقيقات في تفشي المرض، إلى الامتثال في مشاركة البيانات، ووصولا إلى التحقيق في مصدر الوباء. 
ومهما كانت هذه الآليات، فإن إنشاء كيانات مستقلة، مثل هيئة تفتيش أو آلية للفصل، أو تحديد عقوبات، سيكون مهماً، وسيسهم، بحسب المجلة، في فصل هذه الوظائف عن الضغوط السياسية التي ستواجهها منظمة الصحة العالمية لا محالة.

إشكالية التوافق

ولفتت المجلة إلى أن موافقة الدول على التطبيق القسري للعقوبات يمثل سؤالاً مفتوحاً، إذ من اللافت أن الصين وروسيا والولايات المتحدة لم توقع على الخطاب المشترك الذي يدعو إلى إبرام معاهدة جديدة لمواجهة الأوبئة، وعبر البيت الأبيض عن قلقه من أن تؤدي المفاوضات إلى صرف الاهتمام والموارد عن اتخاذ إجراء عاجل يتعلق بالتأهب والاستجابة. 
وتطرح مجلة “فورين بوليسي” تساؤلاً مهماً، هو: “هل سيخلق الدمار الذي أحدثه كوفيد – 19 مستوى جديداً من الإرادة السياسية؟”. 
أحد الاحتمالات، بحسب المجلة، هو إنشاء اتفاقية إطارية، مع تضمين آليات إنفاذ أكثر إثارة للجدل، كبروتوكولات تحتاج الدول التي تنضم إلى المعاهدة إلى الموافقة عليها على حدة. وقد يجذب هذا دولاً أخرى لم تدرك بعد الحاجة إلى معاهدة لمكافحة الأوبئة.
وستكون منظمة الصحة العالمية، الموطن الأكثر احتمالاً لمعاهدة مكافحة الأوبئة، وهذا منطقي بالنظر إلى دورها كقائد للصحة العالمية. كما تتمتع المنظمة بصلاحيات دستورية موسعة للتفاوض بشأن الاتفاقيات واللوائح. 
ومع ذلك، يجب أن تتعاون منظمة الصحة العالمية بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، وأن تضمن آليات لحشد استجابة كاملة من الأمم المتحدة، على غرار بعثة الأمم المتحدة إلى غرب إفريقيا أثناء تفشي وباء إيبولا في الفترة من 2014 إلى 2016. 
لكن منظمة الصحة العالمية لا تحظى، وفقاً لـ”فورين بوليسي”، بقوة سياسية كبيرة، وقد رأينا دولاً قوية تتلاعب بها طوال فترة الوباء، وهو ما يجعل الأمم المتحدة تمثل مساراً محتملاً آخر لإبرام المعاهدة، إذ يمكن لمعاهدة مدعومة أممياً أن تسهل، بحسب المجلة، استجابة جميع الوكالات حتى غير الصحية منها، وأن تفتح أيضاً الباب أمام إمكانية فرض عقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، رغم صعوبة الحصول على موافقة الأعضاء الدائمين.
وأشارت المجلة إلى أنه لهذا السبب يمكن أن توفر المؤسسات الرئيسية مثل الأمم المتحدة ومجموعة السبعة ومجموعة العشرين الدعم السياسي. وقد تحدث المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن الحاجة إلى تعزيز بنية الصحة العالمية. 
وخلصت المجلة إلى أن معاهدة الوباء يمكن أن تعزز بشكل كبير أنظمة التأهب للأوبئة، لكنها تحتاج إلى معايير قوية، وقدرة على تحقيق الامتثال، لمنع الاستجابة غير الفعالة للوباء مستقبلاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى