تعنيف وتجويع المعلم الجنوبي.. سياسة تجهيل ممنهجة أم وضع إجباري فرضته الحرب ..؟

سمانيوز / استطلاع / عبدالله قردع
(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). صدق الله العظيم.. للذين أوتوا (العلم) درجات، بالعلم ترتفع البشرية درجات وبالجهل تسقط إلى قاع الحضيض .
ولمكانة المعلم العالية في المجتمع
قال فيه أمير الشعراء أحمد شوقي :
قم للمعلم ووفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
وقيل : إذا أردت أن تهدم حضارة احتقر معلمًا وأذل طبيبًا وهمّش عالمًا واعط قيمة للتافهين.
العلم هو أساس نهضة الأمم ولا علم بدون معلم .
من ينصف المعلم الجنوبي؟ من يعيد له اعتباره وهيبته؟ من يحمي الجيل من سياسة التجهيل؟ من يحمي مستقبل الجنوب من الأمية والجهل في ظل استمرار الظلم الواقع على كاهل المعلمين الذين لجأوا مضطرين إلى الإضراب عن العمل.
من ينصف المعلم وقد تكالبت عليه المحن والمعاناة من كل حدب وصوب، ظلم لم يقتصر على تجويعه بالانتقاص من مستحقاته المالية، حيث أصبح راتبه الشهري لايساوي قيمة كيس رز . ظلم وصل إلى حد التعنيف والإهانة اللفظية والاعتداء الجسدي.
سمانيوز أجرت استطلاعًا صحفيًا لعلها تجد تفسيرًا منطقيًا للحالة التي يمر بها المعلم والعملية التعليمية برمتها .. التقت عددًا من الجنوبيين وطرحت عليهم التساؤل أدناه ..
حرب غير معلنة ضد المعلم الجنوبي أوصلته إلى مادون خط الفقر .. هل تتعرض الجنوب لسياسة تجهيل؟ أم أنه وضع إجباري فرضته الحرب؟) وخرجت بالحصيلة التالية :
تدمير تدريجي على مدار 3 عقود ماضية :
كان الأستاذ هشام الجاروني فاتحة استطلاعنا الذي يرى أن العملية التعليمية في الجنوب تعرضت لتدمير تدريجي ممنهج على مدار الثلاثة العقود الماضية في إشارة منه إلى حقبة الوحدة اليمنية.
وقال : التعليم محور مستقبلنا فكل المستقبل مرهون بالتعليم أولا وثانيا وثالثا، وللأسف خلال الثلاثين عاما الماضية كانت هناك عملية ممنهجة لتدمير العملية التعليمية والتربوية ، لقد تم هدم تلك المنظومة بشكل حقير جدا لقد أسرفوا في تدمير التعليم لتدمير الإنسان بعد احتلالهم للجنوب، لقد أسرفوا في غيهم تنفيدا لمقولة (لكي تهدم أمة عليك بهدم الأسرة والتعليم والقدوة المجتمعية ) ولازالت هدة العملية مستمرة إلى يومنا هذا مع سبق الإصرار والترصد. وتابع الأستاذ الجاروني قائلاً :
التعليم اليوم في محافظات الجنوب مأساوي ، بل كارثي بفعل فاعل، لقد دمروا المنظومة التعليمية وفي مقدمتها (المعلم) عمودها الفقري هدموا إنسانية وهيبة المعلم. هناك صورة قاتمة للمستقبل بسبب انهيار التعليم من المؤسف أننا إذا استمرينا بنفس الطريق ستكون لدينا نخب ثقافية وسياسية جاهلة ، وهذا ما صرنا نشاهد بوادره من حولنا مايحدث للمعلم اليوم الهدف منه تدمير ماتبقى من التعليم المدمر أصلاً، لقد افتقدنا المعلم القدوة افتقدنا المعلم الأب أو الأم.
العلاقة بين التلميذ والمعلم علاقة تصادمية :
وأضاف الاستاذ الجاروني قائلاً : أصبحت العلاقة بين التلميذ والمعلم علاقة تصادمية وللأسف كل ذلك يحدث بتواطؤ من الدولة ممثلا بوزارة التربية والتعليم والحكومة ككل. الإسراف في اغتصاب حقوق المعلمين جريمة لاتغتفر لصالح من يتم تدمير المعلم، يجب على المجتمع ككل الوقوف أمام ذلك بحزم فمايحدث سندفع جميعاً ثمنه فوضى وفساد وبلطجة وانحلال أخلاقي ألا يكفي أننا أصبحنا أمة اقرأ التي لاتقرأ ابتعدنا عن ديننا الإسلامي الذي رفع من قيمة العلم والمعلم واعتبر التربية والتعليم سلوكا دينيا لايجب التفريط فيه وقدوتنا في ذلك سيد الخلق رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو القائل : ( إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا إنما بعثني معلما وميسرا)، فحصر بعثته بالتعليم ووصفها بالتيسير فالتعيلم جواز سفر للمستقبل.
وختم الجاروني قائلاً : نقول لمن لازالت عقولهم وضمائرهم أسيرة فكرة تدمير الإنسان في الجنوب احذروا غضب الناس ، فالطوفان لن يرحم أحد.
هي حرب معلنة منذ العام 1994م :
من جهته الاستاذ علي الجوهري يرى أن مايتعرض له المعلم الجنوبي هو حرب معلنة ضده منذ العام 1994م.
وقال : الكل يدرك بأهمية العملية التعليمية التي أساسها (المعلم) ولكن معاناة المعلم الجنوبي ليست وليدة اللحظة ، وإنما هي نتيجة رواسب فساد منذ غزو الجنوب في العام 1994م ومابعده من انهيار للعملية التعليمية وتغييب (هيبة) المعلم وتشجيع الطلاب على الغش والتطاول على المعلم لخلق جيل فاشل متنمر. وهذا كان هدفهم واصبحنا اليوم نعاني من تلك التركة.
وتابع الاستاذ الجوهري قائلاً : مع ذلك فإنني أشعر أننا بإذن الله سوف نتغلب على هذه المعضلة وهذا ما أثبتته مدارس الجنوب هذا العام من منع الغش.
كما أتمنى على الحكومة سرعة حل مشاكل المعلمين المالية من تعزيز الرواتب وجعلها تتماشى مع الغلاء الحاصل وكذا دفع علاواتهم السنوية وتحفيز المبرزين لتشجيع المعلم على تقديم أفضل ما لديه ثم يأتي تطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
وختم الاستاذ الجوهري قائلاً : أحب أن أعرّج على الاهتمام بالكتاب المدرسي وإعادة تشغيل مطابع الكتاب المدرسي الذي عملوا على إيقافها وأرادوا تدميرها من خلال قيامهم بطباعة الكتاب المدرسي خارج الوطن.
المعلم مستثنى مع أي معالجات تقوم بها الحكومة :
من جهته الأستاذ خالد طه سعيد يرى أن الحرب ضد المعلم والمؤسسة التعليمية في الجنوب ليست وليدة اللحظة بل هي حرب لها أسبابها ولها معطيات أوجدتها المرحلة التي تلت حرب صيف 1994م حيث أوجدت نتائج كارثية على النشئ وما لحقها من ضرر على مستقبل الجنوب من حيث الجانب التعليمي بعد أن كان الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) من الدول الرائدة في المنطقة.
وتابع الاستاذ خالد قائلاً : ومن أجل أن نعرف من أين مكامن الخلل يتوجب علينا أن نضع شرحا متكاملا ونضع رأينا من حيث المعطيات والنتائج التي أصبحت من مخرجات التعليم في الجنوب .
كانت البدايات منذ أن اجتاحت قوات الاحتلال اليمني أراضي الجنوب ، حيث قام نظام عفاش وحلفائه بضم الألوف من أفراد الجيش والأمن إلى السلك التربوي بعد أن تم فتح لهم المعاهد التي تصرف شهادة الدبلوم العام نظام سنتين. وكان ذلك مخطط لإفساد التعليم حيث تم تحويل الجندي إلى معلم تربوي وساهم بشكل كبير في إفشال العملية التعليمية بعد أن تحولوا إلى معلمين أو (مطبلين) لتعليم الوحدة اليمنية التي يفضلون التغني بها.
وقال الأستاذ خالد :
أما عن سياسات المناهج والخطط التعليمية ارتكزت على تغيير المناهج ويمننة الأفكار والعمل على ترسيخ الثقافة اليمنية الشمالية وفي المقابل تشويه دولة الجنوب ووصف الجنوبيين بالمرتدين وجعل من الوحدة ( دينا مقدسا ) يمنع المساس به.
وعن الوضع الحالي للمعلم الجنوبي قال الاستاذ خالد :
الحاصل ضد المعلم الجنوبي من محاربته في لقمة عيشه ، إنما هي من أشد أنواع الحروب ، ولو لم تعلن تلك الحرب فالمعلم اليوم يمر بأسوأ حالاته وأضعفها وإن توقف عن العمل فهو لا يلام على ذلك ، فهو إنسان لديه إحساس. لديه عائلة وأطفال ومن المؤكد يحتاج لأبسط الأمور ، ولكن لم يستطع الحصول عليها ، حيث لا يتم صرف راتبه الشهري بانتظام كما أن راتبا زهيدا لايفي لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة، بالإضافة إلى أن المعلم مستثنى من أي معالجات تقوم بها الحكومة.
دولة الوحدة اليمنية سلبت من المعلم هيبته :
من جهته الاستاذ حيدرة عبد الله (مدير ثانوية في أبين) يرى أن دولة الوحدة اليمنية قد سلبت من المعلم الجنوبي هيبته وتدريجيا سقطت هيبة العملية التربوية والتعليمية برمتها ، ومعها حرم المعلم من مكانته ومن حقوقه فلم يتبق له قيمه. وقال ؛ إن مايحصل اليوم هو إفرازات لسياسة التجهيل التي مارستها صنعاء ضد الجنوبيين واعتقد أن أطرافًا في الوقت الراهن استثمرت هذا الوضع لتمرير أجندات وسارت على نهج عفاش ، ولكن مصيرها الفشل فشعب الجنوب قد تشبع من تلك السياسات ووصل إلى درجة عالية من الوعي والفهم لكل مايحاك ضده. وعبركم أطالب رئيس الحكومة الجديد أحمد بن مبارك أن يلتفت إلى مطالب المعلمين ويضع لمعاناتهم حدا.
ليس صدفة وإنما بفعل فاعل :
من جهته الأستاذ محمد الجفري يرى أن مايتعرض له المعلم والعملية التعليمية في الجنوب ليس صدفة ، وإنما يندرج في سياق سياسة ممنهجة. وقال : ليس كافياً أن نتحدث أو نتضامن مع المعلم ، فالعلم والمعلم هما أساس نهضة الشعوب والدول. المعلم هو همزة الوصل بين التلاميذ وبين مستقبلهم إما مشرقاً أو مظلماً .
وأضاف الجفري : فشلت قوى صنعاء بما فيها الإخوان المسلمين في السيطرة على الجنوب عسكريًا ، ولكن للأسف لايزال حزب الإصلاح اليمني الإخواني مسيطرا على بعض مفاصل الدولة بما فيها وزارتا التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وإن مايحدث للمعلم الجنوبي اليوم من إسقاط هيبته وحرمانه من مستحقاته المالية ، ودفعه صوب الإضراب والتوقف عن العمل ليس صدفة ، وإنما يندرج في سياق سياسة ممنهجة لضرب العملية التعليمية على طريق تجهيل أجيال الجنوب ، وتعكير مستقبل الدولة الجنوبية ، فالأمة الجاهلة ساذجة غير قادرة على تسيير أمور حياتها ويسهل السيطرة عليها، كما يساق شبابها نحو الانحراف او التطرف والإرهاب.
وختم الاستاذ الجفري قائلاً :
كل ذلك يندرج في إطار صناعة جيل جديد يحمل في جعبته أفكارا هدامة أما متطرفة تدفع به إلى مصيده الإرهاب أو الانحراف بكافة أشكاله ، وأنه يتوجب على قيادة المجلس الانتقالي الوقوف إلى جانب المعلم الجنوبي ، والانتصار لقضيته حفاظاً على مستقبل أجيال الجنوب.
العبث على المنهج والمعلم :
ويرى الأستاذ محمد عبد الله الموس وبه نختم الاستطلاع أن المنهج الدراسي والمعلم تعرضا للعبث . وقال : المعلم هو صانع المستقبل في أي مجتمع وثنائي صناعة جيل الغد ومقياس جودة التعليم هما المعلم والمنهج والاثنان تعرضا للعبث ، فالمعلم يعاني من الفاقة التي تحرمه من القدرة على الأداء الجيد ، والمناهج تشوهت لتعتمد على الحفظ وليس الفهم لهذا نجد طلابا في مراحل متقدمة من التعليم لا يجيدون القراءة ناهيك عن الكتابة بإملاء سليم.
وتابع الموس قائلاً :
في المجتمعات التي نهضت كان العلم والتعليم من أولوياتها، وفي تلك المجتمعات يحظى المعلم والقاضي بامتيازات تغنيهم عن الحاجة تماما.
نحن لسنا بحاجة إلى اختراعات بيروقراطية سخيفة ، نحن فقط بحاجة إلى أن نستفيد من المجتمعات التي سبقتنا من ثلاث زوايا :
أولاً :
كيفية اختيار وتأهيل المعلم وتحديد أجره.
ثانياً :
إصلاح مناهج التعليم بحيث تجعل الطالب مبدعا لا مجرد ببغاء.
ثالثاً :
اختيار وسائل التعليم التي تساعد المعلم والطالب.
وختم الأستاذ الموس قائلاً :
هذه المسألة ليست صعبة لكنها كغيرها من الجوانب، بحاجة إلى قيادة رشيدة تدرك أهمية التعليم بوصفه صناعة المستقبل.