(21 مايو 1994م).. ذكرى إعلان فك الارتباط عن اليمن.. «فض الشراكة» وأنهى شرعية الوحدة بين الشمال والجنوب..!

سمانيوز/تقرير/خاص
عقب توقيع اتفاق الوحدة الاندماجية المشؤومة في 22 مايو 1990م، ذهبت قيادات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى عاصمة الجمهورية العربية اليمنية صنعاء، لممارسة اتفاق الشراكة على أرض الواقع في إدارة الدولة الوليدة.. ولكن سرعان ما خلع الأشقاء اليمنيون الأقنعة وانكشفت خلال فترة وجيزة نواياهم الخبيثة المبيتة تجاه الجنوبيين،
بادر عفاش وحليفه الشيخ عبد الله الأحمر بتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990، وتم افتتاح مقره الرئيسي في العاصمة اليمنية صنعاء في 3 يناير 1991م، مستغلين التعددية الحزبية المتفق عليها..
كان حزب الإصلاح مجرد واجهة سياسية يخفي تحت أجنحته عصابات إجرامية محلية ومن الأفغان العرب والمرتزقة، تخضع لإمرته وتتحرك وفق فتاوى دينية تصدر عنه.
أباح الإصلاح دماء قيادات الاشتراكي بذريعة أنهم ماركسيون كفار يجوز قتلهم.
لم تتوقع القيادات الجنوبية حدوث خيانة وغدر في وقت مبكر، لاسيما أنهم اندمجوا في تلك الوحدة بطريقة عفوية أخوية، وكانو يظنون أن الأشقاء اليمنيين يبادلونهم نفس الشعور.
اغتيال الوحدة في وقت مبكر:
وفق فتاوى دينية، تم نبذ الجنوبيين في صنعاء واستبعادهم دينياً عن المشهد السياسي، وحشرهم في زاوية المغضوب عليهم، بحجة أنهم كفار لا يجوز تمكينهم في الحكم، أو توليهم أي منصب قيادي، وأن لا سمع ولا طاعة ولا ولاية للكافر الجنوبي على المسلم الشمالي.
ترجم حزب الإصلاح تلك الفتاوى والمفاهيم المأخوذة من رواسب ثقافة كراهية يمنية متوارثة ضد الجنوبيين، إلى واقع عملي بتنفيذ عمليات اغتيال وملاحقة للقيادات السياسية والعسكرية والأمنية الجنوبية. تم قتل العميد ماجد سيف مرشد الصبيحي مستشار وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر في 21 يونيو 1992م، وسحلت جثته في صنعاء. وفي العام نفسه تعرض القيادي علي صالح عباد مقبل لمحاولة اغتيال بمحافظة أبين. وتم استهداف منزل الدكتور ياسين سعيد نعمان في صنعاء بقذيفة آر بي جي.
استمرت عمليات القتل والملاحقة ضد الجنوبيين، ولم تقتصر على صنعاء بل توسع نطاقها لتشمل المحافظات الجنوبية، حيث زرع ذاك الحزب الإرهابي خلاياه في كل مكان، وكانت تقيّد تلك الجرائم ضد “مجهول”، رغم حدوث أغلبها في عز النهار.
البيض أدرك المخطط الإجرامي واعتكف في عدن:
كشفت الأحداث المتسارعة وعمليات القتل الانتقائية التي كانت تستهدف الجنوبيين، إلى جانب سياسة الإقصاء والتهميش، للرئيس علي سالم البيض المخطط الإجرامي اليمني، وأن المعمول كان فخاً وليس وحدة أخوية.
أدرك البيض حجم الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه، فحاول التكفير عنه، وأعلن في أغسطس 1993م الاعتكاف في العاصمة عدن، مقاطعاً النشاطات الرسمية في صنعاء.
في 11 أكتوبر 1993 انتخب مجلس النواب اليمني مجلس رئاسة جديد للبلاد، يتألف من خمسة أعضاء، بينهم المخلوع علي عبد الله صالح، ونائبه علي سالم البيض، وعضو حزب الإصلاح الشيخ عبد المجيد الزنداني، والأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي عبد العزيز عبد الغني، والأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي سالم صالح محمد.
وأكّد الرئيس البيض أنه لن يحضر إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية، وأنه باقٍ في اعتكافه في عدن. وبرر البيض رفضه حضور الجلسة بقوله: «إن صنعاء تشكل ترسانة أسلحة، واستمرار هذا الوضع يعني إبقاؤنا مقيدين، وأن نتقاتل في ما بيننا». وشدد على أنه لا يريد الذهاب إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية، وممارسة الكذب على الناس مرة ثانية.. وصرح أنه غير قادر على تحمل المسؤولية في ظل الأوضاع الراهنة، التي لم ولن تمكنه من عمل شيء، منذ اليوم الأول للوحدة، بحسب تعبيره.
في 29 أكتوبر حذر البيض من أن وحدة اليمن في خطر، “إذا لم نُقِمْ دولتها، ونعطها مضمونها الوطني والديموقراطي”، حد قوله. واتهم البيض أن “من في يده الآلية في السلطة يحول دون اتخاذ إجراءات”. وأضاف أنه يؤدي اليمين الدستورية إذا رأى إمكانية لجدولة زمنية (للنقاط الـ18 التي طرحها) لإجراءات عملية.
وتضمنت تلك النقاط تطبيق نظام حكم جديد يقوم على اللامركزية، وسحب القوات المسلحة من المدن، والنقاط الأخرى المستحدثة، شرطاً لإنهاء المواجهة السياسية.
في اليوم نفسه تعرض أبناء البيض: نايف (24 عاماً)، نيوف (22 عاماً)، مع ابن خالتهما كامل عبد الحامد (23 عاماً)، لوابل من الرصاص في حي المنصورة، وقُتِل “كامل” على الفور بأكثر من ثلاثين طلقة في رأسه وأنحاء من جسده. وأكد حينها مصدر مسؤول في الحزب الاشتراكي، أن ثمة دوافع سياسية وراء محاولة الاغتيال، التي اعتبرها رسالة موجهة إلى البيض، بسبب صلابة موقفه في الخلاف مع الرئيس صالح، على برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي.
في 10 يناير 1994، أطلق مسلحون النار على منزل علي سالم البيض، بمدينة عدن، ولم يسفر الحادث عن وقوع أي إصابات أو خسائر بشرية، وقد أدى الحادث إلى ازدياد حدة الأزمة السياسية في اليمن.
وفي 18 يناير 1994، وقع الرئيس البيض مع عفاش على “وثيقة العهد والاتفاق” في الأردن، وذلك لتسوية الأزمة السياسية بينهما، إلا أن الوثيقة كانت مجرد حبر على ورق. ولم يتمكن الرئيس البيض من العودة إلى صنعاء بسبب التحشيد والتصعيد العسكري اليمني، واستمرار عمليات اغتيال القيادات الجنوبية.
تفجير الموقف عسكرياً:
على مدار 70 يوماً تقريباً دارت رحاها، انطلقت الحرب في تاريخ 27 أبريل 1994م، وحطت أوزارها في 7 يوليو 1994م، باجتياح واحتلال العاصمة عدن.
اندلعت الحرب بعد ساعتين من الخطاب الذي ألقاه عفاش في ميدان السبعين، مخاطباً الحزب الاشتراكي وزعيمه علي سالم البيض بصفة “الانفصاليين”، قال صالح يومها والبيض معتكف في عدن: «إن شعبنا اليمني سيضع حدًا لأولئك الذين يتسكعون على أبواب العواصم، ليستلموا مالاً مدنساً من أجل إجهاض الوحدة».
لم ينشب الصراع المسلح بين اليمن والجنوب دفعة واحدة، وإنما ظلت درجة التصعيد تتزايد بمعدلات متسارعة. وبدأت عملية التصعيد مع اندلاع اشتباكات عنيفة بين اللواء الثالث مدرع الجنوبي المتمركز بالقرب من مدينة عمران، والفرقة الأولى مدرع الشمالية، التي كان يقودها آنذاك العقيد علي محسن الأحمر..
تلا ذلك توتر مسلح في محافظة ذمار اليمنية ومحافظة أبين الجنوبية، حيث بدأ الشماليون إجراء تعزيزات لتطويق لواء باصهيب الجنوبي المتمركز في ذمار، مقابل ذلك قامت القوات الجنوبية بقصف معسكر لواء العمالقة الشمالي المتمركز في أبين.
وبدأ مخطط الحرب اليمني على الجنوب بتصفية جيوب القوات الجنوبية، الموجودة في الشمال ثم تنفيذ عملية هجوم واسع النطاق.
21 مايو البيض يعلن فك ارتباط الجنوب عن اليمن:
عقب مرور شهر من اندلاع الحرب، تحديداً في 21 مايو 1994م، أعلن الرئيس الشرعي للجنوب علي سالم البيض، الذي وقع على الوحدة في العام 1990م، من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، فك الارتباط عن الشمال، وبموجبه يتم فض الشراكة، إلا أن ذلك لم يحدث و لم تعترف أي دولة بها، ولعبت الخيانة وخذلان الجوار العربي دوراً كبيراً في إسقاط الجنوب. ولايزال نضال الجنوبيين مستمراً إلى اللحظة حتى استعادة الدولة الجنوبية.
ختاماً..
لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني جنوبياً خالصاً، بل كان أكثر من نصفه يمنيين، دفعتهم الغريزة والانتماء اليمني للوقوف في صف اليمن ضد الجنوب في الحرب، بالإضافة إلى أن الجنوب آنذاك كان يعاني انقساماً حاداً بين الزمرة والطقمة.
أضف إلى ذلك أن الحزب الاشتراكي – عبر عناصره اليمنية – شرعن احتلال اليمن للجنوب، وذلك بالدخول في الانتخابات التي تلت الحرب، وفي تحالفات مع أطراف يمنية في ما يسمى “أحزاب اللقاء المشترك”.
وعليه، يتعين على الجنوبيين الاستفادة من الدروس السابقة، والبحث عن الطريق الأسهل والأقل تكلفة للوصول إلى فك الارتباط عن اليمن.