أوساط دولية : فك ارتباط الجنوب عن اليمن خيار تفرضه «متطلبات دولية»

سمانيوز/ تقرير
لم تعد قضية شعب الجنوب خفية أو محجوبة عن العالم، بل أصبحت – بحسب أوساط سياسية دولية – مطروحة على الطاولة الإقليمية والدولية، ومحل اهتمام الأطر السياسية، أكانت أفراداً أو كيانات أو دولاً، خصوصًا المؤثرون في صناعة القرار الدولي.
وبحسب ساسة غربيين، لم يعد خيار فك ارتباط الجنوب عن اليمن مطلب شعب الجنوب فحسب، بل أصبح ضرورة حتمية فرضتها متطلبات دولية، لإعادة الأمن والاستقرار إلى ممرات ومناطق حيوية عالمية بالبحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، والقرن الإفريقي ومضيق باب المندب، في ظل استمرار التهديدات الإيرانية وتنامي تنظيمات الإرهاب (القاعدة والحوثيين)، وازدهار تجارة تهريب المخدرات والأسلحة والعناصر الإرهابية.
فاليمن الموحد، من منظور الساسة الغربيين، أصبح في الوقت الراهن يشكل خطراً لاتساع محتمل لرقعة الإرهاب، لا سيما الكثافة السكانية تتركز شمال اليمن، حيث الحاضنة الملائمة للتنظيمات الإرهابية، وفي حال استحواذ الشمال على الجنوب تتضاعف الخطورة، ويخسر المجتمع الدولي حليفاً استراتيجياً مهماً في الحرب على الإرهاب، بشقيه الحوثي والقاعدي، يتمثل في المجلس الإنتقالي الجنوبي.
المحلل السياسي الأمريكي، مايكل روبين، قال خلال مداخلة متلفزة رصدتها «سمانيوز»: مدينة عدن آمنة مستقرة، ولا يوجد أي سبب على الإطلاق يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من نقل السفارة اليمنية من الرياض إلى عدن.. مشيراً إلى أن جميع محافظات الجنوب تعيش حالة استقرار ملحوظ.
وتابع قائلاً: ما أراه أن المجلس الرئاسي غير فعال ويشوب عمله فساد كبير. كما أن أعضائه يعملون بأهداف متناقضة، ولا ينبغي لأحد أن يكون في مجلس القيادة الرئاسي من لا يقيمون في اليمن.
وأضاف: لديهم الكثير من المال تم تحويله للوزراء الذين يعيشون في القاهرة أو الرياض، وهذا أمر غير قانوني. واستهجن قائلاً: قيادات بمجلس القيادة الرئاسي يبدون مهتمين بشكل أكبر في تقويض منافسيهم. فعلى سبيل المثال، يقوم حزب الإصلاح (إخوان اليمن) بتقويض جهود المجلس الانتقالي الجنوبي، بدلاً من هزيمة الحوثيين.
وحدة اليمن لم تُنتج استقراراً:
وفي مقاله المنشور في “نيتفارث إنديا”، اعتبر روبين أن “وحدة اليمن لم تُنتج استقرارًا، بل كانت خلال العقود الماضية واحدة من أكثر فترات البلاد اضطراباً”، مؤكدًا أن جنوب اليمن أكثر انفتاحًا واعتدالًا وتاريخيًا أقرب إلى الهند.
السيد روبين استهل مقاله بالإشارة إلى الهجوم الحوثي على السفينة “إتيرنيتي سي” في البحر الأحمر، والذي أدى إلى نجاة حارس أمن هندي في 10 يوليو، معتبرًا أن استمرار الحوثيين في استهداف الملاحة في الممر البحري بين الهند والشرق الأوسط، بدعم من الحرس الثوري الإيراني، يهدد المصالح الاستراتيجية لنيودلهي.
وانتقد روبين النهج الدولي الذي يروّج لوحدة يمنية مفروضة، ويجمع قوى متصارعة في مجلس رئاسي واحد، مؤكدًا أن ذلك يُضعف المعركة ضد الحوثيين.
وأشار روبين إلى أن جماعة الإخوان المسلمين داخل المجلس الرئاسي تدعم تنظيم القاعدة، بينما يعطّل مسؤولون شماليون جهود الجنوب، بما في ذلك منع بيع الوقود في عدن رغم توفره، مما يزيد من معاناة السكان تحت حرارة خانقة وانقطاع مستمر للكهرباء.
وبحسب روبين، فإن “الوحدة اليمنية لا تمثل إلا 13% من تاريخ البلاد، بينما ساد قدر أكبر من الاستقرار حين كان الجنوب مستقلاً”.
الانتقالي أكثر الأطراف كفاءة في إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرته:
مركز منتدى الشرق الأوسط الأمريكي أكد في تحليل للباحث الدكتور مايكل روبين، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يُعد الطرف الأقوى في مجلس القيادة الرئاسي، وأكثر الأطراف كفاءة في إدارة الأرض الواقعة تحت سيطرته، والوحيد الذي لا يسيطر فقط على الأرض، بل يديرها بفعالية الدولة.
وقال الباحث الدكتور روبين، وهو الزميل الأول في معهد “أميركان إنتربرايز”، في تحليل له، إنه إذا ما اعترفت الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة بجنوب اليمن كدولة مستقلة، فإن “الجنوب سيتحول إلى كيان مستقل أكثر استقراراً من اليمن ككل”.
وسلّط التحليل الضوء على ما وصفه بالقيود التي تفرضها الحكومة على سياسة التصدي للمليشيا المدعومة من إيران، وإعادة الاستقرار في البلاد، وكذا السياسات الأمريكية تجاه الوضع في اليمن التي وصفها بـ”المتناقضة”.
وأنتقد، روبين أيضاً الدعم الذي تقدمه بعض الجهات الدولية لجماعات مثل حزب الإصلاح، الذي يعد جناح الإخوان المسلمين في اليمن، في حين يتورط الحزب في أنشطة “إرهابية”.
نائب السفير الأمريكي السابق، السيد نبيل خوري، قال خلال تصريح متلفز في وقت سابق، ان الوحدة اليمنية لا يمكن أن تفرض بالقوة، فإما أن تكون مرضية لجميع الأطراف أو لا تكون.
وتابع قائلاً: اليوم رغم تفضيل الكثيرين بأن يكون لليمن بلد واحد موحد، ولكن الواقع يقول عكس ذلك بأنه أصبح من الصعب جداً العودة إلى يمن موحد. اليوم الجنوب يأخذ مبادرات باتجاه دولة جنوبية مستقلة عن الشمال، وأظن أنه من الصعب أن يتغير هذا الوضع.
الاعتراف الرسمي بدولة الجنوب مطلب دولي:
يجمع عدد كبير من الساسة الغربيين على ضرورة دعم المجتمع الدولي لمواجهة التحديات الحالية، بالتنسيق مع القوات الفاعلة على الأرض، وأهمية الاعتراف الرسمي بدولة الجنوب العربي، من أجل إبقاء الجنوب بعيداً عن محاولات إيران توسيع نفوذها في المنطقة، عبر أدواتها.
تصاعد نفوذ الحوثيين المدعومين من إيران، يؤكد الحاجة إلى إيجاد استراتيجية جديدة وأكثر فعالية. فعلى الرغم من سنوات من العمليات العسكرية، زاد الحوثيون من إحكام قبضتهم، مستغلين التدخلات الخارجية لحشد الدعم الشعبي. تمثل في رفضهم المتواصل لتقاسم السلطة كحزب سياسي، وعملوا على تشكيل أجيال جديدة متأثرة بأيديولوجياتهم الطائفية، من أجل تعزيز مواقعهم.
وفي الوقت نفسه، تتدفق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، مما يمنحهم القدرة على استهداف قوى إقليمية وتهديد الأمن البحري، مما أثر فعلياً على الإقتصاد العالمي.
الاستراتيجية الحالية، التي تعتمد بشكل كبير على العمليات العسكرية بقيادة أجنبية، أظهرت نجاحاً محدوداً في إضعاف الجماعة، وانعكست سلبياً على جهود إحلال السلام.
الحوثيون تأقلموا مع الغارات الجوية منذ بداية عاصفة الحزم، وجعلوها وسيلة لحشد الدعم الداخلي، عن طريق تصوير الغرب والسعودية كأعداء أزليين. هذا النهج العسكري معزول ويفتقر إلى التنسيق الإقليمي والمحلي، مما يترك المنطقة عرضة للخطر.
قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، تحت قيادة الرئيس عيدروس الزبيدي، تفهم الديناميكيات المحلية بشكل أفضل، ويمكن أن تقود استراتيجية منسقة بدعم إقليمي لمواجهة الحوثيين بشكل أكثر فعالية. لذا، فقضية فك ارتباط الجنوب عن اليمن اصبحت ضرورة دولية ملحة، لكسب شركاء محليين للحرب على الإرهاب الحوثي والقاعدة على الأرض، بدلاً من خسارتهم أو تهميش دورهم.
المبعوث الأممي: ندرك أهمية دعوات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير:
في 19 أغسطس 2025م، نشر مركز سوث24 للأخبار والدراسات حواراً حصرياً، أجراه الزميل يعقوب السفياني مع المبعوث الأممي إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ، تطرق خلاله المبعوث الأممي إلى رؤيته لمعالجة الملفات الأكثر إلحاحاً، بدءاً من وقف إطلاق النار الشامل، وصولاً إلى وضع خارطة طريق تُمكّن الأطراف من تجاوز حالة الجمود السياسي.
كما تناول المبعوث الأممي قضية الجنوب ومطالب شعب الجنوب في الاستقلال أو تقرير المصير، مؤكداً أن أي عملية سياسية جادة يجب أن تكون شاملة.
وفي سياق رده على السؤال الرابع المتعلق بالقضية الجنوبية، وبه نختم التقرير: (هل لديكم رؤية لحل القضية الجنوبية؟ وكيف تتعامل الأمم المتحدة مع دعوات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير؟) اجاب السيد غروندبرغ قائلاً: أنا أدرك أهمية دعوات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير. هذه المطالب تعكس مظالم متجذّرة ورغبة في تمثيل سياسي أوسع. أُدرك أن معالجة هذه التطلعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمسار السياسي العام في اليمن، وبترتيبات الحكم المستقبلية. كما أنني أعي أن القضية الجنوبية لا يمكن تناولها بمعزل عن بقية القضايا. إنها مسألة محورية ينبغي التعامل معها من خلال عملية سياسية.
وأردف قائلاً: من منظور الأمم المتحدة، فإن التعامل مع القضية الجنوبية وشكل الدولة، يستند إلى مبدأ أن النتائج يجب أن يقررها اليمنيون أنفسهم عبر حوار شامل. خارطة الطريق لا تستبعد هذه القضايا، لكن متوقع بأن تُطرح بشكل جاد بمجرد انطلاق العملية السياسية.
وأضاف: دور ومهام مكتبي يتمثلان في دعم اليمنيين على إدارة عملية انتقالية سلمية، جامعة ومنظمة، وفي تنفيذ أي اتفاقات يتوصلون إليها.
هذه العملية تتيح لليمنيين، بمن فيهم الجنوبيون، التعبير عن تطلعاتهم ورؤاهم والمساهمة في صياغة مستقبلهم المشترك.
واستطرد قائلا: يتواصل مكتبي في عدن إلى جانب فريقي بانتظام مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وطيف واسع من الفاعلين الجنوبيين في مختلف المحافظات، بما في ذلك الأصوات السياسية والمدنية والقبلية. هذه اللقاءات جزء من مشاوراتنا الأوسع مع جميع الأطراف اليمنية. ونحن نعتبر هذه الانخراطات ضرورية لضمان أن أي عملية سياسية مستقبلية تعكس واقع اليمن، بما في ذلك المظالم والتطلعات طويلة الأمد للجنوب.
