تقارير

التحرش بالأطفال.. ما بين المسكوت عنه والوصم بالعار

سمانيوز/تقرير/ نوال باقطيان

تعد جريمة التحرش بالأطفال من القضايا الحساسة التي انتشرت في الآونة الأخيرة في الوطن العربي. فعادةً ما نقرأ أثناء تصفحنا للأخبار عن واقعة تحرش بالأطفال هنا أو هناك، على الرغم من التكتم من جانب أسرة الضحية، لتجنب العار الذي قد يلحق بالطفل في حال تبليغ أسرته الشرطة، إلى جانب صعوبة إثبات واقعة التحرش وضعف العقوبات الرادعة لهذه الجرائم.
فحسب إحصائية للأمم المتحدة، فإن واحداً من كل ثمانية أطفال يتعرض للإساءه الجنسية عالمياً قبل سن الثامنة عشرة.

وقبل الخوض أكثر والحديث عن هذه الظاهرة، لابد من التطرق إلى تعريف التحرش بالأطفال.
-المصطلح: الاعتداء الجنسي على الأطفال.
-التعريف: فرض أفعال جنسية، أو أفعال ذات طابع جنسي، من قبل شخص أو أكثر على طفل دون سن البلوغ (منظمة إنقاذ الطفولة، 2003). يدخل ضمنها:
-استخدام الأطفال في المواد الإباحية: تصوير طفل/ة ي/تمارس سلوكاً جنسياً صريحاً، سواء كان حقيقياً أو مفتعلاً، أو يعرض الأعضاء التناسلية للمشاهد. ينطوي كذلك على إنتاج وتوزيع و/ أو استخدام (منظمة الصحة العالمية، 1996).

-دعارة أو بغاء الأطفال: فعل الانخراط أو عرض خدمات الطفل/ة كي ي/تقوم بعمل جنسي مع شخص لقاء مبلغ من المال، أو غيره كبدل أو مكافأة (انو ، 1986).

-الإتجار بالأطفال بهدف الاستغلال الجنسي: الاعتداء الجنسي من قبل البالغين مقابل مكافأة نقدية أو عينية للطفل أو لطرف ثالث. يتم التعامل مع الطفل/ة على أنه/ـا غرض جنسي وتجاري (كليفت وسيمون ، 2000).

-التحرش الجنسي بالطفل: تصرفات جنسية مضايقة من قبل البالغين نحو أطفال دون سن البلوغ. قد تشمل أنشطة كالمداعبة، عرض مواد اباحية على القاصرين، أو القيام بعروض فاسقة للقاصرين. (الرابطة الأمريكية للطب النفسي ، الطبعة الرابعة ، 2000).

-الإساءة الجنسية من غير اتصال: كالتعديات الجنسية التي لا تنطوي على الاتصال الجسدي المباشر مع الضحية، مثل العرض غير اللائق، وإجراء مكالمات هاتفية بذيئة، أو اختلاس النظر أو البصبصة، فتختلف عن الإساءة الجنسية التي تحتوي على التواصل الجسدي كالأغتصاب والمداعبة. (المركز الوطني للسلوك الجنسي للشباب ، 2003).

وتنقسم ظاهرة التحرش بالأطفال إلى نوعين :

النوع الأول: يتضمن تلامسًا جسديًا مع الطفل، سواءً بالتقبيل، أو الاحتضان، أو ملامسة أجزاء معينة من الجسم، أو إقامة علاقة جنسية.
النوع الثاني: لا يتضمن تلامسًا جسديًا، وإنما من خلال إجبار أو تشجيع الطفل على مشاهدة محتوى جنسي (مثل الصور، الفيديوهات، والمحادثات، وغيرها)، أو مشاهد جنسية واقعية، أو سماع أو قول كلمات ذات محتوى جنسي.

كل الأطفال على اختلاف سنهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية معرضون للإساءة الجنسية. وفي بعض الأحيان قد يتعرض الأطفال لذلك نتيجة الإهمال أو عدم إدراك مقدمي الرعاية (مثل الأهالي والمدرسين) لخطورة بعض المواقف.

ارقام صادمة :

أصبحت جرائم التحرش بالأطفال ظاهرة منتشرة حتى في العالم المتقدم، الذي ينادي بحقوق الإنسان بشكل عام، ويحرص كل الحرص على حقوق الأطفال بشكل خاص، في ظل انفتاح في العلاقات الجنسية بين البالغين، والتشجيع على ممارسة البغاء، وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع.

وزادت هذه الجريمة انتشاراً في الوطن العربي، على الرغم من التمسك الظاهري بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، المشدد على حرمة الزنا بكل أنواعه في مجتمع يوصف بالمحافظ دينياً واجتماعياً.

وقدّرت إحصائية لمنظمة اليونيسيف نسبة الانتشار العالمي للاعتداء الجنسي على الأطفال بنسبة 7.19% للإناث و7.9 % للذكور، ومعظم مرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي خبيرون بضحاياهم.

وتصدم الإحصائية أكثر عندما تكشف عن هوية أغلبية المتحرشين ومكانتهم القريبة من الضحايا، في كنف تحذيرات من ذوي الأطفال من التحدث مع الغرباء وتشديدهم على ذلك، متناسيين أن مطلق الأذى يأتي من الأقارب أكثر من الغرباء، الأمر الذي يوسع من انتشاره في بيئة أكثر أمناً للمتحرش لسعيه إلى ارتكابه لهذه الجريمة.

وتواصل نفس الإحصائية بأن الاعتداء الجنسي يقوم به الأقارب بنسبة 30%، سواء كانوا أخوة أو آباء أو أعمام أو أبناء عمومة، ونحو 6% هم من المعاريف الآخرين كأصدقاء الأسرة أو المربيات أو الجيران. وتشكل نسبة الغرباء من المعتدين تقريباً 10% من حالات الاعتداء الجنسي معظمهم من الرجال. وتظهر الدراسات أن المتحرشين بالأطفال من الإناث 14%، وأن نسبة الجرائم المبلغ عنها ضد الأولاد 40%، ونسبة الجرائم المبلغ عنه ضد الفتيات 6%.

دور الإعلام في التصدي للجريمة:

يلعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام، وحشد الجماهير ضد القضايا ومرتكبي مختلف الجرائم والفساد الأخلاقي. لكن على الرغم من ذلك لا يضطلع الإعلام في الوطن العربي بوظيفته الأساسية في مثل هذا النوع من الجرائم برغم حدة انتهاكه لأضعف فئة في المجتمع.

وتظل هذه الجرائم طي الكتمان لحساسيتها، وتغليب معظم أهالي الضحية لمبدأ عدم التصريح بوقوع هذه الجريمة والتبليغ عنها، لخوفهم من وصمة العار التي ستلاحق الطفل مدى حياته، في مجتمع يجلد الضحية ويترك الجاني حراً طليقاً من العار، بل وتقديم كافة المبررات لفعلته الشنيعة.

وفي أفضل حال يقوم الإعلام بضرب كل مواثيق الشرف الأخلاقية للمهنة، ويحرص على إظهار صورة الضحية أثناء تغطيتهم الإعلامية، واعتبار ذلك مجرد سبق صحفي.

مسلسل “لام الشمسية”:

في لجة السباق المحموم خلال شهر رمضان الفضيل السابق، وسقوط أغلب المسلسلات الرمضانية في أتون السطحية والإسفاف والسقوط الأخلاقي، دون مراعاة لقدسية الشهر الفضيل، لفت انتباهي مسلسل “لام الشمسية” الذي تحدث عن قضية التحرش الجنسي للأطفال، وتسليط الضوء على كافة جوانب القضية، ابتداء من هوية الجاني وعلاقته بعائلة الضحية، والأبعاد النفسية للجاني وعلاقته المتوترة بعائلته، سواء والده أو والدته أو زوجته، جاهداً بذلك سبر أغوار النفس البشرية، وطرق تلاعب الجاني بالمحيطين به، وانتهاءً بظروف الطفل الضحية الاجتماعية والمظاهر النفسية التي تظهر سماته على الطفل، واختتاماً بصعوبة إثبات وقوع الانتهاك الجنسي على الطفل وصعوبة استجوابه وأخذ أقواله، وبالتالي تسليط الضوء على ضعف القوانين والعقوبات الرادعة، واستغلال الثغرات القانونية للإفلات من العقوبة.

المسلسل الذي استمر خمسة عشرة حلقة فقط، أدى رسالته وفتح أبواباً كانت موصدة، وشجع كثيراً من العائلات على التبليغ عن مثل هذه الوقائع، وعدم الخوف من المجتمع، في مشاهد مدروسة لم تخدش حياء المشاهد، حرص خلاله الاستعانة باختصاصيين نفسيين وفي علم الاجتماع في الحفاظ على نفسية المتلقي والطفل الذي لعب دور الضحية.

طفل السبايدر مان :

أحدثت قضية طفل السبايدر مان (ياسين) ضجة وشهرة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في دولة مصر. ضحية لانتهاك جنسي في مدرسته من قبل مسن يعمل محاسب، وسط تواطؤ مديرة المدرسة وموظفات في نفس المدرسة.

القضية التي حكمت فيها المحكمة في مدينة الدمنهور بالمؤبد على الجاني، اتخذت أبعاداً اجتماعية وثقافية وجنائية، أهمها شجاعة الأم فور معرفة حدوث الانتهاك من المدرسة، والتبليغ عن الجاني، وعدم الخوف من وصمة العار التي سوف تلاحقه، وتحشيد الإعلام المصري الذي نشر القضية وحيثياثها على أوسع نطاق، في رسالة للمجتمع عن أهمية الإعلام في توجيه وتحشيد الرأي العام.

وأخيراً، حرص أم الضحية على أخذ حق طفلها في عدم الإفصاح عن هويته واحترام خصوصيته، من خلال ارتداء الطفل للباس شخصية سبايدر مان للتمويه عن شخصيته وصورته، وإمداد الطفل بالشجاعة في مواجهة الموقف أثناء سير جلسات المحكمة، في رسالة للأهالي بإمكانية أخذ حق الطفل الضحية دون المساس بهويته ونفسيته.
ولا ننسى في هذه القضية صعوبة إثبات الواقعة، وحكمة قسم الشرطة بالتعاطي مع الطفل أثناء أخذ أقواله.
جميعها رسائل واضحة للمجتمع بعدم الاستمرار في دفن رؤوسنا في الرمال بعد اليوم، والإفصاح عن المسكوت وفتح الأبواب الموصدة

ضعف القوانين الرادعة:

ويستمد المتحرش قوته ويكرر فعلته من ضمان عدم الحديث عن واقعة التحرش والإفصاح والتبليغ عنها، بالإضافة إلى ضعف القوانين الرادعة لجريمة التحرش في حال إثباتها، فأغلب الدول العربية تتدرج فيها عقوبة سجن المدان بالتحرش من ثلاث إلى عشر سنوات في أحسن حال، حسب درجة التحرش والتي قد تصل إلى هتك العرض والاغتصاب، والتي لا تقتصر آثاره على الطفل الجسدية فقط، بينما يشمل آثاراً نفسية وعواقب وخيمة، تترامى تداعياتها في وصمة العار التي تلحق بالطفل وعائلته، وخوف الطفل من المحبطين به، قد تصل به إلى الانعزال أو إصابة الطفل بأمراض نفسية كالانفصام أو انحراف الطفل ووقوعه في مستنقع المثلية، في حالة تستر العائلة على الجاني وعدم التبليغ عنه، والاستهتار بالجريمة.

ودعا العديد من الناشطين في الوطن العربي إلى ضرورة تعديل القوانين وتحديثها، وتغليظ القوانين الرادعة في قضايا التحرش بالأطفال بعد انتشارها في المجتمعات العربية، لتكون عبرة لمن تسول له نفسه انتهاك الطفولة وقتل براءتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى