تقارير

تعرّف على أهمية ميناء صيرة القديم

سمانيوز /تقرير /د. أفراح الحميقاني

تنبع شهرة مدينة عدن التجارية من مينائها الاستراتيجي (ويقصد به في فترات التاريخ القديم والإسلامي ميناء صيرة). حيث لعب هذا الميناء دوراً هاماً في النشاط التجاري البحري لمدينة عدن.
كما تكمن أهمية مدينة عدن في موقعها الجغرافي، فهي محمية طبيعياً بالجبال، كما أنها تقع في وسط الطريق بين باب المندب والبحر الأحمر والساحل الأفريقي المقابل لها من جهة، ومن جهة أخرى الخليج العربي وسواحل الهند الغربية، وكذا موقعها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر على تقاطع طرق التجارة.

كل ذلك جعل مدينة عدن ميناءً تجارياً منذ القدم. وإذا كانت السويس مدخل البحر الأحمر من طرفه الشمالي، فإن عدن مدخله الجنوبي. وقد اعتبرت مدينة عدن القديمة من أكبر محطات تبادل السلع التجارية بين الشرق والغرب، وذلك بسبب الموقع الاستراتيجي والجغرافي الذي حظي به ميناؤها القديم (صيرة)، والذي كان يؤدي دوراً مهماً في النشاط التجاري البحري.

وقد وفدت على مدينة عدن القديمة جنسيات مختلفة من مناطق الخليج العربي ومصر والعراق والهند وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى الأتراك واليهود والفرس بهدف المتاجرة. ونتيجة للمعاملة الطيبة التي حظيت بها تلك الجنسيات والجاليات من قبل سكان عدن، فقد مكثوا وعاشوا في مدينة عدن بسلام ورخاء، وزاولوا التجارة واندمجوا في الحياة العامة للمدينة، فأصبحوا جزءاً من تاريخها بما خلفوه من آثار تدل على وجودهم. فكان هناك تسامح ديني وتعايش سلمي بينهم وبين سكان مدينة عدن القديمة.

حيث كانت عدن عبارة عن مدينة كونية تحتضن منذ القدم كافة الجنسيات والأعراق التي ترد إليها بهدف المتاجرة والعيش فيها. وقد ذكرها العديد من الرحالة والجغرافيين المسلمين في كتاباتهم، ووصفوها بأوصاف عدة، منها على سبيل المثال ما وصفه ابن بطوطة لحالة الثراء التي وصل لها تجار عدن، وامتلاكهم لأموال طائلة نتيجة ممارستهم النشاط التجاري البحري، إذ قال: “وللتجار منهم أموال عريضة. وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه ولا يشاركه فيه غيره، لسعة ما بين يديه من الأموال، ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة”.

وكانت مدينة عدن تمتاز بحركة نشطة، إذ لا يخلو أسبوع من عدة سفن وتجار واردين إليها، وبضائع شتى ومتاجر متنوعة، والمقيم بها في مكاسب وافرة وتجارة مربحة، وتحط المراكب عليها وإقلاعها مواسم مشهورة، فإذا أراد ناخوذة (ربان السفينة) السفر بمركب إلى جهة من الجهات أقام فيه علماً برنك (لون) خاص، فيعلم التجار بسفره ويتسامع به الناس، فيبقى كذلك أياماً ويقع الاهتمام بالرحيل وتسارع التجار في نقل أمتعتهم وحولهم العبيد بالقماش السري أو الأسلحة النافعة، وتنصب على شاطئ البحر الأسواق، ويخرج أهل عدن للتفرج هناك.

كما اتخذت في ميناء عدن (صيرة) جملة من الإجراءات الجمركية والأمنية، عن دخول السفن التجارية إلى الميناء. كما وجدت العديد من المنشآت التجارية والصناعية في عدن، والمرتبطة بالنشاط التجاري البحري، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الوكالات، وهي عبارة عن مخازن تجارية كبرى يباع فيها أصناف من السلع التجارية.

وما يؤكد وجود مثل هذه المنشآت، هو ما ذكرته وثائق الجنيزة (عبارة عن مراسلات تجارية)، والتي ذكرت العديد من الرسائل التي كانت تتم بين تجار الكارم (وهم كبار تجار التوابل والبهارات الذين امتد نشاطهم التجاري من جنوب شرق آسيا حتى مصر وشمال أفريقيا)، ووكلاء في عدن، حيث كانوا يستقبلون سلعهم التجارية المختلفة التي كانت تُرسل من شتى الأقطار ويضعونها في الوكالة حتى يتم تصريفها في أسواق عدن.

كما كان هؤلاء الوكلاء يقومون بشراء بعض السلع التجارية التي كانوا يحتاجونها من أسواق عدن، ثم يقومون بإرسالها في السفن التجارية التي تقوم بدور الوسيط، وذلك مقابل نسبة من الأرباح.

ونتيجة للأموال الهائلة التي كانت تُحصّل من ميناء عدن (صيرة)، من ضرائب وعشور على البضائع والسلع التجارية، فقد كانت مدينة عدن مطمعاً للحكام المحليين، وسبباً من أسباب صراعاتهم وميداناً لحروبهم لغرض الاستيلاء على إيراداتها المالية الضخمة. بل توجهت أنظار الغزاة الأجانب لمحاولة احتلالها في أوقات لاحقة من مراحل التاريخ المختلفة.
كما وجدت العديد من النظم المالية والإدارية لتنظيم العمل في ميناء عدن (صيرة)، كل ذلك شجع على ازدهار التجارة بالميناء ومن ثم ارتفاع إيراداته المالية.

وظل ميناء صيرة يمارس عمله كميناء لمدينة عدن القديمة (كريتر) حتى عام 1840م، بعدها تحول ميناء عدن إلى مدينة التواهي بقرار من الإدارة البريطانية آنذاك، والتي احتلت مدينة عدن في عام 1839م. وانطوى بذلك صفحة من صفات التاريخ العريق لمدينة عدن القديمة والعريقة، والتي اشتهرت في الكتب والمصادر التاريخية القديمة وكذا الإسلامية، بل وفي كتاب التوراة بمينائها التاريخي والموغل في القدم، وهو ميناء صيرة الذي كان سبباً في شهرة مدينة عدن القديمة (كريتر) عبر فترات التاريخ المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى