الشجار بين الأبناء .. أسبابه وطرق التخفيف منه

سمانيوز-شقائق / إعداد / نوال باقطيان
الإنسان سواء كان صغيراً أم كبيراً يأنس بالإنسان ولا يطيق العيش بدونه ،لكن من الثابت أن اجتماع الناس -صغاراً وكباراً ، بعضهم مع بعض ، يثير الكثير من المنافسة وسوء الفهم والنزاع، وهذا يعود أساسه إلى اختلاف الأمزجة والأهواء والرغبات والعقليات والمصالح وتقدير الأمور.
والقاعدة العامة في هذا أن كل شخص هو (آخر ) بالنسبة إلى شخص آخر ، يشعر بمغايرته له ومضايقته إياه في العديد من المواقف ،فإنه من الممكن القول : لا يخلو بيت من البيوت من شيء من المناكفة والمعتمدة بين كل أولئك الذين يعيشون تحت سقف واحد ، لكن هناك ماهو غير معتاد ، بل ماهو خطر ومقلق ، وهذا ما يتحدث عنه التربيون ،حيث تظهر العديد من الدراسات أن التناحر بين الأخوة يزداد مع تقدُّم السن ، فأبناء الثماني سنوات أكثر تنافساً مع بعضهم ممن هم في سن أربع سنوات.
كما تظهر الدراسات أن الشجار يكون أكثر بين الطفلين السعودي لمتقاربين بالعمر كأن يكون بينهما سنة أو سنتان ، مثلاً ،وتزيد المنافسة كذلك حين يكون الطفلان من جنس واحد : ولدان أو بنتان.
لابد لي قبل التحدُّث عن مشكلة الشجار بين الأبناء من الإشارة إلى أن المتشاجرين الصغار يستفيدون من المنازعات بينهم بعض الفوائد ، فهم يكتشفون قدراتهم على التغلّب على الغير ، ويختبرون مشاعر التسامح والنظر وتقبّل الهزيمة ، كما يكتشفون نقاط ضعفهم وحين تكون المشاكسات لطيفة ، فإنها تخفّف من أجواء الركود الروحي وتضفي على المنزل روح الفكاهة والمرح ، والبيت -كما أشرت من قبل هو ميدان للتعليم والتدريب على مواجهة التحديات في الحياة العامة ، ولهذا فإن خلو المنزل من أي شكل من أشكال الصراع ، لا يرسل رسالة إيجابية على نحو كامل.
متى يصبح الشجار بين الأبناء مشكلة ؟
يصبح الشجار بين الأبناء شيئاً مقلقاً ومثيراً للمخاوف في واحدة من الحالات التالية :
1- إذا تطوّر الخلاف إلى عِراك بالأيدي مع غضب شديد ، أو استخدام الضرب الموجع أو استخدام آلات حادة يمكن أن تسبّب أذى بدنيّاً لأحد المتشاجرين.
2- في حالة استخدام الكلام البذيء أثناء الشجار
3- تكرار الشجار في إزعاج من في المنزل أو في إشغال الاولاد عن أداء واجباتهم المدرسية
4- شعور أحد الأولاد المتشاجرين بالقهر بسبب ظلم أخيه له ، ويتأكد هذا إذا كان المقهور هو الأصغر
5- تعاظم الرغبة في الانتقام لدى أحد الأبناء في هذه الحالات يصبح تدخُّل الأهل أمراً ضرورياً حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه.
لماذا يتشاجر الأخوة ؟
ذكرت أن الشجار بين الأخوة أمر طبيعي ، وإن كان مايشغل بالنا هو الشجار بدرجاته المختلفة ، هي أسباب موحدة أو متقاربة ، ولهذا فإننا هنا نتحدث عن العوامل والأسباب التي تشكّل الجو المريض والمحرّض على التنازع ، ولعل من أهم تلك العوامل الآتي :
1-التنافس على موارد محدودة ، وهي من أكثر الأمور التي تثير الخصام والنزاع بين جميع الكائنات الحية ، وأن الأخوة يتنافسون في بيوتهم على العديد من الأمور المحدودة ، منهم محبة الوالدين وانتباهما ، وإشباع ما لديهم من حاجات ، ولا يستطيع الأبوان تقديم كل ذلك لكل الأولاد بالقدر الذي يمكن أن يقدماه لولد أو ولدين.
2- تعارُض الرغبات بين الأطفال في التعامل مع بعض الأمور ، تقول إحدى الأمهات : لديّ ثلاثة من الأولاد الذكور وبما أن منزلنا ضيق ، فإنهم ينامون في غرفة واحدة ، وإذا قُدّر لك أن تدخل عليها فستجد أنك دخلت مساحة من الحرب ، فهذا يؤيد أن ينام ، فيغفو ويطفئ النور ، فيتحدث عليه أخوه الذي لم ينته بعد من كتابة واجباته.
3- حين يشعر الطفل بإهمال أهله له بسبب ضعفه أو هدوئه أو بسبب وجود أخ استحوذ على اهتمام أهل البيت ، لأنه يعمد حينئذ إلى افتعال المشكلات مع اخوته حتى يلفت الأنظار.
4- احياناً يتمتع الطفل بطاقة زائدة مما يدفعه إلى ممارسة نوع من العدوان ضد أخوته ، وتزداد الأمور سوءاً إذا كان الطفل يتمتع مع النشاط الزائد بذكاء متوقد ، حيث يشعر بالتفوّق على أخيه أو أخوته ، ويبدأ في تجسيد ذلك في إيذاء أخوته.
5- حين يشعر الطفل بأن أبويه يفضلان أخاه عليه فإن صدره يغلي بالحقد والثأر ، وربما أن الطفل لا يستطيع مكايدة أبويه.
6- حين يكون أحد الأبناء متدني الإمكانيات في أحد المجالات فإنه من غير المستبعد حينئذ أن يظهر نوعاً من العدوانية تجاه اخوه وهذا يجعله يشعره بنوع من الظلم ، لأن إنجازاته تقارن بإنجازات شخص آخر أعظم موهبة منه.
7- النزاع والشجار بين الوالدين على نحو لافت ، يسهّل على الأطفال أن يتشاجروا فيما بينهم ، وذلك لأن جو المنزل يصبح متوتراً.
8- إذا اتبع الأبوان أو أحدهما أسلوباً قاسياً في تربية الأبناء ، فإن ذلك يضعف شعور الأولاد بالرحمة والألفة والتعاطف الذي ينبغي أن يسود بين أفراد الأسرة.
9- سؤ الفهم ليس حدثاً نادراً ، فنحن الكبار طالما ذلك تفسير ماسمعناه من بعضنا ، فكيف بالصغار ولهذا فإن الطفل كثير ما يفسر بعض كلمات أخويه أو بعض تصرفاتهم تفسيراً خاطئاً.
كيف نعالج شجار الأطفال ؟
في هذا الإطار أشير إلى أن الأسس والطرق التي يمكن استخدامها في معالجة الشجار بين الأبناء ، وذلك عبر المفردات الآتية :
1- حين نريد أن نربي أبناءنا تربية صالحة ، فإن علينا أن نصبر على دفع تكاليفها ، ودائما مكلف ، والانحدار سهل ، وأرجو أن نتخذ من هذه القاعدة أساساً تربوياً نبني عليه كل شؤون الحياة.
2- حساسية الطفل نحو الظلم لا تقل عن حساسية الكبير ، ولهذا فإن علينا أن نكون حذرين جداً في تعاملنا مع أبنائنا ، ولقد وضع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أساس العدل بين الأبناء في موقف واضح وصارم ، حيث روى النعمان بن بشير ، رضي الله عنهما أن أباه أتى به إلى الرسول صل الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما (أي وهبته عبداً كان عندي ) فقال الرسول صل الله عليه وسلم (أكل ولدك نحلته مثله )فقال : لا ، فقال الرسول صل الله عليه وسلم (فارجعه ) وفي روايه أنه قال (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ).
إن من تفضيلات العدل بين الأبناء الآتي :
أ- عدم تقديم أي أخ على أنه نموذج لأخيه ، وفي هذا يقول أحد الشباب :
حين كنت في المرحلة الابتدائية كان أخي الكبير في المرحلة المتوسطة ، وكان يكذب في الكلام ، وحسن التودّد لأمي ولم تكن لي تلك الموهبة ولكنني كنت أشعر أنني أكثر استقامة منه ، ومع هذا فإن أبي كان يلتقط بصورة عجيبة كل الإيجابيات في حياة أخي ، ويطلب مني أن أتعلم منه تلك الإيجابيات ، وكان هذا يؤذيني ويجرحني.
ب- على الآباء الحذر من استخدام اسم أو وصف يدل على التحبب مع أحد الأولاد دون غيره.
ج- العدل في قضاء الوقت معهم ، حيث لن يكون من العدل اصطحاب أحدهم بصورة دائمة إلى زيارة الأقرباء أو السوق وحرمان البقية من ذلك.
د- الحذر من تقليل شأن شكل أو ميول أو مهارات أحد الأولاد على نحو مطرد.
ه- العدل بين الأبناء لا يعني المساواة ، ولكنه إعطاء كل واحد منهم مايحتاجه بالمعروف وفي إطار المصلحة العامة.
3- يقع كثير من الشجار بين الأبناء بسبب عدم معرفتهم بأن لكل إنسان حيزه الشخصي الذي لا يصح اقتحامه من قبل أحد الوالدين ، ومن هنا فإن من المهم أن يقدم الأبوان للأبناء نموذج الحي في احترام الخصوصيات.
4- لدينا أسر كثيرة محرومة من معاني الفرح والاستبشار ، ومحرومة من الأنشطة المفيدة والخروج والقضاء بعض الوقت في حديقة أو غيرها ، وهذا يورث التجهُّم والجفاء ، ويجعل الطفل يشعر بأن مواكبة أخيه هي الحل الوحيد للتخلص من ذلك.
5- الغموض في المسؤوليات والواجبات والأشياء الكثيرة يؤجج الخلاف بين الأبناء ، ومن هنا فإن على الأم حين توزع المسؤوليات على بناتها أن تكون واضحة جداً في تحرّي العدل.
6- نحن قررنا أن العدد اليسير من الشجار بين الصغار مفيد ، ولهذا فينبغي دائماً عدم الالتفات إلى الخلافات والنزاعات الصغيرة وعدم الاستماع إلى الوشايات حولها.
7- بعض الآباء والأمهات يعهدون إلى أولادهم الكبار مهمة رعاية الصغار ، ويغضون الطرف عن قسوتهم مع إخوانهم الصغار وعن سر تصرفهم مما يثير نار العداء بين الجميع.
8- لدى الأطفال مهارة كبيرة في وضع قوانين تنظم استخدامهم للألعاب ،حين أن من المشاهد أنهم ماأن يظفروا بشيء يلعبون به حتى يقرروا تنظيم ذلك.
9- من المهم أن يكون الأب واضحاً في أنه لن يسمح الشجار بأن يتجاوز حدود الكلام المهذب ، أي يؤكد لهم دائماً أن الضرب والشتم وإطلاق الألقاب السيئة من الأمور التي سينال صاحبها عليها العقوبة.