مقالات
" شعراء من الجنوب، تعابير بليغة وتنبؤات تتحقق ''.
سأقف في مقالي هذا عند اربعة شعراء جنوبيين، تميزت قصائدهم بارتباطها بالأحداث والتنبؤات لقادم الأيام، والتي بالفعل تحققت تنبؤتهم تلك ولا زلنا نعيشها اليوم. الاول هو الشاعر الشعبي السيد قاسم بن محمد العوذلي، من محافظة ابين، منتمي الى قبيلة العواذل. وقد عرف عنه الدهاء والحكمة والبصيرة، وكانت له مكانه رفيعة في اوساط قومه، متميزا بمواقف مبدئية تجاه الأحداث. فهو لم يستسلم لأحداث مرحلة ما بعد الاستقلال ولم يخضع لحكم وقوانين ” الرفاق ”، معتزا بنمط حياته القبلية ممتطيا جنبيته ” العوذلية ” المتميزة، فهو لم يتركها طوال حياته، رحمة الله عليه.
ففي سبعينات القرن الماضي وتحديدا أثناء فترة الشطط والجهل السياسي، كانت رؤيته لتلك المرحلة واحداثها ومنها احداث ” ماعرفت بالأيام السبع المجيدة ” وأحداث التأميم وغيرها، هي احداث عابره مثلها مثل الرياح السائرة، ليس لها تأثير او بقاء، بما معنى انها لاتنفع ولاتغني ولا تشبع من جوع، واصفا تلك المرحلة في بيت من الشعر بالغ الدلالة وغزير المعنى بقوله فيه :
” بن قاسم محمد خذ لك من امنود قبضه وأزقر عليها بماشي وروني كيف نقضه “.
وهنا يكمن عمق المعنى وجمال التعبير ودقة التنبئ.
فلا يمكن للانسان ان يقبض على ” امنود ” التي هي الرياح او ان يقبض على الهواء العابر؟ ولا يمكن ان يستفيد الانسان من هواء ليس فيه شئ، بل لا يمكن لهواء عابر ان يستمر ويبقى في مكانه. هنا تتجلى دقة التوصيف لمرحلة سياسية كاملة شابتها عدم الحكمة والتخبط في اتخاذ القرارات. فشاعرنا افصح ببيته الشعري هذا وتنبئ بان تلك المرحلة هي مرحلة فاشله وزائلة وليس لبقائها أي دليل أو أساس، فهي حتما منتهيه، وهذا بالفعل هو ما حدث لها.
لقد عرف الشاعر قاسم بن محمد العوذلي ببعد بصيرته، فكان حكيما في قبيلته العوذلية، وهو ذو مشورة واجبة و حكمة نافذة .. تميز شعره ببعد النظر والدقة في إصابة الهدف والتبصير بالقوادم، وما أكثر القضايا التي اشار إليها واصبحت اليوم حقيقة نراها بأم أعيننا.
هذه القصيدة ارسلها إلى صديقه الشاعر عبد الله الجحملي
، يتنبئ لإحداث قادمة وخطيرة في هذه القصيدة تعابير دقيقة يوصف فيها تحسره على المستقبل المجهول لوطنه الجنوب بعد ان اجتاحته القوات الشماليه وسيطرت على مقدراته، معتبرا وحدتها تلك بانها ” ضلامة وظلم ” حينها تنبئ بان الحال سوف لن يدوم وان الدائرة سوف تدور وسيعود الحق لأصحابه، وسوف يجازى المعتدون بشر أعمالهم.
يقول رحمه الله في بعض ابياتها الحزينة:
والضلامة ظلمنا شد من ظلم لبنان.
لكن الصبر وأرباب السفن من زجاها.(قوتها )
كل شي له نهاية با يجي يوم عيبان.
با يجي دور صنعاء با تشاهد عزاها.
او تجي عاصفة في منتصف شهر شعبان.
تجرف الارض والسكان تجرف قراها .
وإن جت طاحنة ”صعدة” او جت قوم ”حوثان”. باتضلي قناديس الخزاء في خزاها.
وإن قامت قفاها بين عادل وعدنان
فأحسب امعرشة (البيت ) أندقت على ذي بناها.
فالشاعر في قصيدته هذه اعتمد على الوصف والتشبيه لما يراه ويشاهده وكذا الإيحاء والتنبئ لما يمكن ان يحدث في المستقبل. وعكس مشاعره وآلامه تلك في ابيات حزينة واصف واقع ما يحدث في وطنه الجنوب بالضلامة والظلم، بل انه تنبئ بمجي الحوثيين من صعدة واستيلائهم على السلطة. واليوم نلمس تنبؤاته تتحقق على ارض الواقع، فياله من متنبئ.
شاعرنا الثاني في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي
ناصر المكرش ويلقب ” ابو حمحمه ” رحمه الله. هذا الشاعر الفصيح والشجاع كان لا يخاف لومة لائم فقد خاطب مباشرة رئيس الوزراء حينها المرحوم محمد علي هيثم اثناء مهرجان جماهيري نظم على شرفه عام ١٩٦٩م منتقدا بعض الاحداث ومتنبئا بمصير قيادات تلك المرحلة، قائلا:
يا بر (بن )علي هيثم يا زعيم القومية ،ذي تلبسون إمكوت وامبدوي جرم، شع (شف ) قد لبسهن جرجرة من قبلكم واصبح مشرد بين مكة والحرم.(جرجرة رحمه الله هو اخررئس وزرا لحكومة إتحاد الجنوب العربي قبل الاستقلال)
ولعل بلاغة هذه الكلمات تعبر عن حقيقة نراها اليوم ، وبالفعل اصبح كثير من القيادات بما فيهم المرحوم محمد علي هيثم مشردون بين مكة والحرم. اين الرئس هادي انه متنقل بين مكة.والحرم اين الرئيس العطاس ،اين الرئيس البيض اين الرئيس علي ناصر .
اما شاعرنا الثالث في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي عمر صالح البان من محافظة لحج والذي جاءت قصيدته التي القاها عام ١٩٩٤م كانها كتاب مقرؤ للمستقبل القادم، متألما لما حدث لوطنه من غزو عسكري، مبيننا فيها تنبؤاته للانتقام الكبير من الله عز وجل من كل ظالم :
يا أهل الريف والبندر اذا ما الوادي قد دفر
وطم البحر خور مكسر عسى ماشي تشوفو شر
بصنعاء ربنا قدر و لا يبقى بها متجر
وكل الأغنياء تفقر عسى ماشي تشوفو شر
تعز العز با تخسر مطر من نار با تمطر
ولحمر لونه قد صفر عسى ماشي تشوفو شر
صماصيم والله با تظهر من حوف بل و من خنفر
و أهل الدجل تتقهقر عسى ماشي تشوفو شر
جيوش في بحرنا و البر
بلاوي في المخا تظهر وبعض الناس تتنصر
وصالح بن افندي فر عسى ماشي تشوفو شر
أهالي لحج يا أنور يموتو من شديد الحر
و لا معقول تتطور عسى ماشي تشوفو شر
با يظهر من جديد هتلر و يافع تسكنه صيعر عسى ما تشوفوا شر
مايميز قصيدة الشاعر عمر البان انه قالها قبل غزو الجنوب عام 2015م وغناها علوي فيصل علوي قبل وفاته في 2014 والاغنية موثقة على اليوتيوب.
شاعرنا الرابع في مقالنا هذا هو الشاعر الشعبي محمد عوض المشطر رحمه الله، وقد عرف عنه الشجاعة وعدم التردد في مواجهة الخطاء والظلم. وفي قصيدة له قالها ، قائلا:
العام بادو الجماعه واليوم يشتو المربي
ياصاحبي شل ذنبك قد كودني شل ذنبي .
ماشي فرق يالجماعه مابين هادي ووهبي .
قال المشطر محمد فوق امعسل حط ذبي
وانتو تقولو محاصر مابين دلهي وبمبي .
اذن نحن نقف أمام اربعة شعراء تحدثو عن اربعة تواريخ لا تنسئ لفضاعة مأسيها 1969 ابو ”حمحمة ” ، و1970 و1996 بن قاسم بن محمد و 1994 عمر صالح البان ‘ 2014 محمد عوض المشطر رحمة الله عليه.
كل هذه الاشعار تعكس مشاعر شعراء الجنوب لما حدث لوطنهم بسبب وحدة فاشلة دمرت النسيج الاجتماعي شعارها النهب وفرض التخلف والاحتكام لقوانين الغاب.
واختتم هذا الموضوع بما قاله ” الشاعر الداغستاني ”رسول حمزاتوف :
إن الشعراء ليسو طيورآ مهاجرة ،والشعر دون التربة الأم شجرة بلا جذور وطائر دون عش.
