رحلة في الزمن .. تجربة الواقع الافتراضي في معرض الرياض

كنب:
محمد بن محرم اليافعي
زيارة معرض الرياض الدولي للكتاب لا تمثل بالنسبة لي حاجة لشراء الكتب، وأنا أزوره لمدة ستة عشر عاماً متواصلة باستثناء سنة الجائحة، ولكنها واجب ألزمت نفسي به دعماً لتكثير سواد المرتادين لمثل هذه المعارض التي أصبح الكثير يعزف عنها، بينما يصطفون طوابير لشراء قِنينة عِطر أعلنت عنها إحدى المشهورات، أو وجبة برجر روّج لها مشهور آخر.
وعلى الرغم من أن تلك الزيارات التي لا أتعمد فيها شراء الكتب إلا ما اضطررت إليه، ومع ذلك فلا مناص من العشرة كتب على أقل تقدير، إن لم نقرأها تأملنا فيها، وإن لم نتأمل أهديناها.
اليوم وأنا أتجول بين أروقة المعرض مررت بجناح لا يوجد على الأرفف سوى عدد من نظارات الواقع الافتراضي، وبما أنني لست من هواة تلك التقنية خصوصاً عندما تزاحم الكتب، إلا أن أحد القائمين على الجناح استوقفني بطريقة حديثه معي، وهو يتحدث العربية الفصيحة، بأسلوب هادئ، وابتسامة غير متكلفة، وسؤال استفهامي ملفت للانتباه: هل تشتاق؟!
كانت الفكرة عبارة عن فلم لمدة سبع دقائق، تنطلق فيه داخل الواقع الافتراضي مُمخراً عَباب السماء، ومخترقاً للسحاب، فتحط بك الرحلة في مسجد قباء على شاكلته في عهد النبوة، وبصورته التي بُني عليها أول مرة، بعد أن خفق القلبُ شوقاً لمدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال صورةٍ جوية لكامل المدينة، وتنطلق من مسجد قباء إلى المسجد النبوي، ثم تتجول ما بين الصُّفّة إلى حجرات النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى وجه التحديد حجرة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، نزولاً بحائط أبي طلحة -رضي الله عنه- بيرُحاء، والذي تبرع به لله ولرسوله بعد أن نزل قوله تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”، وكان أحب أمواله إلى قلبه.
الشعور لا يوصف، فبينما تدفعك نفسك إلى الالتفات يميناً ويساراً، ويشرئب عنقك لرؤية كل شيء، إلا أن مهابة المكان، ومهابة واحترام وإجلال من سكنوا تلك البقاع تجعلك تقف متأدباً، ولا تشرُف عينيك إلا بما هو ظاهراً قِبَلك.
الفلم سبع دقائق مقتصراً على معالم محددة، لا يمكن مشاهدته إلا في جناح “أنا المدينة”، وهو لا يباع، وتدفع رسوم رمزية للاستمتاع بمشاهدته. مع التطلع الكبير أن يتم تضمين كافة المعالم، وأن يُعطى الفلم من الوقت ما يكفي لتخفيف لهيب الشوق للمكان وأهله.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد