إعادة التموضع.. خيار بين الاستمرار وفض الشراكة

كتب:عبدالكريم أحمد سعيد
في ظل اشتداد المعاناة الاقتصادية وتدهور الخدمات في محافظات الجنوب، وتزايد الاستياء الشعبي من تردي الأوضاع، وتصاعد الأصوات المنتقدة لأداء الحكومة في ظل شراكة المجلس الانتقالي الجنوبي معها، بات من الضروري التعاطي مع هذا الواقع بجدية ومسؤولية. لقد حان الوقت لإعادة تقييم الموقف السياسي الراهن، والخروج برؤية عملية تحفظ جوهر القضية الجنوبية، وتلبي الحد الأدنى من تطلعات شعبنا، دون الانزلاق إلى قرارات مرتجلة أو مواجهات غير محسوبة.
لقد كانت مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي جزءا من تحالف الضرورة، فرضته متغيرات الصراع مع الحوثيين ومتطلبات الشراكة الإقليمية. غير أن هذه الشراكة، رغم ما كانت تملكه من مشروعية مؤقتة، فإنها اليوم تمثل عبئا سياسيا وأخلاقيا، في ظل فشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، واستمرار تحميل المجلس مسؤولية أزمات لا يمتلك أدوات معالجتها فعليا، بل تواجه كل محاولاته الرامية إلى التخفيف من معاناة شعبنا بالعرقلة والتجاهل.!
الاستمرار في هذه الشراكة بصيغتها الحالية لم يعد ممكنا، والانكفاء الكامل عنها يحمل في طياته مخاطر كبيرة على تمثيل الجنوب وقضيته في المشهدين الإقليمي والدولي. وعليه، فإن الخيار الأفضل هو إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي عن مرحلة “إعادة تموضع سياسي”، تقوم على تقييم موضوعي لمخرجات الشراكة، وتحديد خطوط حمراء لاستمرارها، وفتح قنوات تفاوض جديدة مع الأشقاء في التحالف العربي على أساس الندية والاحترام المتبادل، لا على قاعدة الأمر الواقع أو استهلاك الوقت.
إن تجميد الحضور في الحكومة ومجلس القيادة – دون تقديم استقالة رسمية – يمثل خطوة سياسية ناضجة تعبّر عن الاحتجاج الشعبي، وتعيد للمجلس زمام المبادرة، دون التفريط بأوراق التمثيل الجنوبي في المعادلة السياسية. هذه الخطوة ينبغي أن تترافق مع حوار وتنسيق جنوبي واسع يعيد ترميم الجبهة الوطنية الجنوبية، ويشرك المكونات الفاعلة – الموقعة وغير الموقعة على الميثاق الوطني الجنوبي – في اتخاذ القرار وصياغة المصير. كما يجب تفعيل أدوات الضغط الشعبي السلمي والمنظم، للتعبير عن رفض التهميش والفشل، وكل أشكال الحرب الممنهجة ضد شعبنا.
وفي الوقت ذاته، تفرض المرحلة على المجلس الانتقالي أن يفعل أدواته الداخلية لتحسين الأداء الخدمي والرقابي في المحافظات المحررة، ويعزز نشاطه الدبلوماسي والإعلامي خارجيا، بما يعكس جوهر تطلعات الجنوبيين، ويطرح مشروع الدولة الجنوبية باعتباره خيارا للسلام والاستقرار، لا كيانا منغلقا أو معزولا عن محيطه.
الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الراهن لن يتحقق بالانسحاب العاطفي من الشراكة، ولا بالبقاء السلبي فيها، بل من خلال إعادة تموضع ذكي ومدروس، والعودة إلى الشعب، وتفعيل أدوات الضغط المشروع، وبناء جبهة جنوبية موحدة بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، تتعامل مع الداخل والخارج بمنطق الندية والمسؤولية.
ما يحتاجه الجنوب اليوم ليس قرارا عاطفيا، بل مسارا سياسيا واضحا ومتكاملا يعيد الثقة للشعب، ويحوٓل القيادة الجنوبية إلى قوة ضغط فاعلة، لا مجرد شريك صامت في حكومة عاجزة كما يراد له.