الحرب الروسية الأوكرانية.. الحياد مخرج واقعي لأمن أوروبا واستقرارها

كتب: عبدالكريم أحمد سعيد
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع، تزداد المخاوف من أن تتحول إلى نزاع طويل الأمد يهدد الأمن الأوروبي ويعمّق أزمة النظام الدولي. فالحرب، التي بدأت كعملية عسكرية محدودة، باتت صراعاً مفتوحاً يكشف عجز الحلول العسكرية عن الحسم، ويؤكد أن استمرارها يفاقم المخاطر على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، اعتبرت موسكو أوكرانيا جزءاً من مجالها الحيوي بحكم موقعها الاستراتيجي والروابط التاريخية التي تجمع البلدين. ومع توسع حلف الناتو شرقاً، ازدادت المخاوف الروسية من فقدان عمقها الأمني. وسقوط الحكومة الموالية لموسكو في كييف عام 2014 وضم القرم كانا نقطة تحول دفعت الأزمة إلى مواجهة مفتوحة، بلغت ذروتها باجتياح 2022 الذي عبر عن مسعى روسي لإعادة صياغة التوازن الأمني الأوروبي.
لكن أربع سنوات من الحرب أثبتت أن الحسم بعيد، فأوكرانيا، رغم الدعم الغربي، تواجه استنزافاً اقتصادياً وبشروياً خطيراً، فيما تقاوم روسيا ضغوط العزلة والعقوبات دون أن تفقد قدرتها على الصمود. هذا المأزق عزز قناعة متزايدة بأن استمرار النزاع يهدد استقرار أوروبا لعقود، ويترك تداعيات عميقة على الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة والغذاء.
في ظل هذا المشهد، يبرز الحياد الأوكراني كخيار واقعي يوازن بين المخاوف الروسية وحق كييف في السيادة، ويمهد لتسوية تنهي دوامة الاستنزاف. إن تبني أوكرانيا سياسة الحياد، بضمانات دولية موثوقة، من شأنه أن يطمئن موسكو إلى عدم تحولها إلى منصة عسكرية غربية، ويحفظ في الوقت ذاته وحدة أراضيها، ويفتح أمامها آفاق التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي. بهذا، تتحول أوكرانيا من ساحة صراع إلى جسر للتواصل بين الشرق والغرب.
تحقيق ذلك يتطلب ترتيبات دقيقة تضمن مصالح جميع الأطراف: ضمانات ملزمة لموسكو بعدم انضمام أوكرانيا لتحالفات عسكرية معادية أو نشر أسلحة استراتيجية قرب حدودها، مقابل آليات مراقبة دولية لحماية سيادة كييف، وحزمة دعم واستثمارات لإعادة إعمار بنيتها التحتية، إضافة إلى شراكات اقتصادية متينة مع أوروبا تعزز قدرتها على النهوض بعيداً عن الاستقطاب.
هذه المقاربة الواقعية تتيح إعادة صياغة الأمن الأوروبي على أسس التعايش وحسن الجوار، بدلاً من المواجهة والصراع الصفري. وبناء دعم دولي لها يتطلب خطاباً متوازناً يركز على أن الحياد ليس تنازلاً بل مخرجاً يحقق الاستقرار الإقليمي ويخدم المصالح الدولية.
لقد كشفت هذه الحرب أن القوة العسكرية وحدها عاجزة عن إنهاء النزاع، وأن الطريق إلى سلام عادل ودائم يمر بالاعتراف المتبادل بالمصالح الأمنية وبناء منظومة أمنية جديدة تستند إلى الحياد، التعاون، وحسن الجوار. إن تحويل أوكرانيا إلى دولة محايدة ذات علاقات اقتصادية متينة بأوروبا وتفاهمات أمنية مع روسيا يمثل فرصة تاريخية للقارة لإعادة ترتيب أمنها، ووضع حد لحقبة الاستنزاف المستمرة.