“الجنوب” مشروع حق طويل النفس..!

كتب:
المحامي/جسار مكاوي
لم يكن الجنوب يوما قضية طارئة، ولا شعارا موسميًا يُرفع عند الأزمات ثم يُطوى. الجنوب مشروع حق… مشروع وعي… ومشروع أمةٍ تسير بخطى ثابتة، مهما ثقلت الأحمال أو اشتد الضباب من حولها. مشروعٌ طويل النفس، لأنه يستند إلى تاريخ لا يُكسر، وإرادة لا تنحني، ووجدان جمعي تعرفه الأرض قبل البشر.
يخطئ من يظن أن القضايا العادلة تُحسب بأعمار السياسيين، أو تتوقف عند تغيّر الحكومات، أو تُقاس بضجيج الخصوم. القضايا الكبرى تعيش بقدر ما يحملها أهلها، والجنوب بقي لأنه محفور في الذاكرة، حاضر في تفاصيل الحياة، ممتد في القلوب قبل أن يكون على الخرائط.
هذا المشروع لم يولد من فراغ؛ وُلد من تجربةٍ عميقة، من دولةٍ كانت قائمة، ومن شعبٍ عرف معنى النظام والهوية والاستقرار. وعندما سقط كل ذلك بفعل الحروب والتحولات والانكسارات، لم يسقط الإيمان بالحق، ولم تنطفئ فكرة الاستعادة. ولهذا كان الجنوب طويل النفس… لأن جذره أعمق من أن تقتلع، وصبره أطول من عمر العواصف.
اليوم، يمضي الجنوبيون ليس باندفاعٍ عاطفي، بل بعقلٍ سياسي، ورؤيةٍ تتسع لكل المكونات، وبمشروع دولةٍ يعاد بناؤها بجهدٍ وتضحيات، وبحضورٍ فاعل في الإقليم والعالم. يمضون وهم يدركون أن الطريق ليس قصيرًا، ولا سهلًا، ولا مفروشًا بالورود، لكنه طريقهم… ولا طريق غيره.
مشروع الجنوب ليس رد فعل، بل فعلٌ أصيل. ليس نزوة مرحلة، بل مسار تاريخي. ليس خطًا مائلًا في دفتر السياسة، بل خطٌ مستقيمٌ في ضمير شعب اختار أن يعيش بكرامة، لا تابعًا ولا رقمًا في قوائم الآخرين.
ولأن الجنوب مشروع حق، فهو طويل النفس… طويل الأمل… طويل الإصرار. مشروعٌ لا ينتظر اعترافًا من أحد بقدر ما ينتظر لحظة اكتماله. لحظةٌ ستأتي، لأن الشعوب التي تعرف طريقها، لا تضل. ولأن المشاريع العادلة، مهما طال الزمن، تصل.
