آداب و ثقافة

المغتصب قصة: مالك بلخياطي

سمانيوز/خاص

قرر الحاج أحمد جبر الذي تعدى الثمانين من عمره ذو اللحية البيضاء الرجل الصالح نقي القلب العودة إلى بيت أسلافه بعد أن عاش مدة من الزمن هو وأهله في دولة لبنان، كان البيت مهدما يحتاج إلى ترميم ولم يكن معه إلا زوجته العجوز وتدعى هاجر امرأة تبلغ من العمر السبعين وقد هدها المرض وتآكلت مفاصلها وإبنهما الوحيد قصي الذي تجاوز العشرين تحاملا هو وابنه على نفسيهما ليرمماه والعجوز تخدمهما .
أصبح بيتا جميلا تفوح منه رائحة الأصالة والصمود صخوره قرموزية اللون مرصوصة فوق بعض بإحكام عندما تلامسها تشتم فيها رائحة الخلود، تحيط به أشجار الزيتون التي قارب عمرها آلاف السنين ترتوي من ساقية تتدفق من هضبة قريبة تحاذيها طريق الياسمين التي توصلك إلى الأرض المباركة.. جعل الشيخ بيته ملاذا ومستراحا لعابر السبيل.

قدم إليهم ذات ليلة رجلا يوحي مظهره بأنه تاجرا متجول يمتطي بغلة ويحمل على ظهرها كيسين ممتلئين ينتعل حذاء تطل منه أصابعه وأسماله البالية المرقعة تترجم مدى بؤسه أو هو كذلك، لم يعر اهتماما لهيئته بل رحب به وإستضافه وأكرم نزله.

سأله عن اسمه، فأخبره بأنه يدعى إسحاق وهو قادم من المغرب الأقصى بائعا متجول لا مأوى له ولا أهل.

طال مقامه أياما وليالي بل شهور كان يتنقل في النهار إلى القرى والبوادي المجاورة لبيع منتوجاته وفي الليل يعود ليبيت، تصرفاته أصبحت مزعجة وتجاوزت حدود الأدب لم يعد ذلك الضيف الخجول بل أصبح الآمر الناهي يتصرف كأنه صاحب الدار وهم الخدم، طفح الكيل بهم فقرر الشيخ طرده.

في صباح اليوم الموالي بادره بالكلام: أيها الغريب أنت من اليوم فصاعداً غير مرحبا بك في بيتي، لقد استجرت بنا فأكرمناك وأطعمناك ولم نقصر في خدمتك لكنك لم تحترم مقامك وتجاوزت أدبك حتى أنك بت تأمرنا كأنك صاحب البيت ونحن الاغراب…
حدق إليه بنظرة خبثاً ومكراً وكشف عن أنيابه القذرة قائلا: وهو كذلك البيت والأرض ملكي وأنتم الاغراب وسأسلبه منك وهذه الليلة أنتم من ستفترشون التراب بينما أنا هنا أتنعم بالدفئ.
تكالبت عليهم الأجناس من كل حدبا وصوب لم يكن للشيخ سند إلا إبنه الوحيد وهاهو قد استشهد وهو يدافع على أرضه وبيته قتله المغتصب غدرا بالرصاص.

لم يرضى ذو اللحية البيضاء الاستسلام والخضوع قاوم وحيدا بيدين عاريتين وما من سلاح معه إلا بقايا الحجارة التي رمم بها بيته وصيحات الغضب التي يقذفها في وجه المغتصب وبني ملته المدججين بالسلاح .

أضحى هو وزوجته بلا مأوى واستشهد إبنهما وخارت قواهما وتغاضى القوم على نجدتهما، فما كان منه إلا أن نصب خيمة قرب البيت المُغتصب وكتبا على وبرها .

بكينا على بيتنا المَغصُوب ونسينا أن النخوة قد أعدمت في قلوب القوم فهل من نائح ينوح معنا .
الله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى