آراء جنوبية

حمى الجبايات في عدن  إلى أين ؟

كتب : أحمد عقيل باراس

ظلت سلطات مابعد قيام الوحدة العام 1990، تنظر لعدن باعتبارها مجرد مورد مادي فقط من موارد رفد ميزانياتها المركزية بالمليارات من العملات المختلفة وبدون أن تحصل هي أو تحوز حتى على جزء يسير مما يتم جبايته منها، حيث نجد أن تلك السلطات تعاملت بخبث مع هذه المدينة في سبيل تحقيقها لهدفها في السيطرة على مواردها ابتداء من اختيارهم لمسؤولي الإدارات المالية في معظم الوحدات الإدارية والهيئات والمؤسسات ومكاتب فروع الوزارات العاملة داخل هذه المدينة بجعلها حِكراً على أسر وبيوت شمالية محددة ووفقاً لسياسة التقاسم والمحاصصة التي كانت تتم فيما بين قوى النفوذ المختلفة آنذاك وانتهاءً بإعطاء تلك الإدارات المالية صلاحيات واسعة بعيداٌ عن رؤساء ومدراء وقيادات تلك الوحدات والمكاتب والهيئات والمؤسسات الحكومية، وبعيداً حتى عن صلاحيات واختصاصات السلطات المحلية لتصبح عدن وتبعاً لذلك بمثابة الشريان الذي يغذي معظم المكاتب الرئيسية بصنعاء، ويستفيد منه الكثير من قيادات النظام السابق ومن المحسوبين عليه ومن أركان حكمه .

  والغريب في الأمر أن العاصمة عدن وبرغم الأحداث التي شهدتها اليمن ظلت أمينة لهذه النظرة وللدور الذي اختطه لها النظام السابق إلى يومنا الحاضر وكأن شيئاً لم يحدث أو يتغير فيها، فبعد التدمير  الذي تعرضت له المدينة والدماء التي سكبتها  مازالت مجرد مورد مادي فقط ولازالت مواردها وأموالها تُجبى وتنهب وتستخدم في غير صالحها وإن كانت الجبايات هذه المرة تتم بوتيرة أعلى بكثير عما :كانت عليه الجبايات في السابق، فبعد أن كانت الجبايات تستهدف أماكن وفئات محددة توسعت حالياً لتشمل كافة مناحي الحياة وتستهدف كل الفئات حتى وصلوا بها لمحال ومواقع لم يصل إليها حتى أكبر عتاولة جباة النظام السابق في أسوأ حالاته ولم يعملوا على تفعيل كافة لوائح الجبايات التي لم يجرؤ السابقون على تفعيلها من قبل وحسب، بل وأضافوا لها ولما هو مكتوب أشياء أخرى وبمسميات أخرى ماخلق الله بها من سلطان ومثلما كان يتم تجميع أموالها في البنك المركزي عدن ليُبدَّد في صنعاء بدون أن تستفيد منه.
يتم اليوم تجميع أموالها كذلك في نفس البنك وليُبدد أيضاً ولكن هذه المرة ليس في صنعاء وإنما في عدن على المحسوبين على صنعاء وبدون أن تستفيد  عدن ولو بجزء يسير منه .

  إننا نستغرب حمى الجبايات التي تجتاح عدن وتتخذ منها مسرحاً لها وتسخير كافة وسائل المدينة وإمكانياتها للجبايات وللبحث حتى عن السفاسف وبدلاً من تنافس الوحدات الإدارية فيما بينها على تقديم خدماتها للمواطنين تتنافس على الزيادة في حجم الجبايات من قبل كل المرافق بما فيها المرافق الخدمية لتصبح معظم مرافقنا للأسف مرافق جبايات وكأنه لم يكفينا جبايات الضرائب والواجبات وابتزازهم للناس حتى نضيف إليها جبايات أخرى لصندوق النظافة مبالغ فيها ومجحفة، وللعلم فإن جميع هذه الجبايات التي لم نرحم فيها أهلنا أو نراعي ظروف مدينتنا لا تستفيد منها عاصمتنا عدن إلا الفتات وماتبقّى كله يذهب للصرف على صنعاء وتعز وإب والحديدة وذمار وعلى معظم محافظي المحافظات الموالين للشرعية وعلى الوزارات المختلفة وللتمثيل لا الحصر نأخذ  مكتب الشؤون الاجتماعية عدن يحصل على ميزانية تشغيلية شهرياً مبلغ ثلاثمائة ألف ريال من البنك المركزي عدن، ومن أموال عدن بينما يستلم نفس المكتب في تعز ومن نفس المكان ولنفس الغرض ومن نفس الأموال ستة ملايين ريال شهرياً قس على ذلك بقية المكاتب والوحدات الأخرى .

  من الظلم أن تجتمع الضرائب والواجبات وتراخيص المهن على كشك لبيع الشبس أو محل لبيع الخمير ويتركون التجار الكبار من يصدق أننا نذهب بقضنا وقضيضنا وحدنا وحديدنا  لمحل صغير في نقطه داخلية في حي شعبي لنجبر مالك المحل على تسليم كلما هو للدولة بما فيها ضريبة العقار المباع ونترك موارد الدولة الموجودة لدى مصاصي دماء شعبنا من تجار الحروب مع أننا وبحسبه بسيطة لو اتجهنا لهؤلاء لما احتجنا لأن نذهب لمحال الشبس والخمير ومحلات التجزئة في الأحياء والمناطق الشعبية ونضيف لهم أعباء فوق اعبائهم التي يتحملونها ومن هؤلاء لا الحصر تجار الطاقة المشتراة العاملين بعدن الذين يتهربون من تسديد ماعليهم من واجبات زكوية والبالغة أكثر من ستة ملايين دولار سنوياً ومثلهم الكريمي وشركات هائل سعيد الذين لو تم إعادة محاسبتهم بطريقة صحيحة وحقيقية بما عليهم من ضرائب ومن واجبات زكوية لتم تجميع وتوفير مليارات الريالات المهدرة سنوياً .

    وأخيراً لاندري كم من الوقت سيستمر نهب موارد العاصمة عدن وكم من الوقت سنظل نقدم أنفسنا كجباة وكم من الوقت ستظل عدن محرومة ولا تستفيد من مداخيلها ولا ندري إلى أين تأخذنا هذه الجبايات وإلى أي مدى ستؤثر على مشروعنا فلا يعقل البتة أن نظلم أهلنا ونحرم أولادنا من أبسط احتياجاتهم لنوفر تلك الموارد لتبديدها وصرفها على اليمن الكبير . ومانتمناه بعد ذلك كله أن يدرك قادتنا أن وجود الدولة لا يقترن فقط بفرض الضرائب والمكوس على الناس ولا بالتسابق على تجميع الأموال ولا بتحوُّل أجهزة الدوله المختلفة إلى أجهزة جبايات وأن يدركوا كذلك أن استعادة الجنوب والدولة من المليشيات الحوثية لن يأتي بتبديد وإنفاق موارد عدن على الدولة المركزية وعلى مؤسساتها وقواها المختلفة والتي هي في مجملها قوى ضد عدن والجنوب وضد مشروع التحرير والاستقلال الذي يحمل رأيته المجلس الانتقالي الجنوبي المشارك في السلطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى