بين نزع سلاح حماس ووقف الحرب.. «إعلان نيويورك» يرسم مسارًا جديدًا لغزة
دعوات لتسليم غزة للسلطة الفلسطينية وتوحيد المؤسسات ضمن تسوية شاملة

سمانيوز/تقرير/السميفع
في تحوّل جديد ضمن المساعي الدولية لتسوية القضية الفلسطينية، أصدر اجتماع دولي رفيع المستوى في نيويورك يوم الثلاثاء 29 يوليو 2025، إعلانًا سياسيًا دعا بشكل صريح إلى إنهاء حكم حركة “حماس” في قطاع غزة ونزع سلاحها، وتسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، باعتباره خطوة أساسية لتهيئة الظروف نحو تطبيق حل الدولتين.
الإعلان الذي حمل عنوان “إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية”، مثّل موقفًا جماعيًا غير مسبوق لعدد من الدول الغربية والعربية، من بينها قطر، حيث شدد على ضرورة توحيد المؤسسات الفلسطينية تحت مظلة “السلطة الشرعية”، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس موحدة، بعيدًا عن الانقسام الجغرافي والعسكري بين الضفة الغربية وغزة.
رفض صريح لحكم الأمر الواقع في غزة
بخلاف بيانات سابقة اكتفت بالتلميح، جاء إعلان نيويورك حاسمًا في مسألة نزع سلاح حماس، معتبراً أن أي تسوية شاملة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تتطلب إنهاء السيطرة العسكرية للحركة على القطاع، واستعادة السلطة الفلسطينية دورها الكامل في إدارة غزة، وذلك عبر تشكيل لجنة إدارية انتقالية فورًا بعد وقف إطلاق النار.
وتكشف اللغة المباشرة للإعلان عن توجه دولي جديد في التعامل مع ملف غزة، يقوم على تجاوز الأمر الواقع وفرض شروط واضحة لمسار ما بعد الحرب، الأمر الذي يعكس تراجعًا في التسامح الدولي مع نموذج “السلطة المزدوجة” التي تشكلت منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007.
إدانة للانتهاكات.. ودعوة لوقف فوري للحرب
في الجانب الإنساني، دعا الإعلان إلى وقف فوري للعدوان على غزة، وضمان الإيصال الآمن وغير المشروط للمساعدات الإنسانية إلى المدنيين، كما أدان الهجمات التي تستهدف المدنيين “من أي طرف”، في إشارة مزدوجة إلى هجوم حماس في 7 أكتوبر، والقصف الإسرائيلي العنيف الذي طال البنية التحتية الحيوية وساهم في تعميق الكارثة الإنسانية في القطاع.
الإعلان لم يكتف بإدانة الحرب فقط، بل وجه انتقادات واضحة للسياسات الإسرائيلية، لا سيما الحصار والتجويع الممنهج الذي يُمارس على السكان المدنيين، معتبرًا أن استمرار هذا النهج من شأنه أن يقوّض فرص السلام الإقليمي، ويعزز نزعات التطرف والمواجهة.
رفض التهجير ومخاوف من التغييرات الديموغرافية
أحد أبرز النقاط التي تطرق إليها الإعلان كانت مسألة التهجير القسري، حيث شدد الموقعون على رفضهم لأي محاولات لإحداث تغييرات ديموغرافية أو إقليمية قسرية بحق الفلسطينيين، مؤكدين أن هذه السياسات تشكّل انتهاكًا للقانون الدولي، وتهدد بتوسيع دائرة الصراع إلى ما وراء غزة والضفة.
ويبدو أن هذه الفقرة جاءت استجابة للمخاوف المتزايدة من محاولات تفريغ غزة من سكانها، سواء عبر العمليات العسكرية أو عبر الضغط الإنساني المتواصل، وهي تحذيرات أطلقتها مؤسسات حقوقية منذ الأسابيع الأولى للحرب.
عودة لروح مبادرة السلام العربية
في مشهد يعيد التذكير بمبادرات السلام التي تعثرت لعقود، أعاد إعلان نيويورك التأكيد على مرجعية “مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها السعودية عام 2002، بوصفها الإطار الأنسب لتحقيق تسوية عادلة وشاملة في المنطقة.
كما أشار الإعلان إلى ضرورة إعادة إحياء المسارات السياسية الأخرى، خاصة المسارين السوري-الإسرائيلي واللبناني-الإسرائيلي، وهو ما يعكس توجهًا دوليًا لإعادة ربط خيوط الصراع المتعددة ضمن استراتيجية إقليمية متكاملة للسلام، بدلًا من التركيز الأحادي على القضية الفلسطينية.
نحو “يوم سلام”.. ولكن بأي ثمن؟
رغم التفاؤل الظاهري في لغة الإعلان، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن بالفعل التقدم نحو “يوم سلام” في ظل المعادلات الميدانية الحالية؟ فحركة حماس، رغم الضغوط الدولية، لا تبدو مستعدة للتخلي عن سلاحها، كما أن إسرائيل لم تُظهر حتى الآن نية سياسية حقيقية للقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وعليه، فإن إعلان نيويورك، رغم قوته الرمزية والسياسية، قد يتحول إلى مجرد ورقة دبلوماسية أخرى، ما لم ترافقه خطوات عملية على الأرض، تشمل وقف العدوان، والبدء بحوار فلسطيني داخلي، وضمان التزام إسرائيلي واضح بالمبادئ التي نصّ عليها.
غير أن الإجماع العربي والدولي النادر في هذا الإعلان، يشير إلى أن هناك فرصة – ربما هي الأخيرة – لإعادة ضبط المسار السياسي للصراع، وإنقاذ ما تبقى من مشروع حل الدولتين.
