تعز بين الفوضى المنظمة وإفلات القتلة.. من يحمي عرفات الصوفي؟

سمانيوز/خاص
كيف يمكن لقاتل أن يخرج من السجن بعد ساعات من إعلان القبض عليه؟
ولماذا تتحوّل تعز إلى خشبة مسرح، تُعرض عليها “حملات أمنية” تنتهي إلى إطلاق سراح المجرمين بدل محاكمتهم؟
وهل أصبح القانون أداة بيد جماعة سياسية تحكم من خلف الستار، بينما تُركت المدينة لمصيرها وسط الفوضى المنظمة؟
تقرير:
هشام صويلح
هذه الأسئلة ليست انفعالية، بل تعكس واقعًا ماثلًا في قضية إطلاق سراح عرفات الصوفي، أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في سجل الجريمة المنظمة بمدينة تعز. بين بيانات أمنية تبرر، وأصوات شعبية غاضبة، وتاريخ طويل من الدماء، يظهر ملف الصوفي كمرآة تعكس طبيعة الانهيار الأمني والقضائي، وتكشف كيف تحوّلت تعز إلى مختبر حي لإفلات القتلة من العقاب.
مشهد الإفراج الذي فجّر الغضب
في 27 سبتمبر 2025 أعلنت شرطة تعز القبض على المطلوب أمنيًا عرفات الصوفي، قائد الكتيبة الثالثة في اللواء 170 دفاع جوي، بعد اغتيال مديرة صندوق النظافة إفتهان المشهري. لم يكد يمر نصف يوم حتى تردّد خبر الإفراج عنه، بذريعة “عدم وجود قضايا أو شكاوى رسمية مسجلة ضده”.
الناشط الحاج علي التعزي وصف الإفراج بأنه “بالون اختبار، وقريبًا سيتم إطلاق سراح البقية وسيزعمون أنهم أبرياء.. إذا لم تتم محاكمتهم محاكمة مستعجلة فعلى تعز السلام.”
بينما رأت الصحفية هديل محمد أن ما جرى لم يكن مفاجئًا، معتبرة أن “ما يسمى بالحملة الأمنية مجرد عرض مسرحي لإطفاء حرائق الغضب الشعبي لا أكثر.”
المشهد بدا وكأنه صفقة مقايضة؛ إذ كشف الناشط عمران الحمادي أن الإفراج تم مقابل “التزام عرفات بإحضار شقيقه المطلوب أمنيًا، لكن الالتزام كان مقايضة بجرائم النهب والتهديدات.”
سجل إجرامي حافل بالانتهاكات
قصة عرفات الصوفي لا يمكن اختصارها في واقعة اعتقال وإفراج. الرجل يحمل سجلًا دمويًا يمتد لقرابة عقد، وهو ما جعل كثيرين يعتبرون إطلاق سراحه إدانة للنظام الأمني والقضائي في تعز.
2016: قتل الشاب بكيل الأثوري في حي الزهراء.
2020: اقتحم نيابة غرب تعز وهدّد قاضيًا بالقتل، ما تسبب في إضراب القضاة.
2020: حاصر مستشفى الثورة بدبابة لإجبار الحراسة على تسليم جريح من خصومه.
2023: بسط على أراضٍ تابعة للدولة في حي الثورة وهدّد القاضي صادق العبيدي، بل توعده بهدم منزله.
إضافة إلى استيلاء عصابته على مبانٍ حكومية كمقرات خاصة، بينها مبنى البرنامج الوطني لمكافحة السل والدرن الذي حوّله إلى وكر للجرائم.
الصحفية هديل محمد وصفت تاريخه قائلة: “عرفات أشبه بتمثال شمع وسط متحف الجريمة في تعز.. لا يُروى تاريخه في خبر قصير بل في سفر طويل من الرصاص والدماء.”
تغطية رسمية.. وتواطؤ معلن
البيانات الأمنية اكتفت بتبرير الإفراج بأنه “لعدم وجود شكاوى”. لكن هذا التبرير لم يقنع أحدًا.
رياض الدبعي قال إن الأمر ليس مجرد خطأ بل “تغطية واضحة وتواطؤ مفضوح من اللجنة الأمنية التي اختارت حماية منتهكي الحقوق بدل دعم الضحايا.”
أما المحامي وجدان فهد فذهب إلى أبعد من ذلك بتوضيح قانوني:
“النيابة العامة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى الجزائية، ولا تحتاج إلى شكوى من المواطن. القانون أعطاها الصلاحية المطلقة بمجرد علمها بوقوع جريمة. إدارة الأمن لا تملك أي صلاحية للإفراج عن متهم في جريمة وصلت للنيابة.”
هذا الرأي القانوني وضع شرطة تعز أمام اتهام مباشر بـ اغتصاب اختصاصات النيابة، ما يجعل الإفراج فعلًا غير قانوني في جوهره.
أسباب الخوف المجتمعي
إذا كان القانون يمنح النيابة العامة حق التحرك من تلقاء نفسها، فلماذا يغيب ملف الصوفي من أروقة المحاكم؟ الجواب يقدمه كتاب وناشطون:
حدفان الكينالي: “السبب الأعمق وراء الإفراج هو حالة الخوف واليأس المجتمعي؛ الناس لم يعودوا يثقون بالمحاكم.”
الصلوي: “العصابات تهدد الناس إذا رفعوا قضايا.. فيردعهم الخوف من الانتقام.”
بعبارة أخرى، الضحايا صامتون تحت تهديد السلاح، بينما تتحول المؤسسات إلى أداة لتبييض الجريمة بدل معاقبتها.
حماية النفوذ الإخواني
ليس سرًا أن عرفات الصوفي محمي سياسيًا. فبحسب طلال الضفاري، فإن الصوفي “من المقربين لمستشار محور تعز العسكري عبده فرحان (سالم الدست)، الحاكم العسكري لتعز.”
هذا النفوذ الحزبي يفسر لماذا يتحرك الصوفي بحرية، ولماذا تحولت حملات القبض عليه إلى مجرد مسرحيات سياسية لامتصاص الغضب الشعبي، سرعان ما تنتهي إلى إطلاق سراحه.
أحمد عبده أكد هذه الحماية قائلًا: “عرفات الصوفي تم الإفراج عنه بسبب السلاح الثقيل بيد الشيخ حمود سعيد المخلافي.”
الرأي العام.. من التساؤل إلى الاتهام
وسط هذه التناقضات، تحوّل الشارع في تعز إلى فضاء للتساؤلات:
هديل محمد تساءلت: “هل نحن أمام حملة أمنية أم أمام فرقة مسرحية تدار من مكتب حزبي خلف الستار؟”
عمران الحمادي طرح بدوره: “هل التزام عرفات كافٍ أمام قرار قضائي بمحاكمته؟”
هذه الأسئلة لم تعد مجرد تعبير عن الاستياء، بل اتهام مباشر للسلطات المحلية والأمنية بأنها شريك في الجريمة عبر إفلات القتلة من العدالة.
دلالات أوسع – تعز كمرآة للفوضى المنظمة
قضية عرفات الصوفي ليست استثناءً، بل تعبير مكثف عن وضعية عامة في تعز: انفلات أمني مزمن، تواطؤ مؤسسي بين الأمن والقضاء، نفوذ سياسي يفرض الحماية على المجرمين، مجتمع صامت تحت الخوف.
هذا التوصيف يجعل من تعز نموذجًا لمدينة مختطفة سياسيًا، حيث تتحول أجهزة الدولة إلى أدوات في خدمة الجماعة المهيمنة (الإخوان) بدل أن تكون حامية للمجتمع.
من جريمة إلى فضيحة
إطلاق سراح عرفات الصوفي لم يكن مجرد خطأ إداري أو ثغرة قانونية. إنه فضيحة سياسية وأمنية تهز مدينة تعز، وتكشف كيف يمكن أن يتحول القانون إلى ورقة فارغة بيد المتنفذين.
في مدينة تحكمها العصابات من خلف واجهات رسمية، يصبح الإفراج عن قاتل وناهب مجرد تفصيل في مسرحية أكبر. لكن السؤال الذي سيظل مطروحًا:
هل تبقى تعز مسرحًا لهذه المسرحيات حتى تنهار تمامًا؟ أم أن غضب الشارع سينتزع لحظة مواجهة تعيد القتلة إلى مكانهم الطبيعي خلف القضبان؟