تدفق النازحين وتدهور العملة أبرز أسبابها… «أزمة العقارات وارتفاع جنوني في الإيجارات» هل بات السكن في العاصمة عدن حلماً بعيد المنال؟

استطلاع / حنان فضل
بسبب الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد وتدهور العملة المحلية بالإضافة إلى تدفق النازحين، أصبحت العاصمة عدن تعيش أزمة خانقة في المساكن يقابلها ارتفاع جنوني غير مسبوق في الإيجارات، ليكون السكن في عدن بالنسبة للباحثين عن الاستقرار بعيد المنال وخاصة لدى الأسر الفقيرة.
إذاً، أين دور سياسات الإسكان ودور الحكومة في إيجاد حلول تنهي هذه المعاناة، ولمصلحة من عدم تنظيم قطاع العقارات التي أثقلت كاهل المواطن البسيط وفاقمت معاناته..؟
لا يتناسب مع مستويات الدخل:
التربوية والأديبة عيشة صالح محمد، وهي واحدة ممن يعانون من أزمة المساكن وارتفاع أسعارها، تقول: لم تعد أزمة السكن في العاصمة عدن مجرد قضية اقتصادية أو عمرانية، بل تحولت إلى كابوس يومي يؤرق الأسر ذات الدخل المحدود، التي تجد نفسها في دوامة من الغلاء والحرمان، بينما تظل الجهات المعنية في حالة صمت أو لا مبالاة لا تليق بحجم المعاناة.
تشهد أسعار الإيجارات في عدن تصاعداً جنونياً لا يتناسب مع مستويات الدخل، ولا مع الخدمات المتوفرة. فشقة صغيرة في حي شعبي بات إيجارها يوازي رواتب ثلاثة موظفين حكوميين، مما جعل الحلم البسيط بامتلاك مسكن أو حتى استئجاره بعيداً عن متناول كثير من الأسر، خصوصاً من شريحة الموظفين والعمال.
يتساءل المواطن العدني: أين هي سياسات الإسكان؟ وأين هي خطط الحكومة لتوفير بدائل حقيقية للسكن؟ في ظل غياب مشاريع إسكانية مدعومة، وغياب الرقابة على سوق العقارات، أصبحت المسألة تُدار بمزاج السوق والمؤجرين، لا بسياسات عادلة تحفظ التوازن بين العرض والطلب.
إن غياب التنظيم لهذا القطاع الحيوي يُثير تساؤلات مشروعة: لمصلحة من يُترك قطاع العقارات دون ضوابط؟ ولماذا تتغافل الجهات المسؤولة عن التجاوزات اليومية في التسعير والتأجير؟ أهو جهل أم تواطؤ؟ أم أن المستفيدين من الفوضى أكبر من أن يُطالهم القانون؟!
المطلوب اليوم هو تدخل حكومي جاد لتنظيم سوق الإيجارات، ووضع قوانين تحد من الجشع العقاري، إلى جانب إطلاق مشاريع إسكان شعبي تحفظ كرامة المواطن، وتعيد له حقه في سقف آمن، فالسكن ليس ترفاً، بل حق إنساني أصيل، وعلى الدولة والمجتمع أن يتعاملا معه على هذا الأساس.
النزوح سبب رئيسي للارتفاع:
يقول العميد فيصل النجار، عضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي: المعروف بكل عواصم دول العالم أن من ينظم أمور الإسكان فيها هو القانون ليساعد على ضبط معايير المصلحة العامة والخاصة، كون مجال تأجير المساكن الشعبية والعقارات التجارية، وشروط التعامل بها يخضع لقوانين وعقود تصيغها مكاتب للإيجار، المفروض أنها تتوافق والقانون الخاص بمجال تأجير العقارات المختلفة، بتأجير الشقق والمنازل الشعبية، لتضمن الحق للجميع (المالك والمستأجر)، وتراعي فيه الأسعار التي المفروض تحددها جهات رسمية بما يتناسب مع ظروف البلد والسكان.
وبرأيي، فإن ما نراه اليوم على جسد عدن أمر قد تجاوز القانون، وأصبح يخضع للمزاج الخاص لملاك العقارات. ففي عدن لا يستطيع الموظف البسيط أن يوفر لأولاده سكناً محترماً يليق بآدميتهم، ويناسب دخله الشهري.
ونلاحظ من سنوات الفوضى والنزوح قد شجع الملاك على الجشع غير المبرر بكل العقارات المختلفة، وخروجهم عن المألوف في نظام تأجير المنازل الشعبية والعقارات، وحتى قاعات الأفراح والفنادق العادية والسياحية. ولا نعلم هل تخضع تلك العملية للرقابة من مكاتب الاختصاص للسلطة المحلية بالمحافظة أم أن العمل يسير على ما يريد الاحتلال الناعم لعدن، والملاك الذين يستغلون حاجة المجتمع الفقير للسكن بشكل طبيعي؟
وهل هناك من شروط تحددها الجهات المختصة وفق القانون، وتكون مسؤولة على تطبيقها لصالح المواطن المغلوب على أمره، والذي أصبح فريسة سهله لارتفاع جنون الأسعار دون رحمة من الملاك، ولا رادع لهم من الجهات المسؤولة على تنظيم حياة المجتمع، وفق الحدود المعقولة للجميع «لا ضَرَر ولا ضِرَار».
وعن تجربة، حتى الكوادر (الموظفين) الذين تعتبر رواتبهم فئات قوية عجزوا أمام ارتفاع أسعار تأجير الشقق والبيوت الشعبية، التي لا تخضع البعض منها لشروط السكن والخدمة والسلامة والملكية، ويعود ذلك إلى خلل في منظومة الحكم المحلي بعدم تطبيق القانون والرقابة باستمرار، والتي وجدت لمصلحة المواطن أو الموظف البسيط، ولجمال المدينة ومتنفساتها، وليس لمصلحة التجار الذين نزع الطمع القناعة والرحمة للضعفاء من قلوبهم.
وأضافت المهندسة إيمان محسن شيخان، عضو الجمعية الوطنية بالانتقالي: بعد الحرب ضد الحوثي صار الاستثمار في العقارات في العاصمة عدن بصفة خاصة والجنوب بصفة عامة، من أكثر الاستثمارات استمرارية وربحية، أولاً بسبب ظروف الناس المعيشية، حيث بات من الصعب عليهم شراء منزل، والأصعب من ذلك الحصول على أرضية وبناء بيت لهم عليها..
ولهذا، تراهم يضطرون للجوء إلى سوق الإيجارات والعقارات، لأن الحصول على إيجار بيت بسعر زهيد يغطي الحاجة لهم في السكن، هذا طبعاً للأسر أصحاب الدخل المحدود، ولكن بعد ذلك اشتدت الأزمة في ارتفاع قيمة الإيجارات والعقارات في العاصمة عدن، للحصول على بيوت للإيجار وبالأسعار المناسبة بسبب تدفق النازحين من مناطق الشمال وانتشارهم بين الأحياء السكنية وحصولهم على بيوت للإيجار، وقبولهم بأي سعر كان وحتى وصل بهم القبول بدفع الإيجار بالعملات الأجنبية مثل الدولار والريال السعودي، مما شجع بعض ملاك البيوت على الجشع و رفع قيمة الإيجار، ويصير الضحيه في ذلك المواطن الجنوبي، مع أن النازح تدعمه المنظمات الدولية ليس فقط بإعانات مالية ومواد إغاثية، وإنما أيضاً تسهل له عملية الحصول على أرضية وتدعمه بكافة مواد البناء، بمعنى أن المنظمات الدولية تسعى لتوطينهم، في حين يبات المواطن الجنوبي في الشارع.
من جانبه، قال المحامي سعيد العيسائي: الكثير من الفقراء صُرفت لهم أراضٍ عام 92م، وإلى الآن لم تستطع هيئة الأراضي أو الحكومة تسليمها للمواطن لظهور مدعيي الملكيات والسماسرة والبلاطجة، وهذا أثبت عجز الحكومة ومكتب الأراضي عدن عن حماية أراضي الدولة، مما أصبحت هذه الشريحة محرومة من الأراضي وغير قادرة على شراء بيوت جاهزة للسكن، مما أهلكت حياة المواطنين في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، وأصبح العمل في المجال العقاري هو المستفيد من ذلك، لعدم وجود التنظيم والإنصاف من الأراضي والحكومة في توزيع الأراضي للفقراء والمستحقين، وستظل الأزمة قائمة ما لم يتم محاسبة ومكاشفة الفاسدين في هذا المجال، وإعادة التوزيع العادل للأسر الفقيرة وأولادهم وفرض نظام عادل على الجميع.
وفي ختام الاستطلاع، عددت ميرفت علي محمد، مدير إدارة الأرشفة المركزية في ديوان الشؤون الاجتماعية والعمل في العاصمة عدن، نقاطاً هامة وهي كالآتي:
تأثير الأزمة على الأسر الفقيرة:
1. صعوبة الحصول على سكن: الأسر الفقيرة قد تجد صعوبة في الحصول على سكن مناسب بسبب ارتفاع الأسعار.
2. زيادة عبء الإيجار: ارتفاع أسعار الإيجار قد يزيد من عبء الأسر الفقيرة.
3. الحاجة إلى دعم: الأسر الفقيرة قد تحتاج إلى دعم حكومي أو غير حكومي لتحمل تكاليف السكن.