«الآن لستُ هُنا» نثر : عمر محمد العمودي

سمانيوز/خاص
لستُ أنا من يختلط في هذه اللحظة السائلة، اللحظة المنسابة في مجراها والتي لا تفيض ولا تنضب.. إنهم يسيرون واللحظات تتدفق وتغمرهم، وأنا أشاهدهم من على حافة الجرف؛ قليل من يغرق، وقليل من يطفو، وكثير لا يطفون ولا يغرقون، ولا يعرفون ماهيتهم.
أرواح من خشب تعوم، وأرواح من حديد لا تحاول العوم، ولو أنها تحاول لما تغيرت المعادلة، لكنها لا تريد أن تفعل، مستسلمة وراضخة لسطوة اللحظة الشفافة، ولم يجربوا أبدًا أن ينعكسوا!
وهناك أرواح كثيرة ليست شيئًا لتعوم ولا تملك فكرة لتغرق، لا تقرّر ولا ترغب بخوض مسيرة هي متغلغلة فيها. تفعل كالآخرين؛ لكنها لا تشعر بما تفعل، لا تقترب من الوصول لشيء، لا كينونة لها. ولو أنها كانت شيئًا، لو أنها امتلكت كينونة؛ لسارت بطواعية إلى قدرها، ولما فعلت شيئًا غير تتبع أبواب مطروقة.
أنا المتجمّد بالأعلى، أراهم ولا أفعل شيئًا، أمتلك سنّارة ولا أجرب اصطيادهم، وأريد أن اصطادهم، لكن يداي ممسكتان بالغصن، أتشبّث بفكرة جريئة لا أريد أن أفلتها، ولو أفلتّها، لو تخلّصت منها؛ لوقعت، لغرقت، أو ربما طفوت، لكنت شيئًا أو ربما لا شيء، لكني لن أكون متجمّدًا أبدًا..
وفي الأرجح سأغرق، لأني أتذكر بأني عندما نجوت، تعرفت على فكرة الطفو للمرة الأولى، وكل من يطفون هناك أراهم وأستطيع قراءة أنهم لم يتعرفوا بعد على فكرة الغرق..
أفكر وأنا أترهّل كأنما بتُّ انعكاس للحظة السائلة؛ بأني أريد الإفلات من هذا الغصن الذي بالكاد يحتملني، بتوديع هذا الجرف البكر المتملّص من الحاضر، بالتخلّي عن هذه الفكرة التي تمسكت بجذع فتراخى إلى أن صار غصنًا، ويتراخى الآن أكثر، كأنما يريد أن ينمحي..
ها أنا أتركه، وبمجرد أن أفلتّهُ صار جذعًا، ثم شجرة، ثم بستانًا.. إنه يتشكّل وأنا أهوي وأشاهد الجرف بأكمله يخضّر، أهوي أكثر وأشاهده يتّسع، أراقبه وهو يُزهر. لقد أثمرت الفكرة بمجرد أن تركتها وحدها، إنها في الأعلى تتفردس.. ولا لحظة سائلة هنا، ولا لحظة متجمدة..
لم أعد أهوي، ولم يعد هناك ما أرتطم به.