استطلاعاتالجنوب العربيالسلايدر الرئيسي

صهاريج عدن.. تاريخ على الأطلال ينتظر من يعيد إليه بريقه

سمانيوز/استطلاع/ حنان فضل

الحديث عن تاريخ وطننا لا ينتهي أبداً، وخاصة عندما يكون عن مدينة السلام والأمان (عدن)، الساحرة بتاريخها العريق وبريق معالمها، التي كانت – ومازالت – الأنظار عليها ومازالت الأنظار عليها.
وفي رحلة قصيرة إلى صهاريج عدن وجدنا الأطلال وليست صهاريج، لم يتبقَ منها إلا آثار مرمية على الأرض، وعشوائيات استعمرت المعلم الحضاري، وكنا كأننا في كابوس عميق عندما رأينا الدمار الذي طال الصهاريج.. فإلى متى ستبقى معالمنا مهملة مفتوحة للعشوائيات، إلى متى؟!

صهاريج عدن أذهلت الاحتلال

وقالت الأستاذة نادرة عبدالقدوس، رئيس لجنة الإعلام في الجمعية الوطنية: صهاريج عدن التي أذهلت سلطات الاحتلال البريطاني في عام ١٨٥٤م عندما اكتشفتها، وبدأت بتنظيفها وتهيئتها كمعلم تاريخي، وإعادة وظيفتها كخزانات لمياه الأمطار الموسمية التي كانت تهطل على عدن بغزارة، يستفيد منها الناس كمصدر لمياه الشرب والاستخدامات الأخرى، وكذلك لحماية المدينة من الغرق.
وكانت المياه عندما تفيض من الصهاريج تجد طريقها عبر قناة برية خارجها ممتدة إلى البحر عبر قنوات مخططة بإتقان وعبقرية فذة في التصميم الهندسي للطرقات.
وتابعت: للأسف، في الوقت الذي تفانى أجدادنا في بناء هذا المعلم التاريخي العظيم، والذي ما زال محافظاً على وظيفته الحيوية، نجد وبكل غباء وعدم وعي من قام ويقوم بهدمه وتدميره وتعطيل وظيفته الإنسانية. كل ما نخشاه أن تغرق مدينة عدن القديمة(كريتر).. من يتحمل المسؤولية؟! طبعاً المحافظ ويليه مدير المديرية والهيئة العامة للآثار والمتاحف في عدن، والجهات الأمنية والمثقفون والاعلاميون وكل الصامتين.

إرث تاريخي يئن تحت وطأة الإهمال

قال الأستاذ حسين الوحيشي: في قلب وادي الطويلة بمدينة عدن شامخة تقف “صهاريج عدن”، شاهدًا حيًا على عبقرية هندسية ضاربة في القدم، هذه البرك المائية العميقة والواسعة التي استوعبت عبر العصور كميات هائلة من مياه الأمطار، لم تكن مجرد حلول عملية لتخفيف وطأة السيول الجارفة التي تتدفق من جبال شمسان والتعكر والمنصوري وشعب العيدروس، بل كانت أيضًا مصدرًا حيويًا للمياه العذبة التي خففت من ملوحة الآبار في مدينة الشرب.

وأضاف: لقد نسجت صهاريج عدن حكايات تعاون بين السكان المحليين والإنجليز والتاجر الفارسي العدني “قهوجي”، الذين تضافرت جهودهم لتشييد جدرانها المتينة، ورصف درجاتها، وبناء أسوارها وجسورها. ولم يقتصر دورها على ذلك، بل احتضنت بين جنباتها حديقة غناء بأشجارها الوارفة وأزهارها الفواحة، وكانت بمثابة المتنفس الأول لأهالي عدن، خاصة سكان الطويلة، في أيام الحمى. ويظل البئر الرئيسي القابع قرب البوابة القديمة، بغرفته الشاسعة، بمثابة المتحف الأول لآثار المدينة، يروي قصصًا من الماضي العريق.

واستطرد: إلا أن هذا الإرث التاريخي والجمالي الفريد يئن اليوم تحت وطأة الإهمال والفوضى. فقد تجرأ الغزاة على حرم الصهاريج، وانتشر الباسطون على أراضيها، وشوهت العشوائيات قدسية المكان. لا رقيب ولا حسيب على هذا العبث، وتحولت الصهاريج إلى مكب للنفايات، بل وربما مجرى لمياه الصرف الصحي، في انتهاك صارخ لقيمتها التاريخية والبيئية.

وواصل الأستاذ حسين الوحيشي: إن بقاء الصهاريج على حالها يحمل في طياته خيرًا كثيرًا، ولكن ركود المياه لفترات طويلة في منطقة حارة كعدن يحولها إلى بؤر حاضنة لانتشار البعوض، الناقل الرئيسي لحمى الضنك والملاريا، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة وسلامة السكان.
من هنا نناشد المسؤولين في محافظة عدن وقياداتها أن يولوا هذا المعلم التاريخي العناية اللازمة. إن معالجة قضية الباسطين على الأراضي المحيطة بالصهاريج يجب أن تتم بشكل شامل وعادل، ومحاسبة المتورطين في هذا الفساد والإهمال واجب وطني.

وأكد أن صهاريج عدن ليست مجرد تجمعات مائية قديمة، بل هي العنصر الأهم في أي برنامج سياحي طموح لمدينة عدن. إنها المغناطيس الذي يجذب السياح من شتى بقاع الأرض، وينعش الحركة التجارية والاقتصادية في المدينة، ويوفر فرص عمل ودخلًا قويًا لأهلها.

وقال الوحيشي في ختام حديثه: إن الحفاظ على صهاريج عدن هو حفاظ على جزء أصيل من تاريخنا وهويتنا الوطنية، وتعبير عن الانتماء لهذه المدينة الخالدة. إنها مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل فرد ومؤسسة في عدن. فلننتفض لإنقاذ هذا الإرث العظيم، ولنعيد لصهاريج عدن رونقها وجمالها، لتستعيد مكانتها اللائقة كمعلم سياحي عالمي ورمز شامخ لمدينة عدن.

جريمة الاعتداء على تاريخنا

من جانبه، قال عصام الوالي، قسم الإعلام لانتقالي صيرة: اليوم للأسف تعرضت هذه الآثار والمعلم التاريخي إلى الاعتداء والتشويه والاقتصاص من مساحتها، بسبب ضعاف النفوس من المتطاولين بالبناء العشوائي، وأصحاب الربح غير المشروع، والذين استغلوا مرحلة الانفلات الأمني وغياب رقابة الدولة وغفلة السلطة المحلية بالعاصمة عدن، فانتهكوا حرم الصهاريج وحطموا أجزاء من سورها، وبنوا منازل لهم داخل حدودها، وغيروا وبدلوا بشكلها ومنظرها الجميل الخلاب.

إننا اليوم بحاجة إلى صحوة جادة من قبل القيادة السياسية والقائمين على أمر العاصمة عدن، باتخاذ قرارات جريئة وشجاعة بإزالة كل استحداث طرأت على هذا الرمز التاريخي للعاصمة عدن، وإعادة تأهيلها عبر منظمات دولية تقدر قيمة المناطق الأثرية والتاريخية القديمة، وتحميها من عبث الآخرين.

بدورها، عبرت الأستاذة نادرة حنبلة عن ألمها لما جرى للصهاريج، قائلة: لكنني أتألم كثيراً عندما أراها مهملة ومتحفها يتحول إلى أرشيف، وترمى الحجارة المحفورة بحروف قديمة عند بوابة متحفها الأول في الشرق الأوسط، حين بني في ثلانينيات القرن الماضي، وتم التعدي على أراضيها في بناء عشوائيات غير محببة، غير أنها تطمس الكثير من جمالها وحيويتها.

وأضافت: مدينة عدن قبلة الزائرين الأجانب أصبحت اليوم تحاط بعشوائيات تخل بتاريخها العريق. إهمال طال كل شيء وكأن عدن مدينة غير قابلة للاهتمام، ولم تعد تاريخية وغير قابلة لإدخالها في سجل الآثار التي يجب الحفاظ عليها عالمياً من سطوة العشوائيات، والتي نالها منها الكثير والكثير من عبث ذوي الضمائر الميتة.

هل ستكون مجرد صور؟

وفي ختام الاستطلاع تساءلت نوال أحمد ما إذا كانت دعوة التعاون بين المجتمع والحكومة والمستثمرين تعكس شيئًا من الأمل في قلوبنا؟ لكن ذلك الأمل يتلاشى عندما نفكر في العقبات التي لا تزال قائمة. فالحفاظ على التراث ليس مجرد مشروع يتطلب مقومات مادية، بل هو أكثر من ذلك؛ إنه يتطلب رؤية إنسانية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لتبني بيئات مستدامة تحتضن السياحة وتحافظ على الوعي الثقافي.

في لحظات الحزن والخذلان، يظل من الضروري أن نتساءل: هل ستكون صهاريج عدن مجرد صور باهتة تُلقي بظلالها على ذكرياتنا؟ أم أنها ستظل جزءًا حيًا من الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة، تحكي لهم عن عظمة الماضي وجمال الحاضر؟
إن التحديات كثيرة، والقلب مثقل بالهموم، لكن التزام المجتمع واستغلال الوعي الجماعي يمكن أن يلعبا دورًا حيويًا في الحفاظ على هذا التراث الثمين، واستعادة وهجه الذي قد يختفي إن لم نسارع لإنقاذه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى