الجنوب العربي

تحركات الجالية الجنوبية بأمريكا: دبلوماسية شعبية تؤسس للاعتراف الدولي

د. صدام عبدالله: مطلب الدولة ليس شعارًا سياسيًا بل إرادة شعبية راسخة

سمانيوز/خاص

في خضم مشهد سياسي يتسم بالضبابية والتعقيد، تبرز تحركات الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من أكثر المسارات فعالية وواقعية في دعم قضية شعب الجنوب، وتحويلها من ملف محلي محصور إلى قضية إقليمية ودولية تحظى بالاهتمام والنقاش على طاولات صنع القرار العالمي. ما بين 16 و18 يونيو الجاري، تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن عددًا من رؤساء ونشطاء الجاليات الجنوبية المنتشرين في مختلف الولايات، ضمن فعالية وطنية مكثفة تهدف إلى حمل صوت الجنوب، بأبعاده السياسية والإنسانية والأمنية، إلى مراكز القرار في الكونغرس والإدارة الأمريكية.

محور سياسي متقدم في معركة الاستعادة

يصف الكاتب والمحلل السياسي الدكتور صدام عبدالله هذه التحركات بأنها «نقطة محورية في مساعي شعب الجنوب نحو استعادة دولته كاملة السيادة»، مؤكدًا أنها تتجاوز الأشكال التقليدية في العمل الدبلوماسي إلى ما يمكن وصفه بـ”الدبلوماسية الشعبية المباشرة”، حيث يقوم أبناء الجنوب في الخارج بلعب دور الجسر السياسي الذي يربط تطلعات الداخل بقنوات التأثير في الخارج.

إن هذا التحرك لا يُعد ترفًا سياسيًا، بل هو انعكاس مباشر للحالة الطارئة التي يعيشها الجنوب تحت وطأة التحديات الأمنية والسياسية والمعيشية، مما يجعل من كل منصة دولية فرصة ضرورية لعرض حجم المعاناة التي يتكبدها الشعب الجنوبي نتيجة عقود من الاحتلال والصراع، كما يقول الدكتور صدام.

من الدفاع إلى المبادرة: التحرك الاستراتيجي للجاليات

يشير الدكتور صدام إلى أن هذه التحركات تستند إلى برنامج مكثف ومنظم، حيث «يتضمن البرنامج عقد لقاءات مكثفة في مبنى الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية، وهي منصات حيوية للتأثير وصياغة السياسات»، موضحًا أن الهدف الأساس منها هو «توضيح المعاناة الإنسانية التي يعاني منها شعب الجنوب، وتسليط الضوء على الأوضاع المأساوية التي فُرضت عليهم جراء الصراعات والحروب».

هذا التوصيف يكشف عن انتقال القضية الجنوبية من مربع الدفاع إلى مربع المبادرة السياسية على المستوى الخارجي، بما يعكس تطورًا نوعيًا في أدوات النضال الجنوبي، ليس فقط بالسلاح على الأرض، بل بالكلمة والموقف في المحافل الدولية.

قضية الجنوب: من ملف محلي إلى اهتمام دولي

في تحليله للدلالة الإقليمية لتحركات الجالية، يقول الدكتور صدام: «إن هذه التحركات ممكن تبرهن على أن قضية شعب الجنوب ليست قضية محلية فحسب، بل هي قضية إقليمية ودولية تستدعي اهتمامًا ودعمًا». هذه النقلة من المحلي إلى الدولي، ليست عفوية، بل نتيجة تراكمات عملت عليها النخب الجنوبية في الخارج منذ سنوات، عبر بناء لوبيات ضغط وتقديم دراسات وتقارير وتحقيق شراكات مع مؤسسات فكرية ودبلوماسية في الولايات المتحدة وأوروبا.

ومع أن الاعتراف الدولي باستقلال الجنوب ما زال بعيد المنال من الناحية القانونية، إلا أن هذه التحركات تساهم في بناء رواية مضادة تفضح زيف الخطاب اليمني الرسمي، وتعيد تصحيح مسار الإدراك الخارجي للصراع في اليمن باعتباره صراعًا بين مشروعين: مشروع احتلالي مركزي، وآخر تحرري فيدرالي جنوبي.

الأمن الجنوبي في صلب الخطاب السياسي

لا تتوقف اللقاءات في واشنطن عند المطالب السياسية المجردة، بل تحمل رسالة أمنية واضحة تعبّر عن حجم المسؤولية التي تتحملها القوات الجنوبية في حماية أمن المنطقة وممراتها الحيوية. يقول الدكتور صدام: «هذه التحركات تمتد لتشمل المطالبة بإنهاء الحرب والدور المحوري الذي تلعبه القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية في مواجهة الإرهاب الذي يهدد استقرار المنطقة برمتها».

بهذا التوجه، تربط التحركات بين حق تقرير المصير وبين الأداء الأمني الذي تقدمه القوات الجنوبية كجزء من الحل، لا كأداة في الصراع. إنها تقدم الجنوب كطرف قادر على إدارة ملف الأمن الإقليمي، مما يمنح مطلب الاستقلال قيمة مضاعفة في أعين الشركاء الدوليين.

استعادة الدولة: من الشعار إلى الفعل

يرفض الدكتور صدام التعامل مع “استعادة الدولة” كخطاب رمزي، ويؤكد بوضوح أن «مطلب استعادة الدولة الجنوبية ليس مجرد شعار سياسي، بل هو تعبير عن إرادة شعب يتوق إلى الاستقرار والازدهار والعيش بكرامة»، مضيفًا أن «الدولة الجنوبية المستقلة هي السبيل الوحيد لتحقيق تطلعات الشعب في التنمية والعدالة الاجتماعية».

هذا التحول من الشعار إلى البرنامج، ومن الحلم إلى الخطة، هو ما تعكسه تحركات الجالية الجنوبية في أمريكا. فهي لا تكتفي بعرض المظلومية، بل تقدم بدائل سياسية واقتصادية وأمنية لما يمكن أن تكون عليه الدولة الجنوبية المنشودة، ضمن تصور فيدرالي يعزز الوحدة الداخلية ويمنع التبعية الخارجية.

الدبلوماسية الجنوبية الجديدة: نضج الخطاب وتوقيت الفرص

يُجمع مراقبون على أن تحركات الجالية الجنوبية في واشنطن تأتي في توقيت سياسي حساس، حيث يعاد رسم التوازنات في المنطقة، وتتزايد الضغوط على الفاعلين الدوليين للبحث عن حلول حقيقية للصراع اليمني. من هنا، فإن توظيف هذه اللحظة لعرض الرؤية الجنوبية بشكل ذكي ومحترف قد يفتح أبوابًا لم تكن متاحة في السابق.

وقد لخّص الدكتور صدام هذا البعد بالقول: «تعد هذه التحركات بمنزلة فرصة ذهبية لتقديم رؤية واضحة لمستقبل الجنوب بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وبما يضمن حقوق جميع مكوناته»، وهو ما يُعد أقرب إلى خارطة طريق سياسية يمكن البناء عليها في أي مرحلة تفاوض دولي قادمة.

خاتمة: من واشنطن إلى كل العالم.. الجنوب يصوغ روايته

إن ما يجري في واشنطن خلال هذه الأيام هو أكثر من مجرد حملة علاقات عامة، إنه بناء متدرج لرواية جنوبية تحررية تعبر الحدود، وتفرض نفسها في الوعي الدولي. وكما ختم الدكتور صدام بقوله: «مع استمرار هذه التحركات وتوسيع نطاقها فإنها تعزز الأمل في تحقيق السلام العادل واستعادة الدولة كاملة السيادة، ليصبح الجنوب نموذجًا للاستقرار والتنمية في المنطقة».

الجنوب اليوم لا يراهن فقط على السلاح، بل على الكلمة والموقف والتحالفات. وتحركات الجالية الجنوبية في أمريكا ليست سوى خطوة في مسار طويل لاستعادة الدولة، لا بالأمنيات، بل بالفعل المنظم والعمل الميداني والتحرك الدولي الواعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى