الجنوب العربيالسلايدر الرئيسيتقارير

الخطأ الفردي في حادثة مسجد بعدن.. كيف جرى استغلاله سياسيًا؟

القيادة الجنوبية تتحرك لضبط المتسببين وسط حملات تستهدف مشروع الاستقلال من الداخل

سمانيوز/تقرير/هشام صويلح

في يوم 26 يونيو 2025، شهدت مدينة عدن حادثة أثارت سخطًا واسعًا، عندما اقتحمت قوة أمنية مسجد عمر بن الخطاب في مديرية المنصورة، واعتقلت إمام المسجد الشيخ محمد الكازمي عقب صلاة الفجر. ومع أن القيادة الأمنية في العاصمة سارعَت إلى احتواء الموقف وفتح تحقيق فوري، إلا أن أصداء الواقعة لم تتوقف عند حدِّها الميداني، بل امتدت لتتحول إلى أداة في يد خصوم الجنوب لتشويه المجلس الانتقالي الجنوبي وأجهزته.

فما بين الوقائع الميدانية، وردود الأفعال الرسمية، ومحاولات التوظيف السياسي للحدث، بدت الحادثة كاختبار حقيقي لصلابة المشروع الجنوبي وقدرته على محاسبة الذات دون أن يهتز بنيانه أمام حملات التحريض والتشويه.

الواقعة: انتهاك لحرمة مسجد أم خرق فردي مرفوض؟

بحسب ما أورده الكاتب والمحلل السياسي علي صالح الدويل، فإن الحادثة شكلت “انتهاكًا لحرمة المساجد وإهانة لمكانتها وقدسيتها”، معتبرًا أن اقتحام بيت من بيوت الله والاعتداء على إمامه هو “جرم هز المجتمع في أقدس مقدساته”. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الجريمة فردية ولا يمكن تبريرها أو تعميمها على المؤسسة الأمنية بكاملها.

وتقاطع هذا الطرح مع تأكيد الصحفي عبدالله قردع أن “هذه البلطجة سلوك فردي ليس لها علاقة بالأجهزة الأمنية الجنوبية بل تسيء لها”. وذهب أبعد من ذلك في التحذير من أن مثل هذه التصرفات تمنح خصوم الجنوب، وفي مقدمتهم الإخوان، مادة إعلامية وسياسية “تُستخدم في تحشيد الشارع ضد المجلس الانتقالي الجنوبي وأجهزته الأمنية”.

القيادة تتحرك: تحقيقات عاجلة ومحاسبة صارمة

لم تتأخر القيادة الأمنية في عدن عن التحرك. فقد وجّه محافظ العاصمة عدن، أحمد لملس، رئيس اللجنة الأمنية، بفتح تحقيق فوري في الحادثة، وشدد على ضرورة رفع النتائج بصورة عاجلة، مع إحالة الأفراد المتورطين إلى الإجراءات القانونية.

كما أكد المحافظ في تصريح رسمي أن “ما حدث تصرف مرفوض لا يمثل التوجه الرسمي”، معلنًا رفض اللجنة الأمنية المطلق لأي تجاوز بحق دور العبادة، مهما كانت الدوافع.

وفي السياق نفسه، أوضح مصدر مسؤول في مكتب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي القائد عبد الرحمن المحرمي، أن الأخير يتابع مجريات الحادثة بشكل شخصي، ووجّه الفريق الأمني التابع لمكتبه بالتحقيق مع مدير قسم شرطة دار سعد، وكل الأفراد المتورطين، وشدد على محاسبة كل من تورط “وفقًا للنظام والقانون”.

وقد تلا ذلك بيان توضيحي صادر عن إدارة أمن العاصمة عدن أكدت فيه أنها تتابع ما أثير بشأن الحادثة باهتمام بالغ، وأشارت إلى أن الإدارة عملت، تنفيذًا لتوجيهات المحرمي ولملس، على توقيف الأفراد وإحالتهم للتحقيق. وأضاف البيان أن “احترام قدسية المساجد أمر لا يقبل التهاون أو التجاوز تحت أي ظرف”.

موقف الضحية: الكازمي يشكر المحرمي

وفي موقف لافت، قال الشيخ محمد الكازمي، إمام المسجد الذي تم اعتقاله، إنه يشكر القائد عبد الرحمن المحرمي على تواصله الشخصي وتوليه مسألة محاسبة المعتدين. وأضاف: “رأيت الأفراد المتورطين في الحادثة وقائدهم في السجن”، ما يعكس أن المعالجة تسير بمسار جاد وسريع يحترم كرامة المواطن وقدسية المكان.

البعد الديني والمجتمعي: المساجد فوق كل صراع

إدارة الفكر والإرشاد في المجلس الانتقالي الجنوبي بالعاصمة عدن، أصدرت بيانًا عبّرت فيه عن استنكارها الشديد لما وصفته بـ”الانتهاك السافر والتعدي على حرمة أحد بيوت الله”، مؤكدة أن “المساجد لها حرمة عظيمة لا يجوز انتهاكها تحت أي ذريعة”.

وشدد البيان على ضرورة احترام قدسية المساجد وعدم تحويلها إلى ساحة أي نزاع أو توتر، داعيًا الجهات المعنية إلى التنسيق المسبق والتصرف بمسؤولية عند التعامل مع بيوت الله.

كما حيّت الإدارة تجاوب النائب المحرمي، واعتبرت أن توجيهاته “حاسمة في احتواء الموقف”، وأن موقفه “يعكس خصاله القيادية والتزامه بخدمة قضايا المواطنين وتعزيز السلم الاجتماعي”.

محاولات الاستغلال والتشويه: من يصطاد في الماء العكر؟

بحسب الصحفي عبدالله قردع، فإن الحادثة “جاءت على طبق من فضة” لخصوم المشروع الجنوبي، وعلى رأسهم جماعة الإخوان وأطراف في الشرعية اليمنية. وأوضح أن العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، “يمثل واجهة سياسية معادية لمشروع الدولة الجنوبية”، وقد يسعى إلى استغلال هذه الواقعة لعرضها أمام سفراء أمريكا والاتحاد الأوروبي على أنها دليل على “ميليشياوية العاصمة عدن”، في محاولة لتدويل صورة مشوهة عن الوضع في الجنوب.

من جهته، حذر الناشط السياسي ماجد الطاهري من أن توقيت التنفيذ وطريقته يوحيان بوجود “أيدٍ خفية تدفع نحو ارتكاب مثل هذه التصرفات السيئة لتشويه صورة المجلس الانتقالي الجنوبي”، وربما تكون مقدمة “لحدث يجري الإعداد له مستقبلاً للإطاحة بالمجلس وسحب البساط من تحته”.

قراءة في السياقات: عدن مستهدفة من داخلها

تحمل الحادثة، رغم معالجتها السريعة، دلالات عميقة تشير إلى ضرورة التنبّه للثغرات التي قد يستغلها خصوم الجنوب لضرب استقراره. وبينما تُبدي القيادات الجنوبية مستوى عاليًا من الشفافية والمحاسبة الذاتية، فإن بعض التصرفات الفردية غير المنضبطة قد تُستخدم لإعطاء الانطباع بأن الأجهزة الأمنية الجنوبية خارجة عن السيطرة.

لكن ما يثبت خلاف ذلك، هو التماسك المؤسساتي في مواجهة الحدث: من تحقيقات عاجلة، إلى مواقف واضحة من القيادات، إلى ردود شعبية مدروسة، تؤكد جميعها أن الجنوب لا يتهرب من الخطأ، بل يعالجه بسرعة وصرامة.

خاتمة: الجنوب لا يُختزل في خطأ.. وعدن ليست ساحةً للعبث

من المهم أن يُفهم أن خطأ فرديًا من عنصر أمني لا يجب أن يُبنى عليه حكم جماعي يُدين مؤسسة كاملة. لقد قدّمت القيادة الجنوبية، ممثلة في المحرمي ولملس، نموذجًا في سرعة الاستجابة والردع. والشارع الجنوبي، الواعي والمتمسك بمشروع استقلاله، يدرك تمامًا أن معركته الحقيقية ليست مع إمام مسجد ولا مع فرد أمن، بل مع من يسعى لاختراق عدن وتشويه مشروعها الوطني من الداخل.

ولذا فإن الجنوب، بكل مكوناته، مدعوٌّ لمزيد من الانضباط، وتفويت الفرصة على أولئك الذين يريدون تحويل الحوادث الفردية إلى معارك سياسية إعلامية ضد إرادة الشعب الجنوبي.

فالمساجد مقدسة، ومشروع الاستقلال مقدّس، ولا يجب أن يُضحّى بأحدهما على مذبح العشوائية أو التسييس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى