ما الذي يحدث في صنعاء؟ هل اخترقت إسرائيل تحصينات الحوثي أم تصفيات غير مباشرة داخل أجنحة الجماعة ؟

سمانيوز / استطلاع/خاص
عشر ضربات جوية وبحرية استهدفت عصر يوم الخميس الماضي، 28 اغسطس 2025م، اجتماعاً وزارياً لما يسمى بحكومة التغيير والبناء الحوثية، راح ضحيتها رئيس الحكومة أحمد غالب الرهوي و 18 وزيراً، ونجاة 4 وزراء فقط من إجمالي 22 وزيراً كانوا يشكلون حكومة الحوثيين، بحسب قناة العربية.
أصدر رئيس المجلس الأعلى للحوثيين مهدي المشاط قراراً بتعيين محمد أحمد مفتاح، الذي كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بتشكيل حكومة جديدة.
وعبر مراقبون عن استغرابهم من اعتراف الجماعة السريع بخسائرها البشرية التي كانت من العيار الثقيل، خسائر غير مؤلمة، بحسب متابعين للشأن اليمني، لا سيما وجماعة الحوثي تتحفظ ولا تكشف عن خسائرها المؤلمة البشرية إلا بعد فترة طويلة.
مؤكدين أن مليشيا الحوثي تعاني صراعاً داخلياً بين أجنحتها غير معلن. استثمرت القصف الإسرائيلي للتخلص من قيادات غير مرغوب فيها، قيادات مجرد زنابيل، أو مشكوك في ولائها للسيد، أو أصبحت تشكل خطراً استخباراتياً “لصالح العدو” يهدد حياة السيد الحوثي. وبحسب اعتراف السيد الحوثي نفسه تعاني جماعته اختراقاً أمنياً، وبات جميع قيادات الصف الأول مهددين بالتصفية في أي وقت.
“العرب اللندنية” ترى خلاف ذلك، ففي تقرير لها أشارت فيه إلى أن إسرائيل انتهجت سياسة جديدة في تعاملها مع جماعة الحوثي، حيث أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، الأحد، أن بلاده وضعت اليمن في “مرمى الاستهداف”، وتتبع “سياسة ممنهجة” لاغتيال قادة الجماعة الموالية لإيران.
ويأتي هذا الإعلان في سياق تصعيد نوعي يهدف إلى الخروج من دائرة الضربات المحدودة، إلى استهداف منظومة الحكم الحوثية بشكل مباشر.
وتأتي تصريحات كوهين بعد يوم من إعلان قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين عن مقتل أحمد غالب الرهوي رئيس الوزراء في حكومة الجماعة غير المعترف بها، وعدد من وزرائه، الخميس الماضي.
وفي تطور لاحق، أعلن مصدر مقرب من الجماعة عن مقتل وزير الإعلام هاشم شرف الدين. فيما أفادت مصادر أخرى بمقتل وزيري الخارجية جمال عامر، والشؤون الاجتماعية سمير باجعالة.
ووفقاً لتصريحات كوهين، فإن إسرائيل لم تعد تكتفي بالردود التقليدية على إطلاق الصواريخ الحوثية، بل اتجهت إلى “سياسة ممنهجة لضرب البنى التحتية، وتنفيذ اغتيالات مركزة ضد الحوثيين”.
وأشار الوزير في مقابلة مع إذاعة “كول باراما” المحلية، إلى أن هذه السياسة تُنفذ بالتوازي مع بناء شراكات مع دول (لم يسمها) تراهم (الحوثيين) أعداءً”، دون إيضاحات.
ويضع التحول الاستراتيجي الإسرائيلي الحوثيين أمام سيناريو جديد ومعقد، يستهدف قياداتهم البارزة بشكل مباشر، وهو نهج ليس بجديد على إسرائيل، إذ سبق وطبقته بنجاح ضد حزب الله في لبنان وحركة حماس، عبر اغتيال قادة عسكريين وسياسيين بارزين، مثل الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله.
وتهدف إسرائيل – بحسب الصحيفة – إلى تقويض قدرات الجماعة وشلّ هيكلها القيادي، لتوصيل رسالة واضحة بأن المعركة لم تعد مجرد كر وفر، بل هي حملة للقضاء على الجماعة عبر ضربات نوعية. وهذا التكتيك الجديد يجبر الحوثيين على التخفي، ويضعهم في موقف دفاعي لم يواجهوه من قبل.
الذهاب إلى طريق اللاعودة:
الأستاذ محمد عبد الله الموس أجاب عن سؤال لـ«سمانيوز» ضمن استطلاع صحفي أجرته الصحيفة كالآتي: ما الذي يحدث في صنعاء؟ هل اصطياد إسرائيلي لقيادات الحوثي أم تصفيات غير مباشرة داخل أجنحة الجماعة؟
قائلاً: شكراً لسؤالكم ولصحيفتكم.. اغتيال القيادات السياسية في أي صراعات يعني الذهاب إلى طريق اللاعودة في الأعراف وفي العلاقات بين أي أطراف متصارعة. وكما يقولون في الأعراف القبلية فإن المقاتلين يتجنبون قتل الزعماء لأنهم من سيضعون حداً للحرب في آخر المطاف، وكذلك الحال في الصراعات السياسية.
وأردف قائلاً: اغتيال القيادات يمثل تطوراً خطيراً في مجريات التقاذف الصاروخي بين الحوثي وإسرائيل، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى فلتان في الصراع. ومع ذلك، فإن القيادات التي استهدفت أو ستستهدف تتحمل المسؤولية، لأنها تضع أرواح الأبرياء وممتلكاتهم في مرمى تقاذف لا تحكمه أخلاقيات الحرب.
وفي مزيج دراماتيكي متباين، قال الأستاذ الموس: المحزن والمضحك في آن واحد هو أن إيران توعدت بالانتقام لمقتل رئيس وزراء الجماعة المرحوم أحمد غالب الرهوي.
موضحاً – في ختام حديثه – أن الأمر الأكثر إيلاماً هو أن كل الضحايا الذين قضوا في التقاذف الصاروخي مع إسرائيل وغيرها، والدمار الذي لحق بالأملاك العامة والخاصة في اليمن، سيتحول في آخر المطاف إلى مجرد (ورقة تفاوضية بتصرف إيران) لا أكثر.
صنعاء وكر الأفاعي:
الشيخ سالم منصور دافق الجرادي، أحد مؤسسي الحراك السلمي الجنوبي، قال: صنعاء وكر الأفاعي، نهج ساساتها هو الغدر والخيانة والانحياز إلى جانب القوي، بغض النظر عن نهجه السياسي والديني، إلى جانب البيعات مدفوعة الأجر المسبق..
وتابع قائلاً: أتوقع أن يتم اختراق أجهزة الحوثي المختلفة عبر المال، بالدولار والريال السعودي. من أجل المال يتخلون عن المبادئ والقيم (أقصد الساسة والطبقات الحاكمة). ولا أستبعد أن يكون سبب المجزرة الأخيرة – التي راح ضحيتها رئيس الوزراء الرهوي وعدد من الوزراء – خيانة وبيعة من داخل الجماعة.
واستطرد الجرادي قائلاً: المشروع الحوثي فاشل، والسبب لأنه انسلخ عن الجسد العربي وانضم شكلياً إلى الجسد الفارسي، فيما جوهر اليمن، المتمثل في الشعب اليمني، لايزال عربياً يرفض النهج الحوثي. فأصبح الحوثي كياناً مذهبياً سلالياً منبوذاً عربياً وإسلامياً ويمنياً، لايقبل بالطرف الآخر ولا بالراي والرأي الآخر. مجرد أداة وورقة مقايضة بيد إيران تستخدمها لصالحها عند الضرورة.
وختم الشيخ دافق قائلاً: في ظل استمرار سياساته الغبية المدمرة للدولة وللشعب، أتوقع أن يواجه الحوثي ثورة داخلية قريباً، تقتلعه من جذوره إلى غير رجعة.
الزنابيل مجرد قرابين وتظل القناديل بأماكن محصنة:
الدكتور أبو نعمان، من اليمن الشقيق، فضل عدم ذكر اسمه، قال: العنصرية وصناعة التمييز الطبقي أوجدا هوة كبيرة بين القيادة والشعب، وبين قيادات الصفوف الأولى نفسها، فالصلاحيات والامتيازات – بغض النظر عن المنصب – تقتصر على طبقة محددة بعينها، فنائب الوزير المنتمي إلى جماعة آل البيت (القناديل) يتمتع بصلاحيات أكبر من الوزير الزنبيل، ويظل الوزير مجرد ديكور يشغل حيزاً من الفراغ وقرباناً يتم التضحية به في وقت الحاجة. وهذا بدوره أدى إلى خلق نوع من الكراهية والحقد تجاه الجماعة، التي تمثل 5% فقط من تعداد سكان اليمن.
وتابع الدكتور أبو نعمان قائلاً: تحظى السلالة الحوثية بدرجات مقدسة وحصانة وحماية خاصة، فيما يظل الآخرون (الزنابيل)، مهما بلغت مناصبهم، قرابين يفتدون بأرواحهم وبكل ما يملكون آل البيت الحوثيين (القناديل).
واستهجن أبو نعمان قائلاً: المشكلة أن الزنابيل ارتضوا لأنفسهم الذل وبأن يكونوا زنابيلاً عبيدًا (للسيد) ورهن إشارت. تركيبة عقائدية مذهبية، وأفكار سخيفة لا يزال يعتنقها أولئك المحسوبون على البشرية في القرن الواحد والعشرين.
وختم الدكتور أبو نعمان حديثه قائلاً: الذي يحدث في صنعاء وبجميع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، أن الشعب اليمني أدرك خطورة هذه الجماعة السلالية، المستعدة للمجازفة بالشعب وبالدولة اليمنية لأجل تحقيق شهرة إعلامية ومكاسب وهمية، فقاعات صوتية لرفع مقام السيد الحوثي وآل بيته، وتمكين مداميك سلطة الأمر الواقع التي يفرضها بالحديد والنار ولو على انقاض البلد. وأعتقد أن الوقت قد حان لاجتثاثه.