أسوشييتد برس” توثّق تخبّط “منظمة الصحة” في تحليلها لكورونا

سمانيوز / جنيف – متابعات
أفادت وكالة “أسوشييتد برس” بأن “منظمة الصحة العالمية” تخضع لضغوط شديدة لإصلاح نفسها، وتأمل بأن يلغي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قرار سلفه دونالد ترمب، الانسحاب من الهيئة التابعة للأمم المتحدة، احتجاجاً على أسلوب تعاملها مع فيروس “كورونا” المستجد.
وأضافت الوكالة أن المنظمة، التي تعقد اجتماعها السنوي في جنيف الأسبوع الحالي، تعرّضت لانتقادات “عنيفة”، لامتناعها عن أداء دور أكثر قوة وصراحة في التعامل مع الجائحة.
وأشارت إلى أن تسجيلات حصلت عليها تفيد بأن علماء بارزين وصفوا، خلال اجتماعات داخلية خاصة، في الأيام الأولى للفيروس، مقاربات دولٍ بأنها “مختبر مؤسف لدرس الفيروس” وفرصة “مروّعة” لمعرفة التدابير الناجحة، واستدركت أن المنظمة أشادت، علناً، بالحكومات لتعاملها مع الجائحة.
وتعهد بايدن إلغاء قرار اتخذه ترمب في يونيو الماضي، بوقف تمويل المنظمة وانسحاب الولايات المتحدة منها.
معضلات رئيسية
ولفتت وكالة “أسوشييتد برس” إلى أن إحدى “المعضلات المركزية” التي تواجهها المنظمة تتمثل في افتقارها إلى سلطات تنفيذية، أو سلطة للتحقيق بشكل مستقل داخل الدول الأعضاء. وبدلاً من ذلك، تعتمد على محادثات تجريها وراء الكواليس، وتعاون الدول الأعضاء.
وأضافت أن منتقدين يتحدثون عن “ثمن باهظ” لتجنّب المنظمة مواجهة تلك الدول، وتابعت أن عشرات من التسجيلات المسرّبة لاجتماعات داخلية، ووثائق للمنظمة، من يناير إلى أبريل الماضيَين، تفيد بأن المنظمة تجنّبت التعامل بحزم مع دولٍ مثل اليابان وفرنسا وبريطانيا،بالرغم من ارتكابهم أخطاء متكررة.
ونقلت أسوشييتد برس عن صوفي هارمان، وهي أستاذة في السياسة الدولية في جامعة كوين ماري في لندن، قولها: “نحتاج إلى أن تكون المنظمة جريئة وأن تستخدم قوتها السياسية لتسمية (المقصّرين) وفضحهم، لأن العواقب وخيمة جداً”.
“تداعيات لموقف عدائي”
لكن آخرين نبّهوا إلى أن كون المنظمة صريحة جداً سيفتقر إلى الحكمة سياسياً، إن لم تمنحها الدول الأعضاء مزيداً من القوة والقدرة على انتقاد بلدان، وهذا خيار اقترحته ألمانيا وفرنسا أخيراً. وقالت سويري مون، المديرة المشاركة لـ “مركز الصحة العالمية” في “معهد الدراسات العليا” في جنيف: “إذا اتخذ تيدروس موقفاً عدائياً جداً إزاء الدول الأعضاء، فستكون هناك تداعيات”.
ونقلت “أسوشييتد برس” عن الناطقة باسم “منظمة الصحة العالمية” فرح دخل الله قولها إن “مسؤولي المنظمة أجروا، ولا يزالون، مناقشات صريحة ومفتوحة مع نظرائهم الحكوميين” منذ بداية تفشي “كورونا”، مضيفة: “نحن فخورون بثقافة تنظيمية تعزّز نقاشاً صريحاً بهدف التوصّل إلى حلول تنقذ حياة البشر”.
وذكرت الوكالة أن رئيس قسم الطوارئ الدكتور مايكل راين عرض نهج المنظمة، وقال رداً على سؤال وجّهه إعلامي، في 11 مارس الماضي، بشأن استعداد المنظمة لإعلان أسماء الدول المقصّرة: “الجواب على هذا السؤال هو أنك تعرف مَن أنت. المنظمة لا تتفاعل في النقاش العام ولا تنتقد الدول الأعضاء علناً. ما نحاول فعله هو العمل بشكل بنّاء مع الدول الأعضاء”.
لكن المنظمة هددت بإغلاق مكتبها في الصين، عندما أخفت حالات إصابة بفيروس “سارس”، وحضّت نيجيريا علناً على التراجع عن مقاطعتها للقاح شلل الأطفال، في عام 2003، كما اتهمت تنزانيا العام الماضي بالامتناع عن مشاركة معلومات كافية بشأن وباء “إيبولا”.
“منظمة الصحة” والصين
وأشارت “أسوشييتد برس” إلى أن تحفّظ المنظمة في التعامل بحزم مع الدول الأعضاء، بدأ مع الصين. وأضافت أن المعلومات بشأن تفشي “كورونا” كانت لا تزال ضئيلة خلال فبراير الماضي، على رغم اجتماع في يناير بين تيدروس والرئيس الصيني شي جينبينغ. ونقلت عن ماريا فان كيركوف، المسؤولة الفنية في المنظمة بشأن الفيروس، قولها إن المنظمة تفتقر إلى “تفاصيل كافية لتوضيح ما نجح وما لم ينجح” في التعامل مع الجائحة. لكن تيدروس قال بعد ذلك بوقت وجيز: “تنفذ الصين أشياء كثيرة جيدة تبطئ الفيروس، والحقائق تتحدث عن نفسها”.
وفي 1 فبراير، ثبتت إصابة راكب بفيروس “كورونا”، بعدما نزل من السفينة السياحية “دايموند برنسيس” في هونغ كونغ. وفي المحطة التالية للسفينة في مدينة يوكوهاما اليابانية، اكتُشفت 10 حالات أخرى، وفرضت السلطات حجراً على جميع الركاب (3711 شخصاً).
وقال راين لصحافيين آنذاك: “يجب أن نحرص على ألا نبالغ في ردّ الفعل”. ولكن في 10 فبراير، تضاعف عدد الإصابات، وقال راين في اجتماع داخلي: “(هذا) ليس مفاجئاً، نظراً إلى طابع استجابة التحقيق”. وأشار إلى تخصيص عدد ضئيل من علماء الأوبئة، للتعامل مع تفشي “كورونا”، وزاد: “إذا تضاعف عدد الحالات في سفينة خلال يوم، فثمة أمر ليس صائباً”.
وذكرت “أسوشييتد برس” أن الدكتور توماس غرين، رئيس فريق إدارة الأحداث الخطرة في “منظمة الصحة العالمية”، أبلغ زملاءه أن المنظمة ناقشت تفشي الجائحة مع نظرائهم اليابانيين، مستدركاً أنها فشلت في جمع معلومات كثيرة مفيدة. وحذر من “مسألة حساسة جداً، وعلينا أن نتعامل معها بحذر”.
“فرصة مفيدة” لدرس “كورونا”
وتابعت الوكالة أن العلماء قالوا إن تفشي “كورونا” يمكن أن يساهم في فهم أنماط انتقال الفيروس، على رغم أن المنظمة كانت تدرك تماماً أن الوضع يتدهور. وقال راين: “(إنه أمر) مؤسف، لكنها فرصة مفيدة لدرس التاريخ الطبيعي للفيروس”.
وبعد أيام، صعد الدكتور الياباني كينتارو إيواتا، المتخصص في تفشي الفيروسات، إلى سفينة “دايموند برنسيس” ووصف التعامل مع الوضع بأنه “فوضوي تماماً”. وبعد فترة وجيزة، أعلنت المنظمة أن السفينة تشهد أكثر من نصف حالات “كورونا” المعروفة في العالم، خارج الصين.
ونقلت “أسوشييتد برس” عن لورانس غوستين، وهو مدير مركز متعاون مع “منظمة الصحة العالمية” بشأن “قانون الصحة العامة وحقوق الإنسان” في جامعة جورجتاون، قوله: “كان واضحاً جداً على السفينة السياحية أن الأمور تسير بشكل سيء جداً، وكان على المنظمة أن تعلن شيئاً ما. عندما تفعل دول أمراً خاطئاً تماماً، على المنظمة أن تعلن ذلك”.
وفي وقت لم تحدّد المنظمة المسؤوليات في هذا الصدد، قال تيدروس في 26 فبراير: “أحد أضخم التحديات التي نواجهها هو أن بلداناً كثيرة متضررة لا تزال لا تشارك المنظمة بياناتها”.
وخلال فبراير ومارس، تفشى “كورونا” في كوريا الجنوبية وسنغافورة وإيران وأماكن أخرى، وانتشر في إيطاليا، محوّلاً أوروبا إلى بؤرة للفيروس.
“فشل مذهل”
وأعرب مسؤولون في المنظمة، خلال اجتماعات داخلية، عن قلق بشأن نقص في المعلومات من دول أعضاء في أوروبا. وقال غرين إن جهود المنظمة لنيل مزيد من التفاصيل بشأن تفشي الفيروس “فشلت بشكل مذهل”، وفق “أسوشييتد برس”.
ومع ذلك كتب تيدروس على “تويتر”، في 8 مارس، أن “الحكومة والشعب في إيطاليا يتخذان خطوات جريئة وشجاعة، تستهدف إبطاء انتشار فيروس كورونا وحماية بلدهما والعالم”. وبعد 3 أيام، قال تيدروس إن الفيروس بات وباءً، مبرّراً إعلانه جزئياً بـ”مستويات مقلقة من تقاعس” دولٍ لم يسمّها.
واعتبر غوستين أن على “منظمة الصحة العالمية” أن تكون ملزمة بالإبلاغ علناً، عندما لا تشارك دول بيانات كافية. وأضاف: “إذا لم تقدّم دولة معلومات وبائية أو بيولوجية حيوية، تعجز المنظمة والعالم أثناء تفشي فيروس، ويجب ألا يكون الأمر كذلك”.
وأفادت “أسوشييتد برس” بأن المنظمة شكت -سراً- من تخزين دول غربية إمدادات، شحيحة أصلاً، للتعامل مع الجائحة. ونقلت عن راين قوله لزملائه: “عانينا بالأمس من وضع رهيب مع (معدات الحماية الشخصية)، بعد مصادرة كل الإمدادات في فرنسا، وفقدنا الوصول” إليها. وأضاف أن على المنظمة الضغط على دول وشركات، لتجنّب أوضاع مشابهة.
“حصانة القطيع”
ومع إقدام دول في كل أنحاء أوروبا، في مطلع مارس، على فرض تدابير التباعد الاجتماعي وإلغاء تجمّعات شعبية، لاحظ راين أن بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي لم تفعل ذلك. وقال: “لا يوجد حدث رياضي واحد في أوروبا، ومع ذلك فإن كل مباريات الدوري الإنجليزي (لكرة القدم) ستجري كالمعتاد”. ووصف استراتيجية بريطانيا لمكافحة “كورونا” بأنها “إشكالية”، بعد إعلان أبرز المسؤولين العلميين في المملكة المتحدة أنها تستهدف “حصانة القطيع”.
وأضاف راين: “لكي يحدث ذلك، سيُصاب مئات الآلاف والملايين من المسنّين بالعدوى، وستحدث وفيات كثيرة”. واستدرك أن الأساليب المختلفة لمكافحة “كورونا” في العالم يمكن أن تشكّل “دراسة بيئية ضخمة”، تمكّن “منظمة الصحة العالمية” من توثيق أفضل الوسائل في هذا الصدد. وتابع: “إنه أمر مروّع من بعض النواحي، لكنه واقع”.
وأعربت صوفي هارمان عن تفهّمها لمسؤولية ضخمة تحمّلتها “منظمة الصحة العالمية”، في الأشهر الأولى لتفشي الفيروس. واستدركت أن تحديات أكبر تلوح في الأفق، وزادت: “هذه ليست تجربة للمنظمة لتتعلّم دروساً للمستقبل، إذ أن الرهانات ضخمة جداً في هذا الصدد. مع الموجة التالية للوباء، أعتقد بأن وقت الدبلوماسية الهادئة قد ولّى”.