الجنوب العربيالسلايدر الرئيسيتقارير

من فرار الشرعية إلى مسؤولية الانتقالي: قراءة في مشهد جنوبي تتوارى فيه السلطة وتبقى المواجهة

سمانيوز/رصد وتحرير: هشام صويلح

في الوقت الذي تتوالى فيه الأزمات الاقتصادية والخدمية على محافظات الجنوب، تتجه أصابع اللوم غالبًا إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، بصفته الطرف الوحيد المتواجد على الأرض. غير أن هذا التوجه الإعلامي والسياسي، في ظاهره تحميل للمسؤولية، لكنه في حقيقته تجاهلٌ متعمد لحجم الفراغ الذي خلّفه شركاء الشرعية الهاربون خارج البلاد.

إن التحديات المتراكمة لم تأتِ من فراغ، بل من مشهد سياسي مشوّه فرضته سنوات من الشراكة الشكلية داخل “الشرعية” التي تقاسمت الأطراف فيها المناصب، لكنها لم تتقاسم الواجبات. فمنذ توقيع اتفاق الرياض، غادر معظم مسؤولي الحكومة إلى الخارج، تاركين الجنوب يواجه مصيره في ظل انهيار اقتصادي وأمني مستمر.

الصحفي والناشط السياسي خالد الكثيري يرى أن الانتقالي بات وحده في الواجهة، لا لأنه الطرف الأقوى فقط، بل لأنه الطرف الذي لم يغادر. ويضيف أن غياب شركاء الشرعية عن المشهد الداخلي هو أكثر مظاهر التنصل فداحة، لأنهم لم يكتفوا بالتخلي عن مسؤولياتهم، بل استخدموا أدواتهم الإعلامية لتأليب الرأي العام ضد “الانتقالي”، وكأنه هو الحاكم الوحيد للبلاد.

في هذا السياق، يتجلى نمط مزدوج من التواطؤ: تقاعس عن الأداء ومزايدة على من يحاول حمل العبء. إذ يوضح الكثيري أن بعض القوى المشاركة في الحكومة تعمدت إفشال الإجراءات البنكية التي كان “الانتقالي” قد سعى لإقرارها لمعالجة الاختلالات، وبدلاً من دعمها، تحركت لإلغائها، في سلوك لا ينم إلا عن رغبة في تعطيل كل محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ويعيدنا الكثيري إلى الصورة الأبلغ لهذا الواقع، حين يستشهد برسالة من أحد المقاتلين في جبهة الحد – يافع، يقول فيها: “هذا فراشي مبلل بالدم، من أجل أن تنام أنت في فراشك”. صورة تلخص حجم المفارقة بين من يضحّي على الجبهات ضد مليشيات الحوثي، ومن يحرّض من فنادق الخارج.

وعلى المستوى السياسي، يشير الكثيري إلى أن الانتقالي هو الجهة الوحيدة من بين شركاء الشرعية التي دعت وزراءها للعودة إلى عدن ومباشرة العمل، وهو ما لم تقم به الأطراف الأخرى، بل ظلّت تراهن على الغياب وتدوير الأزمة لصالحها.

من زاوية العرض التاريخي، يرى الكثيري إن المجلس الانتقالي الجنوبي، ومنذ نشأته، لم يتنصل يومًا من مسؤولياته الوطنية رغم ضراوة التحديات. فقد خاض معارك التحرير ضد الحوثيين، واجه الإرهاب في المحافظات الجنوبية، وتحمّل تبعات الانهيار الاقتصادي، وهو ما جعله أمام معادلة صعبة: مواجهة الداخل والخارج معًا.

ختامًا، ما يفرضه الواقع اليوم، بحسب الكثيري، هو ضرورة إعادة النظر في أدوات النقد السياسي. فالمحاسبة لا تكون على أساس من بقي في الداخل فقط، بل على أساس من أدى ومن تقاعس. وبينما يتلقى “الانتقالي” اللوم كاملاً، فإن السؤال الأهم: أين شركاء السلطة؟ وأين هم من واقع الجبهات، ومن معاناة الناس، ومن وجع الجنوب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى