هل تنجح الحكومة ومركزي عدن في إعادة الإعتبار لجيب المواطن الجنوبي ورفع الإضرابات وتطبيع الأوضاع بشكل عام ومستدام؟

سمانيوز / تقرير
عقب السنوات العشر العجاف الماضية، برزت بأواخر يوليو – مطلع أغسطس 2025م، ملامح الغوث والانفراجة باستعادة الريال اليمني عافيته، وتثبيت قيمته عند 428 ريالاً مقابل الريال السعودي الواحد، وتخفيض أسعار المواد الغذائية والمحروقات.
ويوماً بعد يوم يرتفع منسوب التفاؤل والاستبشار لدى المواطن الجنوبي بقدوم المزيد من الإصلاحات.
تحسن ملحوظ انعكس إيجاباً على مجمل سبل الحياة وتنفس الجميع الصعداء.
وتوقع اقتصاديون المزيد من التحسن في قيمة الريال اليمني ووصوله إلى 150 ريالاً مقابل الريال السعودي الواحد، خلال الشهور القليلة القادمة، يرافق ذلك استتباب الأوضاع، ورفع الإضرابات، وتوقف مظاهر الاحتجاجات والاحتقان الشعبي، وعودة فتح المدارس وتطبيع الحياة بعموم محافظات الجنوب.
الخبير الاقتصادي والصحفي البارز ماجد الداعري، قال في منشور على حسابه الرسمي بموقع فيس بوك، إن البنك المركزي اليمني بالعاصمة عدن تمكن خلال الأيام الماضية من تجميع حوالي مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، مستفيدًا من التحسن اللافت في قيمة الريال اليمني مؤخرًا، وتمكينه للبنوك من شراء العملات من الصرافين “الأذكياء” الذين سارعوا لبيع مخزونهم من العملات الصعبة بهامش ربح معقول.
وأكد أن هذه الخطوة جاءت ضمن خطة مدروسة للبنك المركزي، تهدف إلى إعادة بناء الاحتياطي النقدي، واستثمار تعافي العملة الوطنية في تدعيم قدراته النقدية والرقابية.
وكشف الداعري أن البنك المركزي أصدر تعميمًا رسميًا يمنع أي عمليات مصارفة أو بيع للعملات الأجنبية، إلا في حالات محددة كالعلاج أو الدراسة في الخارج، وبسقف لا يتجاوز خمسة آلاف دولار للفرد، ووفق ضوابط صارمة.
وأوضح أن هذا القرار يقطع الطريق أمام تهريب العملة الصعبة إلى الخارج، خصوصًا إلى مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، التي اعتادت على الاستفادة من تحويلات غير مشروعة لتمويل أنشطتها.
وأشار الداعري إلى أن المليشيا الحوثية “عادت من تلقاء نفسها” إلى طاولة البحث عن حلول اقتصادية، بعد ما وصفه بـالزلزال المالي الذي أحدثه تحرك البنك المركزي بعدن، وضغوط التحالف العربي بقيادة السعودية، والأمم المتحدة.
وأكد أن الحوثيين بدأوا بممارسة ضغوط على المجتمع الدولي لإعادة إحياء ملف توحيد السياسة النقدية، وتوحيد سعر صرف العملة بين مناطق اليمن، وهو أمر غير مسبوق منذ انقلابهم على الدولة.
وفي تطور لافت، كشف الداعري أن وفدًا اقتصاديًا تابعًا للمبعوث الأممي إلى اليمن، سيزور عدن قريبًا للقاء بمحافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة، من أجل مناقشة خارطة طريق اقتصادية جديدة، قد تُفضي إلى توحيد سعر صرف الريال اليمني بين صنعاء وعدن، وقبول التداول الرسمي بالعملة الجديدة في مناطق الحوثيين، وإنهاء الانقسام النقدي للمرة الأولى منذ 2016.
واختتم الداعري منشوره بتأكيده أن هذه التطورات غير المسبوقة قد تُحدث نقلة نوعية في مستقبل الاقتصاد اليمني، وتفتح باب الأمل أمام ملايين اليمنيين المنهكين من حرب العملة والغلاء والانقسام المالي.
حظر استخدام العملات الأجنبية بديلاً عن العملة الوطنية:
مجلس الوزراء من جهته أصدر القرار رقم (13) لعام 2025، القاضي بحظر استخدام العملات الأجنبية، بديلاً عن العملة الوطنية في المعاملات التجارية والخدمية والتعاقدات المالية داخل الجمهورية اليمنية.
ونص القرار على أن يكون التعامل بالعملة الوطنية (الريال اليمني) إلزاميًا في جميع المعاملات التجارية، بما في ذلك بيع وشراء السلع والخدمات والتعاقدات المالية، في كافة المحافظات والمناطق المحررة.
كما حظر القرار استخدام العملات الأجنبية في أي معاملات لا تستدعي الدفع بها، مثل الرسوم الدراسية والعلاجية، والإيجارات، وتذاكر السفر، وغيرها من الخدمات.
وألزم القرار وزارات الصناعة والتجارة، والعدل، والداخلية، ومحافظي المحافظات المحررة، باتخاذ الإجراءات الرقابية اللازمة ومتابعة تنفيذ القرار، وضبط المخالفين وإحالتهم إلى الجهات المختصة وفقًا للقانون، مع رفع تقارير دورية إلى رئيس مجلس الوزراء حول مستوى التنفيذ.
كما أصدر البنك المركزي بالعاصمة عدن يوم 9 أغسطس 2025م، تعميماً رسمياً يقضي بمنع صرف أي رواتب أو مستحقات مالية بالعملة الأجنبية، بما في ذلك رواتب البعثات والمنظمات.
وأكد البنك في تعميمه أن التعامل بالعملات الأجنبية يقتصر على عمليات البيع المخصصة للاستيراد فقط، في إطار الإجراءات الهادفة إلى تنظيم سوق الصرف وتعزيز دور العملة المحلية في التعاملات المالية.
ويأتي هذا القرار ضمن حزمة من السياسات التي ينفذها البنك المركزي للحد من المضاربات بالعملة الأجنبية، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني.
استقبال طلبات المصارفة والتحويل:
وكان محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي، قد أشار إلى أن عملية استقبال طلبات المصارفة، والتحويل من الشركات ورجال الأعمال عبر البنوك وشركات الصرافة، قد بدأت فعلياً بتاريخ 10 أغسطس 2025م، وذلك بعد أن تم استكمال ترتيبات لجنة تنظيم وتمويل الواردات لآلية عملها، وتحديد السلع المحصور استيرادها عبر البنوك.. مشيراً إلى أن الآلية تعزز الشفافية وضمان انسيابية حركة الاستيراد، وتوفير العملة الأجنبية وفق ضوابط واضحة تضمن الاستقرار المالي، والحد من المضاربات.
الإجراءات الآلية تبدأ بتقديم التاجر المستورد طلباً إلى البنك أو شركة الصرافة، بشأن الموافقة على المصارفة وتحويل قيمة بضاعة يتم استيرادها من الخارج، مع إرفاق الوثائق المطلوبة، والبنوك وشركات الصرافة التي تستقبل طلبات التجار تتحمل مسؤولية صحة ودقة بيانات الاستيراد قبل رفعها إلى اللجنة بموجب نموذج معين خلال أيام العمل الرسمية.
في سياق متصل، كان ضمن الإصلاحات التي اتخذها مركزي عدن لاستعادة الريال اليمني عافيته، اتخاذه جملة قرارات بإيقاف عدد كبير من مكاتب ومؤسسات الصرافة الخاصة، وتكثيف الرقابة على السوق السوداء.
رد الاعتبار لجيوب المواطنين:
الأستاذ سالم صالح بن بريك، رئيس مجلس الوزراء – وزير المالية، خط منشوراً إعلامياً، قال فيه: تحسّن سعر الصرف ليس خبراً اقتصادياً فقط، بل فرصة لرد الاعتبار لجيوب المواطنين.
ناقشت مع وزير الزراعة والثروة السمكية آليات ضبط أسعار الأسماك والخضروات واللحوم والدواجن والبيض، وهي سلع مهمة في كل بيت يمني، ولن نقبل أن تظل أسعارها خارج السيطرة.
الأمن الغذائي أولوية، والمضاربة والاحتكار خصمان سنواجههما بكل الوسائل القانونية.
ليس مقبولاً أن يكون سعر مزاد الجملة في مواقع الإنزال منخفضاً، وسعر التجزئة في المدن والقرى مضاعفاً.
وجهت بضبط الفارق بين الجملة والتجزئة، حتى تصل المنتجات للمستهلك بسعرها العادل.
وختم قائلاً: المرحلة تتطلب مسؤولية جماعية: حكومة، سلطات محلية، تجار، جمعيات، ومواطنين، من أجل أن يكون التحسن الاقتصادي واقعاً يعيشه المواطن في حياته اليومية.
تفكيك شبكات الفساد:
ناشطون جنوبيون أكدوا أثناء حديثهم لـ«سمانيوز» أن جملة الإصلاحات المتخذة إيجابية، وتسير في مساقها الصحيح، وضرورة أن تشمل أيضاً تفكيك شبكات الفساد الممسكة بمفاصل البنك المركزي والدوائر الحكومية، لضمان استقرار السياسة النقدية في الجنوب، وكذا تفعيل الرقابة المالية على المنافذ والموانئ، وإعادة تشغيل صادرات النفط والغاز تحت إدارة وطنية مستقلة نزيهة، وتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وإطلاق مشروع ربط الكتروني شامل بين الموانئ والمنافذ المالية، لإحكام السيطرة على الإيرادات العامة وتوريدها بانتظام الى مركزي عدن، وضرورة أن تكون السياسة النقدية مستقلة عن النزاع السياسي والعسكري.
ختاماً..
هل تنجح الحكومة ومركزي عدن في إعادة الإعتبار لجيب المواطن الجنوبي، وتخفيف احتقان الشارع ووقف الاحتجاجات الغاضبة، وتخفيض أسعار الغذاء والمحروقات، وتحسن الكهرباء، وصرف مستحقات الموظفين المالية المستحقة شهرياً بانتظام ورفع الإضرابات، وعودة الطلاب إلى المدارس، وتطبيع الأوضاع بشكل عام ومستدام؟
الأيام أو الشهور القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.