ترامب: “كأس العالم 2026 ليست للجميع”

سمانيوز/وكالات
قرارات السفر الأمريكية قبل مونديال 2026 لا تبعد المشجعين عن المدرجات فقط.. بل تحول الحلم العالمي إلى امتياز لا يملكه الجميع
لم يكن حلم كأس العالم في أي وقت سابق مجرد مباراة تلعب، أو كأس ترفع، أو نجم يلمع تحت الأضواء.
الحلم الحقيقي ظل دائما هناك، في المدرجات، في الجماهير التي تسافر خلف منتخباتها، في الأصوات التي تتجاوز الحدود، وفي الشعور الجمعي بأن البطولة وجدت ليكون العالم كله حاضرا فيها بلا استثناء.
لكن مع اقتراب كأس العالم 2026، يبدو أن هذا المعنى يتعرض لاختبار صعب، اختبار لا يتعلق بالكرة داخل الملعب فقط، بل بالطريق إلى المدرجات نفسها.
قرارات أمريكية مقيدة
خلال عام 2025، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من القيود على السفر إلى الولايات المتحدة، تصفها واشنطن بأنها تهدف إلى تعزيز الأمن القومي وتقليل معدلات تجاوز التأشيرة، لكنها ستؤثر بشكل مباشر في وصول الجماهير إلى البطولة التي تستضيفها الولايات المتحدة بجانب كندا والمكسيك.
في يونيو / حزيران 2025، فرضت واشنطن حظرا صارمًا على دخول مواطني عدة دول، منها هايتي وإيران وليبيا واليمن، بينما طبقت قيودا جزئية على آخرين مثل أبناء السنغال وكوت ديفوار، ما يعني أن الجماهير من هذه الدول قد لا تستطيع الحصول على التأشيرات السياحية اللازمة لحضور المباريات في الولايات المتحدة.
القيود الأمريكية توسعت لاحقًا في ديسمبر / كانون الأول 2025 لتشمل نحو 39 دولة، ما أثار مخاوف واسعة لدى القادة والمنظمات والمدافعين عن حقوق السفر والسياحة.
الولايات المتحدة حاولت موازنة هذا المنع الجزئي بإطلاق نظام “FIFA PASS” الذي يمنح حاملي تذاكر كأس العالم أولوية في مواعيد طلب التأشيرة، لكن الكثير من الخبراء يعتبرونه حلا غير كاف.
منتخبات حاضرة وشعوب تشاهد من بعيد
منتخبات مثل هايتي والسنغال وكوت ديفوار تمثل شعوبا تعيش كرة القدم كجزء من يومها، كمتنفس من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، لكن الواقع أيضا يفرض معادلة قاسية، فحتى مع تأهل هذه الفرق، فإن الطريق إلى كأس العالم محفوف بتكاليف وإجراءات تجعل الحلم بعيدا عن متناول اليد.
في هايتي، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور نحو 147 دولارا شهريًا، تصبح تذكرة مباراة واحدة، قد يتجاوز سعرها 180 دولارا، عبئا ثقيلًا.
وإذا أضيفت تذكرة الطيران التي قد تصل إلى 650 دولارا، وليلة فندق لا تقل عن 120 دولارا، فإن حضور مباراة واحدة يتحول إلى قرار مالي يعادل عدة أشهر من الدخل، إن كان السفر ممكنا من الأساس.
المفارقة المؤلمة أن الفريق قد يكون حاضرا، يرفع علم بلاده في أكبر محفل كروي، بينما يبقى شعبه بعيدا، يكتفي بالمشاهدة من شاشة التلفزيون.
السنغال وكوت ديفوار.. حين يتحول الشغف إلى عجز
ولا يختلف المشهد كثيرا في السنغال أو كوت ديفوار، حيث كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل لغة يومية وهوية شعبية ومساحة فرح نادرة.
ولكن مع القيود الأمريكية على دخول الزوار من هذه الدول، بات من المرجح أن آلاف الجماهير لن تتمكن من متابعة مباريات منتخباتها داخل الولايات المتحدة، حتى لو شاركت البلاد رسميا في البطولة.
فرحة ناقصة وتحذير صادق
المفارقة أن هذا الإحساس لا يقتصر على الدول ذات الدخل المحدود فقط، فحتى في أوروبا، حيث الموارد أوفر ورعاة السفر أقوى، بدأت الجماهير تشعر بأن كأس العالم 2026 يبتعد عنها خطوة إضافية، وأن الحلم صار أثقل مما ينبغي.
ففي إسكتلندا، وبعد 28 عامًا من الغياب، عاد المنتخب إلى كأس العالم بفوز دراماتيكي على الدنمارك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وكان يفترض أن تكون لحظة احتفال تاريخية، لكن الواقع فرض نفسه سريعا.
مدرب المنتخب، ستيف كلارك، خفض سقف التوقعات بصدق مؤلم، حين طالب جماهيره بعدم الاستدانة من أجل حضور البطولة، مؤكدا أن حتى الخيارات الأرخص باتت مكلفة بشكل غير مسبوق، في ظل الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف السفر.
فرحلة الطيران من إسكتلندا إلى الولايات المتحدة قد تتراوح بين 500 و1000 جنيه إسترليني، والإقامة لعدة ليال قد تتجاوز 3000 جنيه، وتذكرة المباراة الواحدة تبدأ من 134 جنيها وقد تصل إلى أكثر من 500 جنيه.
المجموع يمكن أن يصل إلى 5000 – 8000 جنيه إسترليني للشخص الواحد، أي ما يعادل دخل 3 أو 4 أشهر لمشجع عادي.
أين الفيفا؟ وعود عامة وإجابات غائبة
في المقابل، صدرت تصريحات من مسؤولي كرة القدم العالمية تؤكد أن الجماهير ستكون موضع ترحيب وأن عملية الدخول إلى البطولة ستكون سلسة، لكن هذه الوعود تظل معلقة في ظل القيود والإجراءات المعقدة حول التأشيرات التي قد تواجه ملايين المتقدمين من خارج الولايات المتحدة.
كأس العالم لم تعد للجميع؟
كأس العالم ليست مجرد حدث رياضي، بل تجربة إنسانية، قيمتها الحقيقية لا تقاس بالكاميرات أو الملاعب المكتظة فقط، بل أيضا بعدد اللهجات المختلفة في المدرجات، والأعلام التي ترفرف بها.
فإذا غاب هذا التنوع، فإن البطولة تفقد جزءا لا يتجزأ من قيمتها وروحها الأصيلة.
الحلم غير متاح
القلق الحقيقي لا يقتصر على نسخة 2026، بل يمتد إلى ما بعدها، فإذا اعتادت البطولات الكبرى أن تقام بجماهير ناقصة، فإن السؤال لن يكون عن التنظيم فحسب، بل عن جوهر اللعبة نفسها، وعن وعدها بأن تكون فعلا بطولة العالم للجميع.
قد تقام المباريات، وترفع الكؤوس، وتمتلئ الملاعب، لكن سيكون هناك فراغا لا يرى في الصور، اسمه غياب الجمهور الذي لم يستطع الوصول.
وفي كل مرة تنطلق فيها صافرة مباراة في 2026، سيكون هناك مشجع في دكار، أو أبيدجان، يتابع من بعيد، وهو يدرك أن الحلم كان قريبا، لكنه لم يكن متاحا.
المصدر / كووورة
