طب و صحة

لماذا تملك بعض أنواع فيروس كورونا قدرة أكبر على إحداث العدوى؟

سمانيوز /متابعات

على مدار العقود الماضية، تسببت فيروسات كورونا في عدد من الفاشيات المرضية حول العالم، لكن لم يكن أي منها مدمراً مثل جائحة “كوفيد-19”.
فما الذي جعل فيروس كورونا المستجد أكثر قابلية للعدوى والانتشار أكثر بكثير من فيروس “سارس كوفيد-1” الذي تسبب في اندلاع فاشية سارس عام 2003، وخلف أكثر من 700 حالة وفاة فقط، مقارنة بالجائحة الحالية التي تسببت في مقتل أكثر من 2.5 مليون شخص حول العالم.
وللإجابة على ذلك التساؤل، درس علماء من جامعة أركنساس أحد الأسباب التي من المحتمل أن تجعل ذلك الفيروس أكثر عدوى، وقدموا البحث، الخميس، للاجتماع السنوي الـ65 لجمعية الفيزياء الحيوية.
وقال الأستاذ المساعد بقسم الكيمياء الحيوية بجامعة أركنساس محمود مرادي، وهو المؤلف المشارك في تلك الدراسة، إن الفريق درس الكيفية التي تتحرك بها البروتينات الشائكة “Spike Proteins” في النوع المُسبب لتفشي سارس ومقارنتها بطريقة تحرك البروتين ذاته في الفيروس المُسبب لـ”كوفيد-19″. 
 
وأشار مرادي في تصريحات خاصة لـ”الشرق”: “حددنا أوجه التشابه والاختلاف بين كلا الحركتين باستخدام المحاكاة الجزيئية واسعة النطاق، وكشفت تلك المحاكاة عن سبب اختلاف قابلية انتقال الفيروسين اختلافاً كبيراً كما بررت أيضاً حدوث الطفرات اللاحقة في (كوفيد-19)”.
وتحدث العدوى على عدة خطوات، وتتمثل الخطوة الأولى في الإصابة بفيروس كورونا ونجاح الكائن في دخول خلايا المُضيف.
ويصطف على السطح الخارجي مجموعة من البروتينات من ضمنها البروتين (الشائك/ بروتين) السُنبلة بشكل غير نشط. وللنجاح في إحداث العدوي، يجب أن يتغير موضع البروتينات الشائكة الموجودة على السطح الخارجي للفيروس وتتحول للحالة النشطة، وتلتصق بخلايا المُضيف. 
في كلا الفيروسين تحدث نفس الآلية. يدخل الفيروس للخلايا وتتحول البروتينات من الحالة غير النشطة للحالة النشطة مُسببة العدوى، لكن كشف البحث عن تغيير رئيسي في مرحلة التحول هذه.
وعبر استخدام المحاكاة الجزيئية بهدف دراسة كيفية انتقال النتوءات وتغير موضعها من مكان إلى أخر، والديناميكيات التي تتحكم في تلك العملية اكتشف الباحثون أن الفيروسين لهما طرق مختلفة تماماً في عملية تغيير شكل وموضع البروتينات الشائكة.
ويتحرك الفيروس المستجد يتحرك بشكل “أنشط وأسرع” من الحالة غير النشطة للحالة النشطة، ما يؤهله للالتصاق بالخلايا البشرية والاستعداد للهجوم بسرعة كبيرة، فيستقر داخلها ويبدأ في العمل على الفور. وهو أمر لا يفعله الفيروس المُسبب لسارس.
وأضاف مرادي: “يعمل فيروس سارس في نطاق زمني مختلف تماماً. ينتظر قليلاً قبل الاستيلاء على الخلايا البشرية. ذلك الانتظار يكلفه الكثير ويمنعه من الاستقرار داخل الخلايا بالشكل الكامل، فيجند فيروس سارس نفسه للاستيلاء على الخلايا عوضاً عن تطوير آلية تجعله أكثر قابلية للانتقال وإحداث العدوى الخارجية”.
لكن، كيف صُنع ذلك الفارق على الرغم من أن الفيروسيين ينتميان إلى نفس العائلة؟، ويقول مرادي إن حل اللغز يكمن في نهاية ذيل بروتين السنبلة!.
ويقول الباحثون إن تلك المنطقة الواقعة على السطح الخارجي للفيروس تم تجاهلها إلى حد كبير في البحث العلمي على الرغم من كونها هامة للغاية في استقرار البروتين.
وتابعوا: “تتحرك تلك المنطقة بشكل نشط للغاية حال الدخول للخلايا الحية”، ولفت مرادي في تصريحاته لـ”الشرق”، إلى أن ذلك النشاط يجعل القدرة على الالتصاق بالخلايا “مهولة”، كما تجعله قادراً ليس فقط على أحداث العدوى، بل أيضاً على الانطلاق مرة أخرى للجهاز التنفسي العلوي والانتقال منه للخارج لإحداث تفشي أسرع.
وبناءً على هذه النتائج، يشارك جزء من بروتين السنبلة بشكل مباشر في التعرف على الخلية البشرية والارتباط بها والعديد من أجزاء البروتين الأخرى تشارك بشكل غير مباشر عن طريق إحداث تغيير في شكل البروتين الذي يجب أن يحدث قبل الارتباط. ولذلك، يقول مرادي في تصريحاته لـ”الشرق”: “يجب علينا دراسة البروتين ككل والنظر في الطفرات في جميع أجزاء هذا البروتين لمعرفة ما إذا كانت هذه الطفرات لها أي تأثير كبير على سلوك هذا البروتين”.
وترى الدراسة أيضاً أن الطفرات تحدث بشكل أساسي أيضاً في منطقة ذيل، نهاية بروتين السنبلة. وهذا يعنى الحاجة لمزيد من الدراسات على تلك المنطقة المهملة.
“بدأنا العمل على هذا المشروع في مارس 2020، ونعمل بشكل مستمر منذ ذلك الحين”، يقول مرادي مشيراً إلى أن تلك البيانات توفر “إطاراً جديداً لتطوير اللقاحات والعلاجات”.
وأضاف: “نقترح أن التغيير في شكل البروتين قبل أن يلتصق بالخلية البشرية أمر مهم ويمكن استهدافه لتطوير العلاج واللقاح”.
كما أشار مرادي إلى أهمية النظر في الديناميات الهيكلية للبروتين الشائك ككل ودراستها بدقة باستخدام تقنيات تجريبية وحسابية مختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى