عام

العاملات في الحقول بوادي حضرموت .. أعباء ومخاطر … وحقوق مهدورة

[su_label type=”info”]سمانيوز / حضرموت – خالد بلحاج[/su_label][su_spacer size=”10″]
  ” العاملات في الحقول فئة مجتمعية من النساء قادتهن الظروف المعيشية القاسية وضرورة توفير لقمة العيش إلى العمل في الحقول في ظل ظروف تصعب حتى على الرجال (عمل شاق، حر شديد، برد قارس وسب وشتم ومخاطر طرقات) إنهن تلك اللواتي يخرجن ملثمات ومرتديات من الملابس ما يقيهن غدر الطبيعة والبشر. إنهن تلك اللواتي يقفن متصافات في المكان المخصص لهن ، ذلك المسمى بالعامية “المحطة” ينتظرن من يأخذهن من واقع المأساة إلى مأساة الواقع. يا للعجب! ويا لقلوبهن الرحيمة! ما رفضت هؤلاء النسوة وما أبين إلا أن الظروف أجبرتهن على ذلك رغم الظلم فهن  مستمرات  في طلب العيش “الرغيد” ولقمة العيش “الهنيئة” ولم تسعين كغيرهن من النساء إلى مد اليد إلى حقوق العباد أو التسول بين الطرقات وفي الشوارع. قد يتساءل “عاقل”: وما العيب في ذلك إن كن يُعِلن أنفسهن وعائلاتهن ويُعِنّ أزواجهن على نوائب الزمان؟
 وهل هذا ما تستحقه المرأة المسلمة؟ لو أن العدل طبق في واقعها، هل سيكون ذلك حالها؟ وكيف ستتمكن هذه المرأة من القيام بدورها في البيت بعد العودة من عمل يوم شاق مضن يقصم الظهر ويميت الجسد والروح؟ أي وقت وجهد سيبقى لها كي تكون الزوجة الودود والأم الحنون والمؤمنة القانتة الداعية إلى ربها والذاكرة له في اطمئنان؟ أوليس لمثل هؤلاء النسوة حقوق وعليهن واجبات  ؟ وهل يدرك ارباب العمل ذلك؟  أين كل جمعيات حقوق الإنسان التي تقيم مؤتمراتها بالملايين بميزانيات خيالية وتحتفل بأيامها وترفع الشعارات وتندد؟ هل هؤلاء النسوة لسن ممن ينضوين تحت مهضومة الحقوق؟ فوادي حضرموت الزراعي يعج بالمئات بل بالآلاف من هؤلاء النسوة العصاميات بمختلف الأعمار  يسعين لكسب لقمة العيش يتحملن عبً الحياة مقابل حفنة من الريالات لاتتجاوز ال (700) ريال إضافة إلى حفنة من المحصول لاتساوي قطرة عرق أهدرت في الحقل ناهيك عن مخاطر العمل والطرقات التي  يغيب عنها التأمين الصحي والاجتماعي  لحياتهن , وبرغم ذلك فأنهن مصرات على ذلك العمل في الحقل على  مدار العام  تارة في جني ثمار البصل وتارة في جني ثمار الثوم وتارة في حصاد الذرة والبرسيم وتارة في حصاد القمح غير آبهات للظروف المناخية وعوامل الطقس فتراهن منذ الصباح الباكر يخرجن جماعات إلى محطات التجمع المحددة لهن والمنتشرة في مختلف قرى ومدن الوادي لتأتي بعد ذلك السيارات المخصصة لنقلهن للحقل ليعودن عند الظهيرة متعبات منهكات فبالكاد يؤدين واجباتهن المنزلية على أكمل وجه وبعدها يأخذن قسطاً من الراحة حتى يحين موعد الذهاب للعمل في الفترة المسائية وهكذا فانهن في حالة عمل دائمة ,   التحقيق التالي يبحث في دهاليز رحلة العناء الشاقة لأولئك المجندات ان صح التعبير ليستشف لنا معاناتهن عن قرب “”
                                                                          تحقيق / خالد بلحاج
  ” نساء يعملن في الحقول الزراعية دون الحصول على أبسط حقوقهن العمالية “
 
• مازالت الحاجة أم صادق (65 عاما) من بابكر بالقطن تعمل منذ مايقارب أربعين عام في الحقول الزراعية لسد رمق عائلتها ولو بقليل من المال.
تقول أم صادق المصنفة رئيسة للعاملات  وهي تزحف على الأرض ممسكة بمنجل تقص به ثمار القمح عن سيقانه  ” طالبنا بأن نحصل على زيادة أو تأمين لحياتنا فلم نحصل على شئ “.
وتضيف المرأة التي عملت منذ سنوات طويلة في حقول الزراعة، ” نحن نعمل بنظام اليوميات، بمعنى أن اليوم الذي نعمل فيه نتقاضى عليه أجرا واليوم الذي لا نعمل فيه لا نأخذ شيئا “, مضيفة بالقول ” نعمل مضطرات لكسب العيش على ان لانمد أيدينا لأحد او نتسول على الطرقات “
وتضع أم  صادق على رأسها  قبعة يدوية تقيها أشعة الشمس، مشيرة إلى أن المرأة العاملة في هذا المجال تبذل الكثير من الجهد لتحصل على أجر زهيد لا يكفي لسد حاجياتها.
وتضيف “نحن نعمل دون توقف منذ الصباح لساعات الظهيرة دون توقف، وفي حال جلسنا لتناول وجبة الفطور يجب علينا تعويض الوقت الذي جلسنا فيه (…) مازالت حقوقنا مهضومة، لا استراحات في العمل، ولا ضمان صحي أو اجتماعي، لقد وصلت إلى حافة القبر وأنا عاملة بالنظام اليومي”.
وإلى جانب أم صادق نسوة  يعملن في الحقل  يؤكدن على أن أصحاب العمل يرفضون زيادة أجرتهم، التي لا تتعدى 700 ريال  يوميا كحد أقصى، ويكتفون بما يعطى لهن من ثمار القمح بواقع ” مكيال ” ونصفه للذره وفي القبعة ثمار البصل أو الثوم وحزمة من قصب ألذره أو البرسيم , ويرفضون أيضا العمل معهم بنظام العقود من أجل ضمان حقوقهم.
• وتقول الأربعينية ام شفاء التي تعيل أسرتها ، “يتهرب أصحاب العمل من العقود خوفا من أن يجبروا على إعطائنا ضمان صحي أو اجتماعي، وكذلك هروبا من الحقوق التي تتوجب عليهم تجاه العمال مثل الأجازات والاستراحات وتحديد ساعات العمل”.
• وقاطعتها زميلتها أم محمد “طلبنا من أصحاب العمل زيادة على أجرتنا اليومية لكنهم رفضوا، وقالوا إن العاملات كثر سنجلبهن للعمل بدلا عنكن وبأجر أقل”.
وتضيف أم محمد، أن هذا الأمر “جعل الكثير من العاملات يرضخن للأمر الواقع ويقبلن العمل بأي شيء وبأي أجرة من أجل توفير لقمة عيش لأطفالهم”.
وما يثير امتعاض العاملات كثيرا عدم مراعاة مكان العمل لظروف واحتياجات المرأة خاصة، فهن يعملن في سهول زراعية مكشوفة تفتقر إلى الحمامات أو المياه الباردة.
وتطالب هؤلاء النسوة، بتوفير ظروف حياة أفضل لهن وخاصة بعد أن كبرن بالسن وأصبحن لا يقوين على إكمال هذا العمل الشاق على أجسادهن وصحتهن التي بدأت بالتراجع.
” من مقاعد الدراسة إلى الحقل “
• أما الشابة العشرينية أمل وعدد من رفيقاتها اللاتي يعملن بجوارها  فقد وصفن ذلك العمل بالشاق والمضني وبعد التقاطهن الانفاس وتناول كوباُ من الماء أضافن بالقول :” كل مانعانيه بسبب تركنا لمقاعد الدراسة في وقت مبكر ولم نجد أمامنا إلا هذا العمل لكي نحصل على مصاريفنا اليومية وادخار مايمكن ادخاره للمستقبل وليعيننا في الأيام الخاوية أو تعرض احانا لأي مكروه أو مرض أو إصابة كوننا معرضين لذلك ,
وتحصل تلك الشابات والنسوة الكبار على ذلك المبلغ الزهيد وتلك الحفنة من الثمار او الحزمة من العلف والبرسيم وقصب الذرة ,
   ” ظروف نقل مهينة.. وحوادث خلّفت عاهات “
 مع الفجر والفجر لا يشعر راقبتها تعبر إلى أين قبل انبلاج الصّباح إلى أين هذا السعي الباكر؟هو ذات المشهد الذي يتكرّر في عدد من المحطّات المعروفة في صفوف العاملات الفلاّحات بوادي حضرموت ,
من بعيد تلمح العاملات شاحنة مكشوفة أقبلت على مهل مخافة أن تفقد شيئا من هيكلها المهترئ لتسارع إليها الفلاّحات غير عابئات ولا مكترثات فالظّفر بمكان للوقوف فوق ظهرها هو مبلغ همّهنّ ليتدخّل صاحب الشاّحنة متوعّدا بالطّرد وإنزال كلّ من تبدي سرّا أو جهرا امتعاضا أو استنكارا من ظروف النّقل التي يحرص فيها صاحب الشّاحنة على الزجّ بأكثر من حمولتها وسط الصّندوق الخلفيّ للشّاحنة ,
  الشابة ” فاطمة ” أكدت على أنّها أصبحت تعاني من عديد أمراض الرّوماتيزم ممّا جعلها غير قادرة على ثني ركبتيها ويديها  وهو ما تسبّب لها في إعاقة وأرجعت ذلك إلى الّسنوات العديدة التي دأبت فيها على تعاطي النّشاط الفلاحي والتنقّل على متن شاحنة مكشوفة تجعل جسدها وأجساد رفقتها محلّ عبث نسمات الصّباح الباردة ووخزات البرد المستفزّة  في فصل الشتاء أو  لسعات حرارة الشمس في فصل الصيف سواء في طريق التوجّه للعمل أو وقت الرّجوع منه ,
وعن المخاطر الكثيرة التي تحفّ بعمليّة نقل العاملات اعتبرت ” مريم” أنّ سلامتها وسلامة رفيقاتها تكون على كفّ عفريت بمجرّد أن تطأ قدمها سطح الصّندوق ممّا يجعل من وقت مغادرتها المنزل كلّ صباح توقيتا تغلب عليه الشّجون والمشاعر الجيّاشة المطبوعة بالألم والرّهبة من تفاصيل يوم قد يحصل فيه المحظور الذي يضع حدّا لحياتها ويجبرها على ترك عيال لا حول ولا قوّة لهم في مواجهة واقع مرير ومستقبل, فأجهشت بالبكاء حين استحضرت حرصها وقت المغادرة على تقبيل صغارها والتّشديد عليهم بالنّصيحة والحيطة مبرّرة موقفها بعديد الحوادث القاتلة والمؤلمة التي تشهدها طرقاتنا والتي ذهب ضحيّتها العديد من الشّابات والنّسوة نتيجة تهوّر سائق الشّاحنة وإفراطه في السّرعة أو نتيجة للحالة السيّئة للعربة أو الحمولة الزائدة ,
أين الغطاء القانوني..؟
لا تتمتع النسوة العاملات في القطاع الفلاحي بأي غطاء قانوني يحميهن من استغلال المشغلين ويسمح لهن بالمطالبة بحقوقهن اذ لا ينتظم القطاع الفلاحي لاتفاقية قطاعية، كما لا يخضع العمل فيه ولا الاجر لتقسيم على مستوى الاختصاص , وستظل معاناة تلك النسوة والشابات محلك سر كوننا في بلد لايحترم القطاع الخاص موظفيه أو العاملين فيه إلا من رحم ربي , وبات لزاما على وزارتي الشئون الاجتماعية والعمل والتأمينات تأمين مستقبل أولئك الضحايا من غدر الزمان وتقلبات الدهر ,,,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى