مقالات

الفقيد “محمد نجيب الحوشبي” المناضل الأكتوبري الذي أرهق جنود الإستعمار في جبال الحواشب.

كتب / محمد مرشد عقابي

في منطقة تحتزم بسياج جبلي يحيط بها من كل الجهات ليشهد على عظمة وعراقة الإنسان الجنوبي، وفي كبرى مناطق الحواشب السلطنة سابقاً والتابعة حالياً إدارياً لمحافظة لحج، ولد البطل المناضل “محمد أحمد نجيب”، ليعيش فيها حياة شاقة نتيجة الأوضاع التي تعيشها البلاد التي تقبع تحت سلطة الإحتلال والإستعمار الأجنبي البغيض، إلا أنها هذه الحياة صنعت من هذا الإنسان بطلاً شامخاً يأبى الذل ولا يستكين لحياة ال الإستكانة، وفي بلدة ذات تضاريس جبليه وعرة وهضاب ومرتفات سمت روح الإبآء لدى هذا الرجل العظيم لتغرس فيه قيم ومفاهيم الثورة التي ترفض الخضوع والخنوع للمستبد وترفض كل أشكال الإستعمار، فكانت الشرارة الأولى لهذه الثورة المباركة قد أنطلقت في 14 أكتوبر 1963م، والتي كان المناضل والقائد الثائر “محمد أحمد نجيب” واحداً من الرعيل الأول الذي أشعل فتيلها وفجرها ضد المحتل الغاصب، لتمتد سريعاً وتشعل جذوة النضال لدى كل الثائرين في عموم مناطق الجنوب بما فيها عدن، وأصبح كل جنوبي وطني غيور يعلنها مدوية “برع يا استعمار برع، من أرض الأحرار برع.

عاش القائد والمناضل الأكتوبري الجسور “محمد أحمد نجيب الحوشبي” اللحظات الأولى للكفاح المسلح، وكان من صانعيه بخفة وشجاعة وإقدام، ما زال يتذكر تلك المواقف التأريخية رفاق السلاح من المناضلين والثوار الذين هبوا لمواجهة المستعمر واطاحوا به في ملحمة بطولية لن تنسى على مر التأريخ الذي يمجد ذلك النصر المبين الذي توج بيوم الجلاء الأغر بعد أربعة أعوام من إندلاع الثورة المباركة وهو يوم النصر الأكبر لكل جنوبي الـ 30 من نوفمبر المجيد عام 1967م.

يروي أصدقاء هذا المناضل العظيم بانه ظل يسكن في منطقة “المسيمير” عاصمة بلاد الحواشب، وهي المنطقة التي عاش فيها حياته وطفولته وترعرع منتهلاً من معينها قيم الشهامة والشجاعة والإقدام، وتعلم في مدارسها التي تم إنشاؤها في ذلك الوقت كل التعاليم النافعة والمبادئ الوطنية السامية والنبيلة، مؤكدين بان الفقيد المناضل “محمد أحمد نجيب” كان يشعر بما أحدثه المستعمر البريطاني فيتألم ويتوجع لما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد، وانعكس ذلك في تعامله مع محيطه الإجتماعي، إضافة إلى أنه عرف منذ بداية شبابه بأنه صاحب رأي وموقف ثابت وصريح الكلمة الفصل في كل القضايا والأمور ومجاهراً بالحق وداعياً لمقارعة الإستعمار وكل اشكال الظلم في الوطن، فبدأ يوجه بضرورة مقاومة المستعمر وعدم السماح له بالبقاء على أرض الجنوب فكانت تراوده فكرة المقاومة والكفاح المسلح منذ وقت مبكر من حياته وبرز ذلك جلياً للملأ حينما وجد نفسه مع بقية المقاتلين يتدرب على أنواع السلاح في شعاب قرى الحواشب الريفيه التي تقع بعيداً عن أنظار المحتل، فاستمر لفترة يمارس نشاطه التوعوي والثوري بشكل متخفي، ثم بعد ذلك رحلته في خوض المعارك البطولية التي أرهقت المستعمر البغيض في جبال الحواشب بمناطق النخيلة وفرعه ومخران وبله غيرها، وكان يواجه المحتلين وجهاً لوجه غير آهبه بالمخاطر حاملاً بندقيته لا يخاف إلا الله تعالى وحده، تلك الشجاعة المتناهيه والأسطورية التي لا يمكن ان تتكرر اطلاقاً استطاعت تتغلب ببندقيه على عدة وعتاد الجيش البريطاني الكبيرة وان تكسر إرادة العدو وتقهره، ولم تخيفه ترسانة المستعمر الضخمة والحديثة بما في ذلك الطائرات.

وكان لطبيعة المنطقة وتضاريسها دوراً محورياً في مساعدة المناضلين على احراز النصر لمعرفتهم التامه للبيئة المحيطة، فضلاً عن كون هذا البطل الأسطوري بالذات لا يهاب أي شيء يقف في طريقه لنيل الحرية، فكانت مشاركته في الثورة لها أثرها الكبير والفاعل واهميتها البالغة في رفع معنويات الفدائيين، وعند النظر إلى سيرته المظفرة نعرف لماذا أطلقت عليه وزملاءه الحواشب دولة الإحتلال (بريطانيا العظمى) التي لا تغيب عنها الشمس في ذلك الوقت لقب “الوحوش الكاسرة”.

تشير الروايات إلى أن الفقيد المناضل “محمد أحمد نجيب” قد جند نفسه من بداية حياته لمقارعة جنود الإحتلال، ونذر وقته كله لذلك، فكان سبباً في انتصار المقاومين، كما كان مخلصاً ووفياً لقضيته من خلال التصدي الأسطوري الباسل لأرتال الإحتلال حيث كان يراقبهم ويرصد كل تحركاتهم، ناهيك عن قيامه بتنفيذ مهام عظيمة تتمثل بتأسيس وتشكيل سرايا المقاومة في الحواشب، فضلاً عن اعداد وتنفيذ الكمائن المحكمة التي حصدت الكثير من جحافل الغزاة، وإزاء كل هذا النشاط الثوري الدؤوب والمتدفق حيوية والتحرك الوطني الجاد والمثابر لهذا البطل الثائر الجسور لجأت قيادات الإستعمار الى تغيير خططها وأساليبها واستراتيجياتها العسكرية بالإضافة الى تغيير نهجها وتكتيكها الميداني على نطاق واسع من الأرض التي كان يحفظها الفقيد المناضل “محمد أحمد نجيب” عن ظهر قلب.

وأفادت تلك الروايات ان صمود هذا الجهبذ ومن معه في جبال الحواشب دفعت البريطانيين إلى أن يرسلوا الفرق الخاصة المدربة تدريباً قتالياً عالياً لمواجهتهم، إلا أن كلها كانت عادت تجر قتلاها وأذيال الخيبة والهزيمة في كل مرة، وهو ما يؤكد إن بطولة هؤلاء الفدائيين أصبحت على كل لسان، إذ اضحوا قدوة ونموذج يحتذى بها بمن فيهم هذا البطل الصنديد، والذي جذب بحنكته ودهائه الى مرافئ الثورة الكثير من الشباب من قرى الحواشب المترامية، وانتقلت مقاومة المستعمر إلى الطور الجماعي الكبير والأكثر تنظيماً فيما بعد، وتقول الروايات كان أمر التخطيط في الهجوم وتعقب العدو يعود لقادة “الوحوش الكاسرة” وكان محمد نجيب من أشجعهم وأقدرهم على مباغتة العدو في وكره.

وتشير الروايات الى ان هذا البطل كان رفيقاً لمناضلين آخرين لا يقلوا عنه شجاعة وإقداماً من امثال الشهيد عباس رضوان والشهيد الربيح، وكانوا معاً يمتازون بخفة الحركة والدهاء والإقدام والدقة في التصويب، ويقول عنهم رفاقهم كما تروي تلك الأحاديث بأنهم يعدوا للهجوم على القوات البريطانية المرابطة في مناطق الحواشب، وكانوا يتقدمون ويصعدوا قمم الجبال معاً لتنفيذ الهجمات المباغتة ضد العدو، فيبدأون بمهاجمة العدو والإنقضاض عليه ويطلقون وابل النيران الكثيف من بنادقهم ثم يلحق بهم بقية رفاقهم.

اضطلع المناضل “محمد نجيب” بأدوار بطولية في كافة مراحل الثورة وكان من رفاق دربه الفقيد المناضل “فضل علي هادي ومحمد غالب السروي”، فهؤلاء مثلوا تأريخاً عظيماً يجب ان نفتخر به دوماً، كما يجب ان نعتز بكوكبة الشهداء الذين خضبوا بدمائهم الزكية طريق الحرية ومن بينهم الشهيد المناضل “محمود عباس والشهيد المناضل علي فيرزان والشهيد المناضل مدرم والشهيد المناضل محمود علي قائد والشهيد عواس الكزحي” وغيرها من نخبة الميامين الذين رووا بدمائهم الطاهرة ثرى الوطن الغالي دفاعاً عن مبادئ أكتوبر وانتصاراً لإرادة الشعب.

ترك الفقيد المناضل “محمد أحمد نجيب الحوشبي” إرثاً نضالياً بعد وفاته في شهر فبراير من العام 2010م، كما خلف مواقف بطولية خالدة من بين تلك المواقف انه طلب منه يوماً ان ينكر ثورة 14 أكتوبر وكيف للأستاذ نجيب ان ينكر هذه الثورة وهو أحد قاداتها بحجم الوطن وبحجم الثورة وبحجم سالم ربيع علي وبحجم فيصل الشعبي وبحجم محمد صالح عولقي وبحجم محمد سالم ربيع وبحجم علي عنتر وبحجم صالح مصلح وغيرهم من الرجال الشرفاء والأوفياء فزج به السجن وقيل له أنكر الثورة لأنهم يعرفون مقدار هذه الشخصية الوطنية والسياسية والنضالية والتربوية المؤثرة في جيل أكتوبر الخالد وما يحظى به من زخم والتفاف جماهيري أصبح وقوداً لهذه الثورة، فكان جنود المستعمر يقولوا له أنكر هذه الثورة بعد إندلاعها فقال لهم وهو قابعاً في زنزانة السجن وبعد ان استنفدوا اساليب الترهيب والترغيب وعرضوا له كل الإغراءات والتي منها “خمس مائة شلن وبندقية وترقية في العمل الوظيفي فكان رده عليهم بهذه الأبيات من القصيد :

*أخي إبن حوشب يا بطل* .. *فمن حمير أنت أصلي وجنسي*

*لا تستكين للظالمين مهما حاولوا* .. *فيك خداعي ودسي*

*يريدونني يا أخي ان ألقي خطاباً* .. *لأرضيهم وأغضب نفسي*

*ليس مثلي من يبيع الضمير* .. *لأمثال ميلان والبعسي*

*فالضمير أغلى ما ان يباع* .. *بعملة الدينار والفلسي*

*فما مؤتمر لندن سوى سوق جلب* .. *أو مسرحاً للرقص والأنسي*

خلد الفقيد المناضل “محمد نجيب” الكثير من المآثر النضالية والبطولية في مختلف ميادين الكفاح الوطني المسلح ضد المستعمر البريطاني، كما كان شاعراً بليغاً وأديباً ومربياً وقائداً محنكاً في كافة المراحل والمنعطفات، كما ان له العديد من المناقب والإسهامات الإجتماعية والثقافية والسياسية وظل طوال حياته يمثل مرجعية ثورية ونضالية وسياسية وثقافية وتربوية وإجتماعية وبرحيله خسر الوطن واحداً من أهم وأبرز الهامات والرموز والكوادر الثورية الأكتوبرية.

كما عاش الفقيد المناضل “محمد أحمد نجيب الحوشبي” في بداية حياته اليتم وفارق الحياة وهو على نفس هذا الخط من المعاناة، وخلال حياته الحافلة بالعطاء الثوري الزاخر تقلد الفقيد المناضل “نجيب” الكثير من المناصب والصفات القيادية والمسؤوليات منذ بداية فجر الثورة والمراحل التي أعقبتها من بينها نائب لمأمور مديرية المسيمير، ووضع خلال حياته العديد من البصمات الحية والإيجابية التي كان لها المفعول السحري في حل ومعالجة قضايا ومشاكل المواطنين المستعصية، تلك الأعمال والأسهامات التي لايزال وقع صداها وأثرها الجميل والعميق متجذراً بين أوساط جميع أبناء المديرية.

رحم الله فقيد الوطن الكبير المناضل الجسور الأستاذ “محمد أحمد نجيب الحوشبي” وأسكنه فسيح جناته برفقة الشهداء والصالحين.

إنا لله وإنا اليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى