لماذا كره الجنوبيون الوحدة؟.

كتب: العميد علي ناجي عبيد
سؤال يتردد كثيراً …
في لقاء في القاهرة حصل صدفة في أحد العيادات مع الأخ المناضل اللواء محمد الحبيشي أوائل العام الحالي.
منا نرتدي الكمامات وسط زحمة العيادة المستغربة في ظل انتشار وباء الكورونا ، إذ من الممكن تجنبها بتحديد وقت الحضور لكل مريض باستثمار وسائل التواصل الاجتماعي غيرالمكلفة .
كان حضور سعادة اللواء محمد قبلي ، مع فترة طويلة منذ التقينا . إلا إن نقاشي مع السكرتير حول الزحمة والمعالجة أثار انتباه اللواء ، ذلك ما أعجبني ، ذكرت أسمي للسكرتير فيقفز من مقعده ليسلم برحابة صد ووضاءة وجه تنم عن صفاء السريرة ونقاوتها .
قعدنا نتحدث بحرارة بدءاً من الصحة والخ .
انتقلنا إلى عيادة قليلة الازدحام وطول انتظار بسبب طبيعة عمل العيادة واختصاص الأطباء .
جرنا الحديث إلى الوحدة اليمنية وسأل بحسرة لماذا كرهتم الوحدة مع تنهيدة طويلة .
كان إلى جانبنا امرأة وولديها أحدهما في سن الثانية عشرة والآخر ما بعد العشرين تقريبا .
التفت الى الأصغر فسألته أين القدس ؟
أجاب قد يكون شارع لا أعرفه .
سألت الآخر المتجاوز لسن العشرين أين تقع القدس أجاب قد يكون شارع أو حي لا أدري أين وأسدى نصيحة باللجوء إلى ما أسمِّيه أنا بالشيخ جوجل .
حاولت الأم التدخل للتوضيح فقلت لها أنتِ من جيلنا ، سؤالي للشباب.
وجهت حديثي لسعادة اللواء لاحظت نكبة التطبيع راهنت على الزمن وهاهي تكاد تنجح مع الأسف الشديد . أغرورقت عيناه بالدموع لما يمتلكه من أحاسيس عربية ناجمة عن ثقافة وممارسة هي العمر كله . إذ نحن الجيل الذي تفتق وعيه على ثقافة ونهضة عربية قومية تدعو إلى بناء الدولة المدنية ذات المواطنة المتساوية .
علق بنبرة صادقة بما يعنيه ها نحن نعود إلى الوراء في كل مكان وفي كل مجال.
عندنا عادت الإمامية التي ثار الشعب ضدها مع تدهور لمستويات الحياة المعيشية والقيمية الخ.
قلت لا بد أنه يسأل ما دخل هذا في الوحدة اليمنية ، لكن تأدباً ظل ينظر إلي منتظراً مواصلة الحديث.
واصلت قائلاً لقد تحققت الوحدة والكل جنوباً وشمالاً يتوقع منها منجزات عظمى في مسيرة حياته . إلا إن حرب 1994م ونشوة النصر أعمت نظام الحكم وزاد النخر في جسم الوحدة.
لسنوات تتجاوز العشر ظل جيل الوحدة من الجنوبيين صابراً معتبراً ما يعانيه تضحيات من أجلها . لكن المراهنة من قبل منظومة النظام على الزمن كانت الغلطة القاتلة ، حيث اتبع النصيحة الميكافيلية بالإيغال في الإساءة على من انتصرت عليه في الحرب لسحقه مادياً ومعنويا ، وأن الزمن كفيل حتى بعدم تذكر أنها حصلت وحدة بفعل مجيء أجيال جديدة لا علم لها بذلك عبر مناهج التعليم والإعلام والتغلب الخ.
جاء ذلك الجيل الذي ينتظر التعليم والعمل ووسائل العيش الكريمة ، المتعايش مع ذلك الجيل الذي ناضل من أجل الوحدة من الآباء والأجداد ، وهو في حالة بؤس شديدة ، أنهضته للمطالبة بالحقوق ولا من مستمع ، غير المزيد من البؤس .
نهض الجيل المراهن عليه بحكم الزمن ليطالب بتسوية الأوضاع من منطلق الوحدة ، ولا من مستجيب.
فتحول الوضع البائس المتمثل أساساً في مستوى حياة معيشية في غاية البؤس وإنسداد آفاق المعالجة لفتح آمال التطور المنشودة. وهو يرى إن كل من يحكم ويسيطر في الجنوب شمالي.
لا أذكر هل تطرقت إلى مقولة لعضو مجلس النواب جبران أبو أبوشوارب إبن الشيخ مجاهد أبو شوارب رحمه الله في بدايات ٢٠٠١ وأنا ضيف في منزل الشيخ الجسور ناجي عبدالله الصوفي الواقع قرب بوابة معسكر الأمن المركزي بصنعاء وفي ديوانه الواسع الكريم.
إذ صرح جبران بصوته الجهوري وهو لا يعلم بوجود جنوبيين في المقيل ( كان إلى جانبي من الجنوبيين الدكتور أحمد سالم امشعنا وإثنان حضرا معه المقيل دون علمي المسبق ) قائلاً يبدو أن الجنوب يعاني من احتلال شمالي . ما تشوفوا المحافظين وكل المسؤلين مدنيين وعسكريين كلهم شماليين وكل واحد منهم نزَّل معه مجموعته من الأهل والأصحاب ويتابعوا مصالحهم ومنعزلين لأنفسهم بعيدين عن الجنوبيين ما عدى السماسرة.
غمز إلي الدكتور امشعنا مشيراً إلى جهة جبران ..
أعجب كلامه الشيخ ناجي الصوفي وبدأ يسلخ في هذا الاتجاه مع إنبهار كثير من الحاضرين….
أنهيت حديثي مع سعادة اللواء محمد الحبيشي قائلاً وحدة ١٩٩٠م ماتت وبقى دفنها وقيام عزاء لروحها والبدأ بمشروع إعادة إنتاج الوحدة.
( المشروع كتبت عنه بإيجاز في الحلقتين ١٢و ١٣ من متفرقات بعنوان حكاية لو أحدقال لك بأن…. لا تصدق ومشروع إعادة إنتاج الوحدة ) الذي لاقى استحساناً من نخب شمالية وجنوبية.
رأيت على وجه اللواء محمد ملامح الغضب والأسف على ما آلت إليه الأوضاع بشكل عام والتي كانت مثار حديثنا ، مكرراً أمنياته بأن تتوحد الجهود لمواجهة المليشيات الانقلابية الحوثية كمهمة أولى على إعتبارها الخطر الكبير ليس على الحاضر بل وعلى مستقبل البلاد شمالاً وجنوباً وعلى أمن المنطقة والعالم أجمع ، محيياً دور الجنوبيين في هذا السياق داعيا إلى مزيد التلاحم.
دون تردد أنا معه في هذه الدعوة على طريق استعادة الدولتين في سبيل حياة مستقرة يسودها الإخاء.
