مقالات

مؤشرات عدم جدية الشماليين في الشراكة مع الجنوب فيما تسمى الشرعية

كتب :
غسان الجيلاني

تعاني اليمن من مشكلة أساسية كبيرة في البنية الجيوسياسية الخاصة بها وهي الدولة التي نشأت في عام ٩٠م نتيجة الوحدة بين العربية اليمنية واليمن الديمقراطي حيث كانا قبل هذا العام دولتين ذات شخصية قانونية مكتملة الأركان يملكان العضوية في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

تحولت الوحدة الى مشروع فاشل بشكل فعلي نتيجة للعديد من العوامل أهمها البنية الآيديولوجية للدولتين الداخلتين في مشروع وحدة لا تملك عوامل النجاح ، حيث كان اليمن الديمقراطي معتمد على النظرية الاشتراكية التي طبقت بشكل مثالي يضاهي تطبيقها في بلدان المنشأ، بينما العربية اليمنية المحتفظة بالنسيج القبلي الذي عمل وفق النظرية الرأسمالية من خلال دولة عميقة بدأت بوادرها باغتيال الرئيس في العربية اليمنية – إبراهيم الحمدي – خوفا على مصالحهم من البرنامج الإصلاحي الذي انتهجه، وبالتالي خلق نوع من التباين الكبير كان يحتاج إلى مزيد من الوقت لعمل حلول جذرية بناء آيديولوجية جديدة تبنى بها دولة الوحدة.

هكذا نشأت الكثير من المتباينات بين الجنوبي والشمالي أعاقت مسار الاندماج الاجتماعي الذي أدى إلى حدوث حرب احتلال الجنوب في عام ٩٤م بعد إعداد شمالي جيد لها حيث كانوا يسعون في التخلص من النظام الجنوبي بشكل جذري عبر حرب شاملة قضت على مقومات الدولة والمجتمع الجنوبي ، وحاولت إنهاء الهوية الجنوبية وطمسها من الهوية اليمنية وصبغها بالطابع الشمالي البحت.

بعد حرب ٩٤م لم يستطع الجنوبي التعايش مع الظروف التي فرضت حينها ، وظل يقاومها بكل ما أوتي من قوة، وهنا ظل هذا الاتجاه المقاوم لأبناء الجنوب يقض مضاجع نظام صنعاء وهو يعلم جيدا إلى أين ستتجه الأمور بعد ممارسة الاحتلال على الجنوب.

الربيع العربي :

استمرت الثورة الجنوبية التحررية والداعية إلى الاستقلال وإعلان الدولة الجنوبية أثناء تلك الحركات الثورية الجنوبية السابقة للربيع العربي ، حيث استغل نظام صنعاء التحرك الشعبي الداعي للتغيير لمحاولة البقاء حرف مسار الحركات الجنوبية في إطار الربيع العربي لمحاولة ضم هذه الحركات إلى ثورة ما تسمى بالتغيير في اليمن بعد وعود من قيادات ركبت موجتها للجنوبيين بمنحهم فرصة لتقرير المصير ، ولكن ما أن حققت تلك القيادات انتصارا مبدئي حتى تخلت ونكبت بوعودها رغم عدم انجرار غالبية الحركات إلى تلك الوعود وواصلت مصيرها.

توصل اليمنيون بعدما أسموها ثورة التغيير إلى مؤتمر حوار أسموه بالشامل ، محاولين التلاعب على القضية الجنوبية بإيجاد حل يضمن لهم بقاء الجنوب تحت كنف صنعاء مهما كلفهم الأمر ، ولكن كانت النتائج غير مرضية لهم بعد أن كانت المخرجات تعمل على تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم جعلت من إقليم الهضبة خارج نطاق السيطرة على الثروة، مما جعلهم يفكرون بحل آخر عن طريق اجتياح عسكري جديد لعدن يمكنهم من السيطرة على الجنوب على غرار حرب ٩٤م وبنفس الطريقة.

الاجتياح الحوثي لعدن وعاصفة الحزم :

هنا عملوا على دعم مليشيات الحوثي وإخراجها من صعدة لتصل إلى عدن بعد التضييق على الرئيس الجنوبي هادي ، وجعله يهرب إلى عدن لكي يعلن نفسه رئيسا للجنوب ، ومن ثم اجتياح الجنوب لنفس السبب كما حدث في عام ٩٤م، فعلا هرب الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي إلى عدن ، وأعلن نفسه رئيسا لليمن واستعان بالأشقاء العرب الذي استجاب على شكل تحالف عربي في عاصفة حزم عسكرية ساعدت في تحرير الجنوب من التواجد العسكري الشمالي.

كانت الحرب في شكل متواز مع تطلعات أبناء الجنوب في التخلص من التواجد الشمالي والتحرر من الاحتلال الذي جثم على أرض الجنوب اكثر من عقدين من الزمن، ولكن استجابة التحالف كانت لغرض إعادة ما أسموها الشرعية اليمنية إلى صنعاء ، ولكنها لم تسمح للجنوبيين مواصلة الانتصار نحو تحقيق الهدف السامي حيث قدم الجنوبيون تنازلا كبيرا وفاء للتحالف ومساعدته في تحقيق هدفه وإبعاد الإحراج عنه الذي يسببه له سياسيو صنعاء بشقها الشرعي المتمثل في استعادة الجنوب في ظل وجود التحالف العربي الذي أتى لهدف محدد.

لكن من الواضح جدا بأن الأزمة في جوهرها جنوبية شمالية حيث لم يقدم شرعيو الشمال أي إنجاز في مجابهة الحوثيين ، بل على العكس عملوا جاهدين على سرقة الانتصار الجنوبي وركوب الموجة مستخدمين اسم الشرعية والاعتراف من خلال حرف بوصلة الحرب نحو عدن بدلاً من صنعاء كون الهدف الأساسي من كل هذا هو السيطرة على الجنوب أطول فترة ممكنة وممكن إلى الأبد.

وبالتالي يمكن أن نسرد عددا من النقاط التي تعد أهم المؤشرات لعدم جدية شماليي الشرعية في الشراكة مع الجنوب كما يلي :

_ الأحداث التاريخية منذ ماقبل 94م توضح بشكل جلي بأن جوهر القضية هي إبقاء الجنوب تحت سيطرة صنعاء.

_ العمل على تحويل بوصلة الحرب نحو عدن بدل صنعاء.

_ عدم الاعتراف بجوهر القضية الجنوبية ومحاولة جعلها كباقي القضايا مثل زواج القاصرات وغيرها.

_ برغم اتفاق الرياض1 والرياض 2 ونتائج المناصفة إلا أنهم لم يعترفوا بها ويتحاشوا ذكر المناصفة في وصف الحكومة والمجلس الرئاسي.

_ العمل على تضييق الخناق الاقتصادي على الجنوب ، لكي يصل الى مرحلة الغليان ضد المجلس الانتقالي الجنوبي.

_ محاولة العمل على إنشاء كيانات جنوبية داعمة لمشروعهم غير المقبول شعبيا في الجنوب

_ العمل على إعاقة حصول الجنوبيين على حكم ذاتي أو إدارة ذاتية ، وإن كان تحت اسم الشرعية

_ تحاشي ذكر الإنجازات الجنوبية للقوات المسلحة ونسبة الى مايسموه الجيش الوطني تارة أو إلى القوات المشتركة تارة أخرى

_ دعم الحوثي في الكثير من المواقف من اتفاق استوكهولم الى تسليم الجبهات وتهريب الأسلحة

_ العمل على حصار ميناء عدن وايقافه لصالح ميناء الحديدة الذي يعمل لصالح الحوثي

_ العمل على تأخير صرف الرواتب وعدم إصلاح استراتيجية الرواتب بشكل تكون كافيه لصرفية المواطن وفق الوضع الاقتصادي المحلي والعالمي.

_ إعاقة نقل المؤسسات السيادية كالطيران والبنوك والاتصالات

وبالتالي هذه النقاط كفيلة بحد ذاتها بفهم الواقع ومعطياته التي تؤدي إلى فهم حقيقة الصراع لإيجاد حلول مناسبة تنهي الصراع من جذوره وإنهاء الشراكة التي لا يمكن ان تأتي بنتيجة ولا يمكنها عمل أي إنجاز لأنها في هيكلها الحالي لايمكنه العمل بشكل طبيعي ، ولا يمكنها القيام بواجباتها فيجب أن نعي حقيقة مايجري لايجاد حل مناسب بإعادة هيكلة الشرعية بشكل مؤقت بوظيفة محددة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى