مقالات

هل نعيش في دولة هشة؟

كتب:
م. رناء كمال مصطفى

إن تصنيف الدول الهشة أو الفاشلة يعد ظاهرة سياسية، اقتصادية، قانونية حديثة العهد، برزت في المنتصف الثاني من عقد الثمانينيات، تعود تحديداً إلى اتفاق واشنطن عام 1989م الذي أسسه جون ولياسمون، وهو أول من أشار إلى هشاشة الدول واقترح علاج وإصلاح الدول النامية.

والدولة الهشة حسب مركز السلام الدولي (F.F.P)، هي التي تفقد سيطرتها المادية على أراضيها، وتتآكل سلطتها الشرعية في اتخاذ القرارات، وغير قادرة على توفير الخدمات العامة.

أي أن السيطرة والسيادة هي من أهم عناصر الدولة، وإذا اختلت أو تجزأت (لوجود أكثر من جهة تدعي حقها في الحكم) أو تناقصت (نتيجة التدخلات الخارجية من دول أو منظمات التي تدعي حماية المدنيين لدواعي إنسانية)، أدى ذلك إلى فشل الدولة بلا شك.

ويقاس مستوى هشاشة الدول عبر المؤشرات الآتية:
– مؤشرات سياسية:
* شرعية الدولة: وتشمل (الفساد السياسي، المشاركة السياسية، العملية الانتخابية، مستوى الديمقراطية، الاقتصاد غير المشروع، الاحتجاجات والمظاهرات، الصراع على السلطة).
* حقوق الإنسان وحكم القانون: وتشمل (حرية الصحافة، الحرية المدنية، الحرية السياسية، السجناء السياسيين، الاضطهاد الديني، التعذيب، الإعدام).
* فصائل النخب: وتشمل (الصراع على السلطة، المنافسة السياسية، المنشقين، الانتخابات المعيبة).
* خدمات عامة: وتشمل (الشرطة، توفير التعليم، محو الأمية المياه والصرف الصحي، البنية التحتية، الرعاية الصحية، الهواتف، توصيل الإنترنت، مصادر الطاقة، الطرق).
* أجهزة الأمن: وتشمل (الصراع الداخلي، انتشار الأسلحة الصغيرة، أعمال الشغب والاحتجاجات، الوفيات من الصراع، انقلابات عسكرية، نشاط المتمردين، التشدد، التفجيرات، السجناء السياسيين).
*التدخل الخارجي: ويشمل (المساعدات الخارجية، الجيش الأجنبي، وجود قوات حفظ السلام بحضور بعثة الأمم المتحدة، التدخل العسكري الأجنبي، التصنيف الائتماني).

– مؤشرات اقتصادية:
التدهور الاقتصادي الكبير وعناصر الاقتصاد الداخلي وانهيار قيمة النقد، تدهور الخدمات العامة المتوفرة، وعدم القدرة على تجديدها، غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والصحة ومستويات الفقر، غياب القدرة على تطوير وسائل الإنتاج والموارد الاقتصادية، الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض والمنح.

المؤشرات الاجتماعية:
الضغوطات الناتجة عن توزيع السكان (نتيجة الكوارث الطبيعية، سوء التغذية، المرض، ندرة المياه، الأمن الغذائي، تلوث البيئة، معدل الوفيات، النمو السكاني)، الحركات العشوائية للاجئين والتنقل الداخلي، الميراث العدائي الشديد الذي يولد الرغبة في الثأر لدى الجماعات المظلومة، هجرة العقول والنخب، غياب العدالة الاجتماعية والتهميش والهشاشة.

وهكذا أرى أن القارئ البسيط ممكن أن يتنبأ بمستوى هشاشة الدولة، من خلال معرفته بهذه المؤشرات ومقارنتها بمعاناته اليومية في جميع جوانب حياته التي أوشكت أن تكون نوعاً من أنواع التعذيب الجماعي. فإن اليمن تتربع على عرش الدول الهشة لعام 2024م، حسب صندوق السلام.

إن الاستمرار على هذه الوتيرة سيجعل الوضع أكثر سوءاً، فكما يقول تيفاني هاورد “إن الدول الهشة التي تعجز عن توفير الأمن والحياة الكريمة لمواطنيها، تدفع الفرد في النهاية للحصول على موارد سياسية واقتصادية ملموسة من خلال استخدام العنف، وذلك بسبب المناخ غير المستقر في هذه الدول”. أي أنه سينتشر العنف والجريمة، وستكون بيئة مناسبة لظهور الإرهاب وتحول المنطقة إلى مفرخة للإرهابيين.

ويعتبر الباحثون السياسيون أن أول خطوة للخروج من هذا الوضع هو تعزيز بناء الدولة، والحصول على السيادة الكاملة على الأراضي، وحماية الملكية الخاصة التي تلعب دوراً مهماً في طبيعة العلاقة بين فشل الدولة ودعم العنف السياسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذه هي البداية للنهوض بوطننا الغالي وتجنب الفتن وإرساء دعائم الأمن والأمان اللذين نتمناهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى