حين تصبح فتات الرواتب حديث الساعة ..
كتب: محمد الكازمي
نمت بعد العصر لأستيقظ على صلاة العشاء، أتحسس خطواتي نحو اليوم الذي رحل دون إنجاز ،فتحت هاتفي لأرى منشورًا واحدًا يطوف بين الصفحات على الفيس بوك، حديث الناس واهتمامهم يدور حول صرف راتب شهر واحد لموظفي قطاع التربية والتعليم في العاصمة عدن، كم يبدو الأمر عاديًا للوهلة الأولى، لكن الحقيقة التي تختبئ خلفه تحكي عن أزمة تفوق حدود الوصف.
تخيلوا أن فرحة الناس أصبحت معلقة بـ”ملاليم”، راتب بالكاد يكفي لقوت أسبوع، هنا يتجلى السؤال: إلى أي درجة وصلت الحكومة في قدرتها على دفع الشعب ليقبل بالقليل؟ أصبحنا مجتمعًا تُقاس سعادته بفتات الأجر، ونحتفل بفتوحات صغيرة، كأنها إنجازات عظيمة.
كيف وصل بنا الحال لأن يصبح راتب شهرٍ واحد خبرًا يلف العالم الافتراضي؟ راتب بالكاد يغطي حاجات الإنسان الأساسية، بات يحمل أملًا زائفًا لفئة هي الأهم في بناء مستقبل المعلمين، هؤلاء الذين ينشئون الأجيال، والذين ينبغي أن يُنظر إليهم كبناة الأمة، أصبحوا يفرحون بملاليم لا تكاد تسد رمقًا.
وفي الوقت الذي تُهدر فيه ثروات البلاد، يعاني قطاع التعليم، الركيزة الأساسية لأي مجتمع متقدم، من شح الموارد وعدم الاستقرار، لا يتعلق الأمر فقط بالمبلغ الزهيد الذي يتم صرفه، بل بالأثر النفسي والمعنوي الذي يتركه هذا “المن” على كرامة الإنسان، وباتت الأزمات اليومية أكبر من قدرة المواطن البسيط على التحمل، غياب الغذاء، تضخم الأسعار، وانعدام الأمن المعيشي جعلت من فكرة العيش مجرد نضال يومي للبقاء على قيد الحياة.
إذا كانت الحكومات لا ترى في شعوبها سوى أرقام في ميزانية، فإنها تهدر رأس المال الحقيقي لأي أمة : الإنسان، إن الفرحة المؤقتة التي يعيشها الناس بقبض الراتب لا ينبغي أن تخفي حقيقة أن الكرامة الإنسانية على المحك، وأن الاستثمار في الكرامة يعني الاستثمار في المستقبل، آن الأوان لأن تتوقف الحكومة عن سياسة التهدئة المؤقتة وتبحث عن حلول جذرية تعيد للناس كرامتهم المهدورة، وتجعلهم يشعرون بأنهم أكثر من مجرد أدوات لسد العجز.