هل من نظرة إلى المعلم في عدن؟
كتب: عيشة صالح
في عدن، المدينة التي تحمل على كاهلها تناقضات الحياة، هناك معلم يخط على السبورة كلمات مثل “كرامة” و”حقوق”، بينما هو في الحقيقة يذوق طعم الخذلان يوميًا. خذلان مجتمع بأسره، اختار أن يصم أذنيه عن صرخاته. تأخر الرواتب وضعف قيمتها ليست مجرد أرقام في ميزانية الحكومة، بل هي قصة رجل أو امرأة تعيش تحت وطأة هذا العبء الثقيل.
كان الراتب في يومٍ ما يعني الاستقرار، القدرة على العيش بكرامة، وربما حتى تخزين بعض المال “لليوم الأسود”. الآن، أصبح الراتب مجرد وهم. هل يمكن أن يغطي هذا الراتب المتواضع تكاليف المعيشة التي تتضاعف كل يوم؟ كيلو من الأرز هنا، بعض السكر هناك، وربما قنينة زيت. بمجرد أن ينتهي المعلم من التسوق، يكون الراتب قد اختفى كما لو أنه لم يكن يومًا.
لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد. عندما يتأخر الراتب، يصبح المعلم أسيرًا لتساؤلاته: “كيف سأدفع إيجار المنزل؟”، “هل يمكنني الاستدانة مرة أخرى؟”، “هل أترك هذه المهنة وأبحث عن عمل آخر؟”.. تلك التساؤلات تلتهمه من الداخل، بينما يستمر في ارتداء قناع الثبات أمام طلابه.
عندما نتحدث عن حقوق المعلم، فنحن غالبًا نستخدم شعارات رنانة: “المعلم عماد الأمة”، “التعليم أساس التقدم”. لكنها شعارات فارغة أمام الواقع. حقوق المعلم في عدن أضحت ذكرى بعيدة، تُحكى كما لو أنها من زمنٍ غابر. التأمين الصحي؟ مستحيل. ترقية مستحقة؟ خيال. حتى الاستقرار الوظيفي بات حلمًا في ظل أوضاع لا تعرف للمنطق طريقًا.
كل شيء يرتفع: أسعار المواد الغذائية، الوقود، الإيجارات. كل شيء عدا الرواتب. يبدو كأن هناك اتفاقًا غير مكتوب بين العالم بأسره ضد المعلم. كأنه محكومٌ عليه أن يعيش حياة الزهد والتقشف حتى النهاية. لكنه ليس اختيارًا، إنه إجبار.
الغريب أن المجتمع، بدلًا من أن يقف بجانب المعلم، يتحول في بعض الأحيان إلى قاضٍ يتهمه بالتقصير. “لماذا لا تبذل مجهودًا أكبر؟”، “لماذا لا تحاول إيجاد عمل إضافي؟” وكأن التعليم وظيفة لا يمكن الاعتماد عليها.
ارفعوا ما شئتم من شعارات، ستظل جوفاء، ما لم يكن التعليم أولى الأولويات. والمعلم تكفيه مهنته.