مقالات

“مليونية حضرموت” من ذكرى انتصار حضرميتها إلى تأكيد جنوب هويتها

كتب: د. أمين العلياني

في خضمّ المحاولات المستميتة لطمس هوية حضرموت الجنوبية التي عاشتها مع أبشع محتل شمالي بغيض، تبرز حضرموت اليوم كصرحٍ شامخ يحمل في ثناياه تاريخًا نضاليًا وحضاريًا لا يُنسى، وتقول أني للقاصي والداني ليست مجرد جغرافيا يختزل في وادٍ أو ساحل، بل أني وعاءٌ تاريخي ضمّ رجالًا صنعوا مجد الجنوب بهويته العربية قديمًا وحديثًا، وأثبتوا أن الهوية الجنوبية ليست شعارًا يسهل القول به، بل حضرميتي انتماءٌ يتجذر في الأرض والدم من ضمن جغرافيا تمتد من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا.

ومن هنا نقول أن رحم الجغرافيا الحضرمية ولدت هويتها الجنوبية،
فمنذ فجر التاريخ، كانت حضرموت جزءًا أصيلًا من الجنوب، تحمل هويةً جنوبية خالصة، وتشهد بذلك شواهد التاريخ وقوافل التضحيات، فحين أعلن الجنوب دولته المستقلة في 1967، لم تكن حضرموت طرفًا ضعيفًا يُجرّ إلى الاتحاد قسرًا، بل كانت شريكًا فاعلًا في بناء الدولة الوليدة، برجال دينها وعلمائها وسلاطينها وأمراءها وقادتها الذين آمنوا بأن الجنوب هو الهوية الجامعة.

لم تدخل السلطنات الحضرمية في مشروع الدولة الجنوبية تحت تهديد السلاح أو الإكراه، كما يحلو لأعداء الجنوب ترويجه اليوم ويحاولون استدعاؤه لمشاريع خبيثة، بل دخلت بإرادة وطنية صافية، وانتماء لا تشوبه شائبة، فحضرموت لم تكن يومًا أرضًا بلا تاريخ، بل كانت مهدًا لرجال صنعوا مجدًا تليدًا، وحملوا راية الجنوب في وجه كل محاولات التفتيت ولهم في التاريخ محطات لا تمحى ومواقف لا تنسى.

ومن تلك الشواهد صمودها في وجه العاصفة ورفض الذوبان والاحتلال مع ابشع احتلال عرفته الجنوب في صيف 1994م.
وحين جاءت الوحدة المغدورة مع الشمال في 1990م، ظلت حضرموت حصنًا منيعًا للهوية الجنوبية، رافضةً كل محاولات الذوبان في هوية مستوردة، ولم تكن انتفاضاتها العارمة في 1997م مجرد احتجاجات رمزية، بل كانت شرارةً أشعلت المقاومة ضد الاحتلال اليمني، وأكدت أن الجنوب هوية لا تموت ولا يقبل الاحتلال مرة أخرى وتحت أي مسميات كانت.

لقد أدرك الحضارم مبكرًا أن المشروع الشمالي البغيض لم يكن سوى غطاءً لنهب الثروات وطمس الهوية، فخرجت مظاهراتهم تهتف: (حضرموت جنوبية ولن تكون إلا جنوبية هوية وانتماء)، وكانت مليونياتهم صرخة مدوية في وجه التمزيق، وتذكيرًا للعالم بأن الأرض التي رفضت التقسيم في الماضي، لن تقبل اليوم بالاحتلال الذي يأتي بأشكال داعشية أو حتى مشاريع ناعمة مغلقة بتمزيق الهوية بمسميات الأقلمة واليمننة.
ولهذا حضرموت تقولها بالعلن أن الجنوب الفيدرالي هو الخيار الوحيد الذي يحفظ هويتي ويمنحني خصوصيتي وما عداه ما هو إلا مجرد سرديات خيالية غايتها الاحتلال وحتى وإن كان بمسميات مختلفة.
ويأتي هذا استشعارًا منهم، وفي ظل المشاريع التقسيمية والمؤامرات التي تحاك ضد الجنوب عامة، تعود حضرموت لتؤكد موقفها التاريخي: لا للاحتلال الناعم أو الداعشي، لا للتقسيم، نعم لجنوب حرٍّ موحد فيدرالي يمنحنها خصوصتيها ويحافظ على هويتيها، فحضرموت لم تكن يومًا قابلةً للمساومة، ولن تكون سوى جزءٍ أصيل من الجنوب، بروحها المقاومة وإرادة أبنائها الذين يرفضون أن يُستلبوا مرة أخرى.

وها هي حضرموت، في ذكرى التاسعة لتحريرها من براثن الاحتلال اليمني الإرهابي، ترفع صوتها عاليًا: ” حضرموت مع مشروع الجنوب الفيدرالي، وستظل محافظة على هويتها الجنوبية إلى الأبد، فمن جغرافيتها سيُبنى الجنوب الجديد، ومن إرادة أبنائها ستولد الدولة الفيدرالية المستقلة. لأن حضرموت كانت البداية، وستكون دائمًا صاحبة الكلمة الأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى