مقالات

وضع المرأة الجنوبية قبل وبعد عام 1990م

كتب:
د. أفراح الحميقاني

كان للمرأة الجنوبية قبل عام 1990م دور في النضال السياسي والوطني ضد الاستعمار البريطاني، واحتفظ لنا التاريخ بأسماء العديد من المناضلات اللاتي شاركن في النضال إلى جانب إخوانهن من الرجال في العمليات النضالية بل والفدائية أيضاً، حتى نال الجنوب العربي استقلاله وطرد المستعمر البريطاني من جميع أراضي الجنوب، وشكل إعلان الاستقلال الوطني في الجنوب العربي مرحلة مهمة من التاريخ، فقد تم هزيمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (بريطانيا) وقيام جمهورية وطنية وعاصمتها عدن في عام 1967م، واعتبر ذلك خطوة نوعية في رسم دستور للدولة الجديدة وذلك في عام 1970م. وحدد الدستور شكل الدولة بأنها دولة ذات نظام ديمقراطي شعبي، وأنها تمثل مصالح الشعب العامل وحلفائه من الفلاحين والمرأة، وساوى الدستور بين المرأة والرجل في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

كما ظهرت نساء رائدات على مستوى الجزيرة العربية والخليج في عدة مهن كانت بعضها حكراً على الرجل، وأخذت الدولة تهتم بحقوق المرأة بصورة خاصة وحقوق الأسرة والطفل بصوره عامة، بل وأصبحت للمرأة منظمة نسوية تقود وتحشد طاقات النساء، ألا وهي اتحاد نساء الجنوب الذي تأسس في عام 1968م، والذي كان له أنشطة عديدة تهدف لتعزيز وتمكين دور المرأة في المجتمع في جميع الجوانب، سواءً أكانت الاجتماعية أم السياسية أم الاقتصادية أم الثقافية، وكانت له موازنته المخصصة من الدولة وكذلك امتلاك عقارات خاصة به.

وعملت الدولة ذات النظام الاشتراكي على دعم قضايا المرأة آنذاك، ودعم هذه المؤسسة المعنية بقضاياها والممثل الشرعي لها في ذلك الوقت. وكان للاتحاد مشاريع خاصة به تدر عليه دخلًا لاستمرار بقائه، مثل مشروع رياض الأطفال الموجود في الاتحاد.

وبعد تحقيق الوحدة اليمنية المشؤومة في عام 1990م، فُصِل الاتحاد عن الدولة وأصبح أحد منظمات المجتمع المدني، ودمج مع جمعيات المرأة في المحافظات الشمالية تحت مسمى “اتحاد نساء اليمن”، الذي أخذ يتبنى قضايا نسوية تنموية، وعمل الاتحاد بعد ذلك على قضايا منها حماية المرأة السجينة.

وكان أهم إنجاز تحقق في تلك الفترة هو قانون الأسرة لعام 1974م، الذي يعد من أقوى القوانين العربية على الإطلاق، ونالت المرأة كثيرًا من الحقوق التي كفلتها لها الدولة ذات الطابع الاشتراكي آنذاك، وظهرت نساء رائدات على مستوى الوطن العربي في مجالات مهنية عديدة.

وفي المقابل، كانت المرأة في شمال اليمن التي كانت تسمى “الجمهورية العربية اليمنية” تعاني من الإقصاء والتهميش، وكانت تحت وطأة الأعراف القبلية والجهل، ولم تتمتع بأي امتيازات كالرجل بسبب الثقافة القبلية السائدة هناك.

ومع تحقيق الوحدة واندماج الجنوب والشمال في دولة واحدة هي “الجمهورية اليمنية” في عام 1990م”، فقدت العديد من النساء الجنوبيات – وخاصة العدنيات – كثيرًا من تلك الحقوق والامتيازات التي كان الحزب الاشتراكي الحاكم السابق يوفرها لهن، والتي تتناسب مع الأيديولوجية السياسية آنذاك.

وأدت سيطرة القوى القبلية على مقاليد الحكم في مفاصل الدولة بعد الوحدة لبروز انتهاكات حقوقية كثيرة، تعرض لها كثير من الجنوبيين ومن ضمنهم النساء، فقد تم استبعادهن من وظائفهن العامة في الدولة، وسلبت النساء الجنوبيات العديد من الامتيازات، وعدم العمل بقانون الأسرة لعام 1974م. وأدى اختلاف الثقافات والرؤى بين الدولتين، في نهاية الأمر، لحرب صيف عام 1994م.

وضع المرأة الجنوبية بعد عام 1994م

بعد حرب عام 1994م عانت المرأة الجنوبية كثيرًا من الاضطهاد والاستبعاد والتهميش والإقصاء من الوظائف العامة من قبل نظام دولة الاحتلال اليمني، وخاصة في مواقع صنع القرار، بل وانتشرت ثقافة جديدة حلت محل الثقافة القديمة، وهي ثقافة مغايرة تحمل دلالات عنف ضد المرأة لمحاولة النيل منها بشتى الطرائق، ومن كل ما تم تحقيقه من إنجازات في الفترات السابقة. وألقت تلك الثقافة الجديدة بأفكارها السوداء وقيمها الاجتماعية الجديدة في المجتمع الجنوبي.

بل وتُوجت الصراعات السياسية في النهاية إلى إفراز حرب مذهبية في عام 2015م شنتها قوى تحمل ثقافة عنصرية ضد المرأة وهي مليشيات الحوثي الإرهابية، إلا أن الجنوب انتصر في تلك الحرب الغادرة، واستطاع هزيمة المليشيات الحوثية وطردها من الجنوب والعاصمة عدن، وبدأت المرأة الجنوبية مرحلة جديدة في استعادة بعض من حقوقها التي فقدتها في المراحل التي تلت عام 1990م، وهي الآن تتطلع لاستعادة دورها الريادي في تاريخ الجنوب العربي، وهذا لا يتحقق إلا بمشاركة المرأة الجنوبية في الحياة العامة، وفي تربية الأجيال الصاعدة على تقدير دور المرأة ومشاركتها على مختلف الأصعدة (السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى