هل نفّذ الموساد في طهران ما اختبره أولًا في روسيا؟

كتب:
هشام صويلح
في أقل من أسبوعين، شهدت روسيا وإيران هجومين كبيرين ومثيرين للانتباه، لكن الفارق أن إسرائيل أعلنت رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف طهران في 13 يونيو، بينما بقي الهجوم على المطارات الروسية في 1 يونيو غامضًا رغم تبنّي أوكرانيا له. ومع ذلك، يلاحظ أن الأسلوب المستخدم في العمليتين متشابه بشكل لافت، ما يطرح تساؤلات حول وجود يد استخباراتية واحدة خلفهما.
تبدأ القصة في 1 يونيو، حين أعلنت أوكرانيا أنها نفّذت عملية عسكرية داخل روسيا باسم “شبكة العنكبوت”، استهدفت فيها خمسة مطارات عسكرية في سيبيريا، ودمرت أكثر من 40 طائرة، بينها قاذفات استراتيجية. لكن الباحث الفلسطيني د. حامد أبو العز، في مقال له نُشر في 3 يونيو – أي بعد يومين – قدّم رأيًا مختلفًا، حيث أشار إلى أن العملية تبدو أكبر من قدرات أوكرانيا الاستخباراتية، وطرح فرضية أن الموساد هو من خطط ونفّذ العملية، بينما تُركت أوكرانيا لتُعلن المسؤولية.
الدكتور أشار إلى أن طريقة تنفيذ العملية تشبه تمامًا أسلوب الموساد المعروف: تهريب طائرات مسيّرة داخل شاحنات مدنية، تخزينها سرًا، ثم إطلاقها في وقت متزامن. هذا النوع من التخطيط المعقّد يحتاج إلى معلومات دقيقة وشبكات داخلية، وهو ما يصعب تصديقه من جانب أوكرانيا وحدها.
الغريب أنه بعد هذا التحليل بعشرة أيام فقط، نفّذت إسرائيل عملية واسعة في إيران “الأسد الصاعد”. بدأت العملية بتنفيذ خلية داخلية تابعة للموساد بزرع طائرات مسيّرة مفخخة وأسلحة متطورة بالقرب من مواقع الدفاع الجوي الإيراني لتحييدها، ثم جاءت غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع الحرس الثوري، وأسفرت عن مقتل قادة كبار، بينهم محمد باقري، حسين سلامي، غلام علي رشيد، وعلي شمخاني، إضافة إلى عدد من العلماء النوويين.
اللافت أن الأسلوب في الحالتين كان متشابهًا جدًا: زرع معدات هجومية في العمق، تنفيذ مفاجئ، شلل في الدفاعات، وضربات دقيقة. وكأن إسرائيل “اختبرت” الطريقة في روسيا، ثم أعادت تنفيذها في إيران بعد التأكد من فاعليتها.
من المعروف أن الموساد لا يعلن مسؤولية عملياته، لكن صمته أحيانًا يكون دليلًا على أنه من يقف خلف الضربة. وبهذا المنطق، يرى د. أبو العز أن أوكرانيا قد تكون واجهة فقط، بينما المنفّذ الحقيقي هو جهة أقوى وأكثر خبرة.
والمثير في الأمر أن التشابه بين العمليتين لا يقتصر على التقنية، بل يشمل أيضًا الهدف النفسي. ففي كلتا الحالتين، جرى ضرب الثقة الداخلية لدى خصمين قويين: روسيا وإيران. الهجوم الروسي أصاب سلاح الجو بصدمة غير مسبوقة، والهجوم في إيران استهدف رموزًا عسكرية وأمنية عليا في توقيت حرج. هذه النوعية من الضربات لا تركز فقط على الخسائر المادية، بل تهدف إلى إرباك الحسابات، وخلق شعور دائم بالاختراق والعجز أمام “عدو غير مرئي”.
ما يزيد من خطورة هذه التطورات هو توقيتها السياسي. فالمفاوضات بين أمريكا وإيران حول الملف النووي متعثرة، والعلاقة بين واشنطن وموسكو في أسوأ حالاتها. هنا يُطرح السؤال: هل فعلاً كانت إسرائيل وحدها وراء هاتين العمليتين؟ أم أن أمريكا كانت شريكًا خفيًا في التخطيط أو التسهيل؟
في النهاية، لا أحد يملك الإجابة المؤكدة، لكن المؤشرات تقول إن ما جرى لم يكن عاديًا… وإن وراء الستار لاعبًا أكبر من مجرد جهة استخباراتية.
وإذا صحّت فرضية التدرّب في روسيا والتطبيق في إيران، فنحن أمام تحول نوعي في العمل الاستخباراتي الإسرائيلي، قد يمتد إلى ساحات أخرى، في توقيت يبدو فيه العالم عاجزًا عن احتواء ضربات “الظل”.