مقالات

الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. مواجهة إقليمية على حافة الانفجار الدولي

كتب:
عبدالكريم أحمد سعيد

بين حسابات الردع وشبح المواجهة المفتوحة، تتسارع التطورات بين تل أبيب وطهران في ظل غياب موقف دولي حاسم، ما يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط ومصير النظام العالمي.

تشكل الحرب الإسرائيلية الإيرانية منعطفا خطيرا في مسار التوترات الإقليمية والدولية، إذ تجاوزت حدود الاشتباكات غير المباشرة إلى مواجهة علنية بين دولتين تمتلكان قدرات عسكرية متقدمة وحلفاء نافذين على مستوى العالم. فبعد سنوات من الصراع غير المباشر عبر وكلاء محليين، وعمليات إلكترونية واستخباراتية، أصبح النزاع اليوم في قلب الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وامتد صداه إلى أروقة مجلس الأمن والمجتمع الدولي بأسره.

المواجهة الحالية جاءت نتيجة تصاعد تدريجي في حدة الخطاب الأمني والمخاوف الاستراتيجية، لاسيما مع تقارير متواترة تشير إلى اقتراب إيران من امتلاك القدرة النووية، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا، وإن رآه البعض مبالغا فيه.

الموقف الدولي من هذا التصعيد كشف عن انقسامات عميقة في بنية النظام العالمي. فالغرب، بقيادة الولايات المتحدة، لم يدن الهجمات الإسرائيلية بشكل صريح، بل أبدى تفهماً ضمنياً لها باعتبارها “إجراءات دفاعية”. إدارة ترامب، رغم ترددها في خوض حرب شاملة، قدمت دعماً استخباراتيا ولوجستيا لإسرائيل. في المقابل، تبنت كل من روسيا والصين مواقف حادة، ووصفتا الضربات بأنها انتهاك لسيادة إيران ومحاولة لتأجيج نزاع إقليمي قد يتوسع ليشمل قوى دولية.

أما الدول الأوروبية، فقد التزمت خطابا دبلوماسيا متوازنا، دعت فيه إلى التهدئة وأبدت قلقا من اندلاع نزاع مفتوح، دون أن تطرح أي مبادرة فعلية لاحتواء التصعيد.

مجلس الأمن الدولي، كما في أزمات عديدة، فشل في إصدار موقف موحد أو قرار ملزم بسبب تضارب مصالح أعضائه الدائمين. وظل ساحة لتبادل الاتهامات بدل أن يكون منصة لحل النزاعات.

الخطير في هذا التصعيد أن الحرب قد تنجرف إلى نطاق إقليمي أوسع، خاصة في ظل التداخل بين الفاعلين المحليين والدوليين. فدخول الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران، قد يدفع حلفاء طهران الإقليميين — مثل حزب الله، الحشد الشعبي، الحوثيين، وحماس — إلى الانخراط الميداني، ما يرفع من احتمالات اندلاع حرب متعددة الجبهات. كما أن الهجمات المحتملة على منشآت نفطية خليجية أو تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، قد تلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي.

عسكريا، من غير المتوقع أن تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى تدمير كامل للبرنامج النووي الإيراني، لكنها ستدفع طهران على الأرجح إلى تسريع تطويره كخيار دفاعي وجودي.

ولا يمكن فهم هذا النزاع بمعزل عن المشهد الأشمل، حيث تواصل إسرائيل شن عمليات عسكرية عنيفة على قطاع غزة والضفة الغربية، في ظل صمت دولي يرقى إلى مستوى التواطؤ. هذا التجاهل لا يفقد المجتمع الدولي مصداقيته فحسب، بل يغذي مشاعر الغضب والرغبة في الرد، ويمنح إيران غطاءً لتبرير تدخلها تحت شعار الدفاع عن فلسطين.

المستقبل القريب يتوقف على عدة عوامل؛ قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات مركزة دون الانزلاق إلى حرب استنزاف، طبيعة الرد الإيراني، وهل سيكون محدودًا ومدروسًا أم تصعيديا، إضافة إلى مواقف الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، في لعب دور الوسيط أو الراعي حسب مصالحها.

يبدو أن الحرب ستبقى محدودة في المدى القريب، وتُدار وفق قواعد اشتباك غير معلنة، تتيح مساحات للرد والاحتواء. لكن أي خطأ في التقدير قد يشعل مواجهة أوسع، على غرار الحرب العالمية الأولى التي انطلقت من حادثة غير محسوبة.

في ظل تنامي النزعات القومية وتعمق الانقسام الجيوسياسي بين الشرق والغرب، تتضاءل فرص الحلول السلمية، وتتزايد احتمالات الانزلاق نحو صراعات كبرى. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بمسؤولية ورؤية استراتيجية، فإن المنطقة قد تواجه أزمة شاملة ذات أبعاد أمنية واقتصادية وإنسانية، يدفع ثمنها الجميع.

وما يدعو للقلق العميق هو احتمال تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب، مع ما يحمله ذلك من مخاطر استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد إيران، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام كارثة إقليمية غير مسبوقة. مثل هذا السيناريو لا يهدد أمن الشرق الأوسط فقط، بل قد ينسف استقرار النظام العالمي بأكمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى