مقالات

من تراثنا مثلٌ وحكاية.. ” أدفس أدفس، قد ما سمعهن وعاده حي”

كتب: د. علي صالح الخلاقي

يزخر تراثنا الشعبي وموروثنا الثقافي بالكثير من الأمثال التي تحمل في طيّاتها نصائح ثمينة، تُقدَّم لمن أراد أن يتأمّل ويتعلّم، وكأنها دروس موجزة على طبق من ذهب.
هذه الأمثال لم تأتِ من فراغ، بل هي خلاصة تجارب أجيال مضت، اختزلت فيها الحكمة والمعرفة والفطنة، وورّثتها لنا لنستنير بها في مسارات حياتنا، ونتجنب بها الزلل.
إنها دعوة مستمرة لتقبّل النصيحة، والإصغاء لصوت العقل، والسير على خُطا من سبقونا من أهل الرأي والبصيرة.
أستهل ذلك بمثل وحكاية.
المثل يقول:” أدفس أدفس قد ما سمعهن وعاده حي”، أي “ادفنه، ادفنه…لم يسمع النصيحة حينما كان ما يزال حيًّا!”
وحكاية المثل تقول:
يُروى أن رجلاً صالحًا ظلّ طوال حياته يُوجّه ابنه، وينصحه بالحكمة، ويُحذّره من مسالك الفتنة والضلال، ويرشده إلى الخير ما استطاع، لعلّ قلبه يلين أو أذنه تصغي.
مرت السنوات، والوالد لا يفتأ يردد نصائحه، مؤمنًا أن الكلمة الصادقة لا تضيع، وأن في العاقبة رشداً. لكن الابن، كحال من غلبته نفسه، أعرض عن وصايا والده، وخالفه في أمر كان الأب يحذره منه مرارًا، حتى إذا اشتد الخلاف واشتعلت الفتنة، كان هو أول من سقط ضحية لها، وأول من لفظه ترابها، في غياب والده.
عاد الأب ذات يوم إلى بيته بعد غيابه، فوجد الجموع قد سبقت إلى المقبرة، يحفرون القبر لولده. فوقف مذهولًا، وقلبه بين الضلوع يتمزق، ولسانه يلهج بالصبر.
بعد الصلاة على الميت وقراءة الفاتحة على روحه، اقترب الشيخ وجلس عند رأس الميت ليقول كعادته:
“سيأتيك ملكان، فيسألانك: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟ فقل: ربي الله، ونبيي محمد، وديني الإسلام.”
لكن الأب قاطعه فجأة بصوت مخنوق بحرقة الألم:
” أدفس أدفس قد ما سمعهن وعاده حي”،

وفيما يلي أُقدِّم باقةً من أمثالنا الشعبية، من كتابي “الشائع من أمثال يافع”، في باب النصح والنصيحة، علّها تجد في القلوب موضعًا، وفي العقول سبيلاً، ولمن أراد أن يتّعظ من دروس الماضي ويتعلّم من حِكَم الأسلاف المتوارثة:

1. اِنْصَحْ ولو كُنتْ مَظْلُومْ:
قال الحميد بن منصور: انصح ولو كنت مظلوم، أن النصاحة من الدِّين. والمعنى أن تؤدي عملك بإخلاص حتى وان كنت تشعر بالظلم. يقول الشاعر قاسم عوض المحبوش:

قال خيرة وصيّه من صمت ما بينـدم
والزم الصبر لِنْ كُثر الشهم يا فتى شوم

واصحب أهل التقى واحذر من الشتم والذم
والنصيحه نعم انصح ولو كنت مظلوم

2. الدِّين النصيحه:
من الفصيح. وهو من الحديث الشريف. ومعناه واضح.
3. صَاحبك من أصْدَقك القول لا من صدَّقك:
والمعنى أن صاحبك حقاً هو من ينصحك ويكشف لك أخطاءك، وليس ذلك الذي ينافقك ويزين لك الخطأ. قال أحد الحكماء: انتفعت بأعدائي أكثر مما انتفعت بأصدقائي، لأن أعدائي كانوا يعيرونني بأخطائي فأنتبه لها، وأصدقائي كانوا يزينون لي الخطأ. ومن الفصيح:”أخوك من صدقك النصيحة”.
4. ما ينصَحك إلاّ ذِيْ يحبك:
أي أن النصيحة لا تكون عادة إلا من صديق يودّك.
5. النَّصِيْحِةْ بَيْنْ المَلا فَضِيْحِةْ:
ومعناه في قول الشاعر:

تعمــدني بنصحك بانفرادٍ
وجنبني النصيحة في الجماعة

فـإن النصح بين الناس نوعٌ
من التوبيخ لا أرضى استماعه

6. النصيحة عنده فضيحه:
يضرب لمن لا يقبل النصح ويستاء منه. ومن الفصيح:”دع امرءاً وما اختار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى