مقالات

الانتقالي بين تحديات الداخل ومناورات الخارج

كتب: عبدالكريم أحمد سعيد

يمر الجنوب اليوم بمرحلة بالغة التعقيد، ليست مجرد أزمة سياسية عابرة، بل لحظة مفصلية تعيد صياغة ملامح المشهد الوطني برمته. فالمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية تفرض على القوى الوطنية الجنوبية، وفي طليعتها المجلس الانتقالي الجنوبي، قراءة دقيقة للواقع، واستعدادا نوعيا لإدارة التحديات المتشابكة التي لم تعد تقتصر على الجبهات العسكرية والأمنية، بل امتدت إلى أبعاد اقتصادية، خدمية، وإعلامية دقيقة.
وقد جاءت مضامين الخطاب الأخير للرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي لتؤكد على وجود رؤية استراتيجية واضحة تدرك تعقيدات اللحظة السياسية، وتسعى لتثبيت الأسس التي تضمن للجنوب موقعه المستحق كطرف رئيسي وفاعل في أي عملية تسوية شاملة. حيث قدم الرئيس الزبيدي قراءة مسؤولة للمشهد، بعيدا عن ردود الأفعال الانفعالية، وبما يعكس تطور الخطاب السياسي الجنوبي نحو مستوى أكثر نضجا وارتباطا بالوقائع ومتطلبات المستقبل.
إن أحد أبرز التحديات يتمثل في محاولة بعض الأطراف الإقليمية والمحلية فرض حالة من “الجمود السياسي” تحت عناوين غير معلنة، كفرض واقع “اللاسلم واللاحرب”، بما يضمن استمرار الهيمنة على الجنوب وتقييد قدراته على بلورة مشروعه الوطني.
غير أن المجلس الانتقالي، مدرك لهذه التكتيكات، ويمتلك من أدوات الفعل السياسي ما يمكنه من التعامل بحنكة ومرونة تحقق التوازن بين التمسك بالثوابت والانفتاح على الحلول الواقعية، شرط أن تحترم تلك الحلول الإرادة الشعبية الجنوبية وتكفل حق تقرير المصير كضمانة لأي استقرار دائم في المنطقة والاقليم والعالم.
وفي ظل تصاعد الحديث عن فرص التسوية السياسية، يبرز الجنوب اليوم كقضية وطنية مكتملة العناصر، وليس كعامل فرعي ضمن صفقة شاملة. فوجود قضية عادلة وقيادة مفوضة، وهيكل سياسي واضح، وتمثيل شعبي واسع، يجعل من تجاهل الجنوب أو القفز على حقوقه خطوة غير واقعية وغير محسوبة المخاطر ، لا يمكن أن تنتج إلا مزيدا من التعقيد والانغلاق وتضييق الافق السياسي في مسار الحل.
وفي المقابل، لا يغيب عن حسابات القيادة الجنوبية أن المشروع الحوثي، بكل امتداداته الإقليمية، لا يزال يشكل تهديدا وجوديا، لا سيما في ظل استهدافه المباشر للمؤسسات الوطنية الجنوبية والممرات البحرية الحيوية. وعلى الرغم من أن المجلس الانتقالي لا يتبنى الخيار العسكري كوسيلة مفضلة، إلا أن الحفاظ على المكاسب السياسية التي تحققت للقضية الجنوبية تجعل الجاهزية الدفاعية ضرورة استراتيجية، وردعا لأي تهديد محتمل.
ان المسؤولية الملقاة على عاتق المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم لا تقتصر على الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية، بل تشمل إدارة الواقع الخدمي والمعيشي الذي يمس حياة المواطنين بشكل يومي.
فتحديات الكهرباء والمياه والأمن والرواتب تمثل ساحة حقيقية لاختبار جدية الأداء، ومدى قدرة المجلس على الانتقال من موقع التعبير السياسي إلى ممارسة الحكم الرشيد، وتوسيع قاعدة الشراكة الجنوبية في تحمل الأعباء وصناعة الحلول.
لقد بات من الواضح أن المعركة على الجنوب لم تعد تدار بالبندقية فقط، بل عبر أدوات الحرب الإعلامية والنفسية التي تستهدف كسر الروح المعنوية وتشويه المنجزات، وهو ما يتطلب من الجميع، قيادة وشعبا، وعيا متقدما ودورا تكامليا في مواجهة حملات التشويه، وتعزيز الثقة بالذات الوطنية الجنوبية ومشروعها العادل.
لقد أثبتت التجربة أن الجنوب يمتلك من الرصيد النضالي والوعي السياسي ما يؤهله لعبور هذه المرحلة الدقيقة، شرط التماسك الداخلي، وتعزيز البناء المؤسسي، واستمرار الانخراط المسؤول في مختلف الجبهات السياسية، والتنموية، والدبلوماسية.
إن اللحظة الراهنة تتطلب وحدة القرار وتوحيد الصف، وقراءة دقيقة لتوازنات القوى، واستثمار الفرص السياسية بما يخدم قضية شعب الجنوب. فالمشروع الوطني لم يعد مجرد حلم أو شعار، بل تحول إلى واقع سياسي يفرض حضوره، ويعيد رسم المعادلات على الأرض وفي الإقليم.
والنصر، في النهاية، ليس صدفة أو وعدا معلقا، بل هو نتيجة طبيعية لتضحيات غالية وجسيمة، لمسار واضح تقوده قيادة تمتلك الرؤية، وتحظى بتفويض، وتؤمن بحق هذا الشعب في أن يكون سيد قراره على أرضه من العاصمة عدن وباب المندب غرباً حتى المهرة وسقطرى شرقاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى