مقالات

مرحبا بديوان بن منصور .. شاعر مدرسة الحياة وحكيمها

كتب:د.علي صالح الخلاقي

أخيراً، وصلني ديوان الشاعر الشعبي الراحل صالح منصور عبد الله السّكئ (عيسى) الذي صدر تحت عنوان:
“ديوان ابن منصور: شاعر مدرسة الحياة”، وذلك بإشراف الأستاذ صالح محمد عبد الله (أبو صقر)، وإعداد وتقديم الأستاذ حسين أبو السادة.
لقد غمرتني سعادة كبيرة حين أهداني الصديق العزيز حسين أبو السادة نسخة إلكترونية من هذا الديوان، الذي يُعد ثمرة جهد جماعي شارك فيه محبّو هذا الشاعر الراحل، الذي غادرنا عام 2004، بعد أن ترك خلفه ثروة شعرية لم تُدون، لكنها ظلت حية، تتردد على ألسنة المطربين الشعبيين الذين تغنوا بكلماته، وعلى شفاه محبيه الذين حفظوا شعره عن ظهر قلب.
وكم هو جميل أن تُثمر هذه المبادرة عن صدور ديوان غني بأشعار هذا الشاعر، الذي أعتز بأنني كنت من أوائل المشجعين على جمع شعره منذ انطلاق الحملة المخصصة لذلك في مسقط ، حين تواصل معي صديقي الشاعر صلاح السركال وعدد من القائمين عليها. وقد كتبت حينها مقالاً بعنوان: “جهد مشكور.. لجمع أشعار صالح بن منصور” نُشر في سبتمبر 2022، باركت فيه المبادرة، ودعوت المعنيين والمهتمين من أبناء المنطقة للمساهمة في إنجاحها وتوثيقها، مع التنبيه إلى ما ورد في بعض النصوص التي وصلتني حينها من خلل وزني سببه النقل الشفوي، وهو ما لا يمكن أن يقع فيه شاعر متمكن كابن منصور.
وها هو هذا الجهد يُتوَّج بصدور ديوان رصين، يضم كثيراً من درر شعره “الحَسْين”، ومقدمة تعريفية عن حياة الشاعر، ودراسة وافية لأشعاره، أبدع في إعدادها الشاعر والكاتب أبو السادة، الذي تعامل مع شعر ابن منصور بروح المحب العارف، فحرص على تنقيته من أخطاء النقل سواء في الوزن أو النص، وهي جهود يُشكر عليها، وتُسهّل على القارئ الدخول إلى عالم الشاعر الشعري، متسلحاً بزاد معرفي نقدمه في هذا الديوان، الذي يُعد وثيقة أدبية وشهادة إنسانية صادقة عن شاعر وُلِد من رحم الحياة.
وأجد نفسي مرتاح الخاطر حينما أعود بين الحين والآخر إلى نفائس الشاعر ، أغوص في بحره الزاحر، فتنهمر عليّ مشاعر البهجة والسرور وأنا أتأمل ما ترك الشاعر من حِكم ونصائح، صاغها من خلاصة تجاربه الطويلة في “مدرسة الحياة”، التي شكّلت وعيه وصقلت موهبته ومواقفه الوطنية والقومية والإنسانية ، سواء في محطات الاغتراب، خاصة في الكويت، حيث طغى على شعره الشوق والحنين للوطن والأهل والأحباب، أو في مسيرة الكفاح والعمل في مسقط رأسه التي ارتبط بها بهموم مجتمعه وأهله وكان لسان حالهم، ونسج خلالها من عصارة تجاربه دُرراً في الحكمة والموعظة والنصح وذم السلوكيات السيئة والحض على القيم النبيلة والتقاليد الحميدة التي يجلها مجتمعه المحافظ.
ولا غرابة في ذلك، فقد كان ابن منصور شخصية اجتماعية مرحة ومحبوبة، يشهد له بذلك كل من عرفه، يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، ويسهم في حل مشكلاتهم، وإصلاح ذات البين، لما كان يحظى به من احترام واسع. ارتبط بن منصور بالشعر منذ وقت مبكر، وكان ينظمه بعفوية وموهبة، في مناسبات خاصة وعامة، أو تنفيساً عن مكنون نفسه، وقد وجدت قصائده طريقها إلى أفواه المطربين الشعبيين الذين غنّوها، وحفظوها لنا مسجلة في الأشرطة التي لاقت رواجًا في العقود الماضية.
وها نحن نسعد اليوم بصدور هذا الديوان الذي جمع 46 قصيدة متنوعة المضامين، إضافة إلى عدد من مساجلاته وزوامله، لتخلّد تجربته الشعرية والإنسانية.
وليس غريباً أن أطلق عليه لقب “شاعر مدرسة الحياة”، فهو أحد خريجيها النجباء، ذاق حلوها ومرها، وعركته تجاربها كما يُعرك الثُّفَال بالثقال، فتعلم منها أكثر مما يتعلمه كثيرون في المدارس والجامعات، فالحياة أكاديمية لمن أراد أن يتعلم من دروسها وتجاربها، وقد فعل ذلك ، وترك لنا هذه الدرر التي ستخلد للأجيال، وستبقى خالدة في وجدان الأجيال:

تجربة واحدة كافي في العُمر كُلّه
تعرف الرّطل بالكفَّه ونص الوقية

أو قوله:

والتجربة فحص من شئت افحصه
تعرف من التجربة أصلي وعَيْف

ما بعدها شك والاَّ وسوسه
برهانها في البشر حاكم نصيف

ختاماً…هذه مجرد ترحيب بصدور ديوان “بن منصور” ، وتحية محبة وامتنان لكل من أسهم في هذا الجهد المشكور.

2 أغسطس 2025م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى