هوية الجنوب.. استقلالية التاريخ وفصل السرديات

كتب:
ارتقاء فضل.
نحن، أبناء الجنوب، نحمل تاريخاً مجيداً، ونضالاً راسخاً، وهويةً فريدة لا يمكن اختزالها في أحداث لم نكن طرفاً فيها. إن ثورة الـ26 من سبتمبر تمثل حدثاً شمالياً بحتاً، نشأت كرد فعل ضد نظام الإمامة الزيدية الذي لم يمارس أي حكم أو تأثير في أرضنا. فالجنوب لم يعرف الإمامة، ولم يخضع لها، ولم يشارك في إسقاطها.
في المقابل، خاض الجنوب معركته الخاصة ضد الاستعمار البريطاني، مقدمين شهداءنا في ثورة 14 من أكتوبر الخالدة، التي انطلقت من ترابنا، من عدن، من ردفان، من حضرموت، من شبوة، ومن كل شبر جنوبي حر. لذا، نرفض بشدة أن تُفرض علينا سرديات لا تعكس مسارنا التاريخي، وأن يتم الخلط بين تاريخين لا يجتمعان إلا في الجغرافيا، لا في النضال أو الهوية.
من يرغب في استكشاف التاريخ، عليه قراءته بعمق وموضوعية. ومن يسعى لرسم ملامح المستقبل، يجب عليه احترام خصوصية الشعوب وحقها الأصيل في تقرير مصيرها.
ثورة 26 سبتمبر، من منظورنا، ليست ثورتنا، بل هي انقلاب في الشمال على نظام ملكي استبدل بنظام جمهوري شكلي، سرعان ما تحول إلى حكم عائلي فاسد، قاد اليمن إلى الحروب والدمار في تلك الحقبة.
كان الجنوب تحت الاحتلال البريطاني، يخوض معركته الخاصة، ويُعد لثورته الحقيقية ثورة 14 أكتوبر، التي انطلقت شرارتها الاولى من قمم ردفان لتمتد لتشمل كل ارض الجنوب،مقدمين قوافل من الشهداء في سبيل ثورة 14 اكتوبر والدماء الزكية مهراً للثورة وانتصارها في 30 توفمبر ، لا من إذاعات القاهرة أو صفقات الضباط.
نحن لم نكن جزءاً من الإمامة، ولم نشارك في انقلابها، ولن نكون جزءاً من تمجيدها. لم نشارك في إسقاطها، ولم نستشهد فيها، ولم تُكتب أسماؤنا في سجلاتها. إن محاولة إقحام الجنوب في سرديات لا تخصه أشبه بمن يرتدي ثوباً ليس له. للجنوب ثورته، وشهداؤه، ودولته التي بناها من الصفر. قبل أن تُرفع شعارات لا تمثلنا.
ينبغي التساؤل بصدق: هل كانت الإمامة تحكم أرض الجنوب؟ هل شارك الجنوب في إسقاطها؟ هل خرجت عدن أو حضرموت أو شبوة في مظاهرات تأييد لها؟ الإجابة واضحة: لا.
كان ذلك شأناً شمالياً خالصاً، ضد نظام لم يطأ أرض الجنوب يوماً. لم تُحرر هذه الثورة الجنوب، ولم تُسقط الاستعمار، ولم توحد اليمن. نحن في الجنوب خضنا معركتنا ضد الاستعمار البريطاني، وكتبنا تاريخنا بدماء شهدائنا في 14 أكتوبر، لا في بيانات الضباط ولا في إذاعات القاهرة. فمن يهنئ بثورة لا تعنيه، كمن يرتدي ثوباً ليس له، ويُصفّق لمشهد لم يكن فيه.
للجنوب ذاكرته، وشهداؤه، وثورته، وكرامته التي لا تُختزل في انقلاب شمالي على حكم شمالي. ومن أراد أن يحتفل، فليحتفل بما يخصه، لا بما يُفرض عليه من سرديات لا تمثله.