مقالات

سِيجَارَةٌ بَيْنَ أَنَامِلِهَا

كتب / رُبا أحمد محمد

في مَشهَدٍ باتَ يتكرَّر، تمرُّ فتاةٌ تُمْسِكُ سيجارةً، كما لو كانت تُمْسِكُ شيئًا من كِبْرِيَائِهَا المكسور.
تَمْضِي بها بثقةٍ مُصطَنَعَة، وبنظرةٍ تائهةٍ تَبْحَثُ عن ذاتٍ ما عادتْ تعرفُ الطريق.

لا يُدهِشُكَ المشهدُ فقط، بل يُوجِعُك.
تسألُ نفسَكَ:
كيفَ أصبحَ الدخانُ مَأوًى؟
وكيفَ باتَ الحريقُ مَلاذًا من بردِ الداخل؟

في مجتمعاتِنا العربيَّة، حيثُ كانتِ السيجارةُ حِكرًا على زوايا الظل،
تسلَّلتْ لتُصبحَ رفيقةَ بعضِ الفتيات.
تَدَّعِي بعضُهُنَّ أنها حرِّيَّة، وتَظُنُّ أُخْرَيَاتٌ أنها وسيلةٌ للتمرُّد،
لكنَّ الحقيقةَ تُخْبِرُنَا أنَّ خلفَ هذا الرمادِ حكاياتٍ مُهترئة،
وأرواحًا تُحاولُ الهُروبَ من فراغٍ لم يملأْهُ أحد.

التدخينُ للفتياتِ، تحديدًا، ليسَ عادةً سيئةً فقط،
بل هو إعلانُ فَقْدٍ للاتِّزان.
جسدٌ رقيقٌ يُثْقِلُ صدرَهُ بالسُّمِّ، وقلبٌ هشٌّ يُحاصِرُ نفسَهُ بعادةٍ تَتَغَذَّى على الحياة.
هي ليستْ أنثىً أقلَّ، لكنَّها أنثى تَبْحَثُ عن نفسِها في المكانِ الخطأ،
وربما اختارَت السيجارةَ بدلًا من صديقٍ يَسْمَعُها،
أو كتابٍ يَحْتَضِنُها، أو قلبٍ يُطَمْئِنُها.

أيتها الفتاة، يا من ظَنَنْتِ أنَّ في الدخانِ مُتَّسَعًا لكِ…
توقّفي لحظةً، واسألي نفسَكِ:
هل هذا الرمادُ يُشبهُكِ؟
هل تَسْتَحِقِّينَ كلَّ هذا الخرابِ لتَشْعُري بالقوّة؟

النصيحةُ ليستْ تَعالِيًا، بل رجاء.
عودي لنفسكِ، ضمِّدي ضعفَكِ،
وابحثي عن نورٍ لا يُطفِئُهُ اللهب،
عن رفقةٍ تَزْرَعُ فيكِ الوعي، لا تُوَارِيكِ تحتَ دخانِ الخيبة.

الحلُّ يبدأُ من صِدْقِ المواجهة،
من الاعترافِ بأنكِ لا تحتاجين لتدميرِ ذاتكِ لتُثْبِتِي أنَّكِ حُرَّة.
الحرِّيَّةُ… أنْ تُنقِذِي نفسَكِ قبلَ أنْ يُنقِذَكِ أحد،
وأنْ تَتَنَفَّسِي… دونَ أنْ تَحْتَرِقِي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى