بايدن بدأ الاطلاع عليه.. كيف يؤثر تقرير الاستخبارات على صانع السياسات في البيت الأبيض؟

سمانيوز / البيت الأبيض – متابعات
في إطار خطوات نقل السلطة من إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب إلى منافسه الديمقراطي المنتخب جو بايدن، سمحت إدارة ترمب باطلاع الرئيس المنتخب على التقرير الاستخباراتي اليومي، على الرغم من موقف سابق بالرفض.
ولهذا التقرير أهمية كبيرة، حيث يعتبره خبراء الأمن القومي والاستخبارات ضرورياً للرئيس الجديد في التعامل مع أي ملفات مرتبطة بالأمن القومي بعد تنصيبه.
صانع السياسة
بدأت ظاهرة التقرير الاستخباراتي اليومي منذ يناير عام 1946 عندما شعر الرئيس الأميركي حينها هاري ترومان بانعدام منهجية منسقة لإبلاغ الرئيس بالتطورات، فوجّه وزارات الخارجية والحرب والبحرية بالعمل معاً على إنشاء مجموعة الاستخبارات المركزية التي يرأسها مدير معين من الرئيس.
ومنذ ذلك التاريخ عملت المجموعة على نشر موجز يومي، إلى أن تحوّلت عام 1951 إلى وكالة الاستخبارات المركزية، ليدخل التقرير مرحلة جديدة.
مع مرور السنوات تطوّرت التقارير لتلبي احتياجات كل رئيس وتفضيلاته، ففي عام 1961 طلب الرئيس السابق جون كينيدي موجزاً مختصراً وشاملاً لدعم قرارات البيت الأبيض المتعلقة بالسياسة الخارجية، فكان أن قدمت الاستخبارات المركزية ما عُرف حينها بقائمة مراجعة استخبارات الرئيس، واستمر هذا التقرير حتى عام 1964 في عهد الرئيس ليندون جونسون، عندما استبدلته الاستخبارات المركزية بالتقرير اليومي الاستخباراتي بشكله الحالي.
واتسع بعدها نطاق التقرير ليشمل المزيد من المعلومات، خلافاً لما كان عليه الحال في التقارير الأولى التي تتركز فقط على القضايا المتعلقة بالاستخبارات الخارجية.
واستمرت المخابرات المركزية الأميركية CIA في إنتاج التقرير الاستخباراتي اليومي حتى إقرار قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب في عام 2004، والذي أنشئ بموجبه مكتب مدير الاستخبارات القومية الذي بات يشرف على إنتاج التقرير الاستخباراتي بالشراكة مع CIA.
عام 2014 وبطلب من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تحوّل التقرير اليومي من شكله الورقي ليصبح إلكترونياً.
ونظراً لحساسية المعلومات التي تتضمنها التقارير الاستخباراتية اليومية، فقد ظل الكثير منها سرياً، غير أن أعداداً كبيرة من التقارير التي أفرجت عنها CIA تكفي للكشف عن نوعية القضايا التي تقدم في هذه التقارير.
أزمة الصواريخ الكوبية
جاءت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي كادت تشعل حرباً نووية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لتعزز أهمية التقرير الاستخباراتي كوسيلة لتوجيه السياسات بناء على المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز القدرة الاستباقية لصنّاع السياسات.
يظهر التقرير الاستخباراتي في 8 أكتوبر 1962 الشرارة الأولى للأزمة مع إطلاع الاستخبارات الرئيس الأميركي حينها جون كينيدي على أنشطة لنشر صواريخ في كوبا، دون معلومات إضافية.
واتضح بعدها أن الاتحاد السوفيتي ينشر صواريخ ذات رؤوس نووية في كوبا، وأظهر التقرير الذي قُدِّم في 23 أكتوبر 1962 وجود 33 صاروخاً و23 منصة إطلاق، وهو ما أدى لتصعيد الأزمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى أن توصل كينيدي إلى اتفاق مع الاتحاد السوفيتي في 28 أكتوبر لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية، شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا.
وعلى الرغم من الشكوك في التزام السوفيت بتعهداتهم إلا أن التقرير الذي قُدِّم في اليوم التالي للاتفاق أكد أن الاستخبارات “لا تتوقع أن يؤخر الاتحاد السوفيتي تنفيذ تعهداته بتفكيك قواعد الصواريخ”.
نذر حرب أكتوبر
في الخامس من أكتوبر 1973 وقبل يوم واحد من انطلاق حرب السادس من أكتوبر لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، تضمن التقرير الاستخباراتي التنبيه الآتي كأحد التطورات الرئيسية “التدريبات العسكرية الجارية الآن في مصر أصبحت أكبر وأكثر واقعية من سابقاتها”.
وعلى الرغم من تحذير التقرير من اتساع نطاق العمليات العسكرية واستدعاء مصر لعدد كبير من قوات الاحتياط، إلا أن الاستخبارات الأميركية كانت تستبعد نشوب أي حرب حينها، ولذا أكد التقرير أن التدريبات الجارية “لا تبدو تحضيرات لهجوم ضد إسرائيل”، كما أكد أن تل أبيب “ليست قلقة”.
وفسّر التقرير وضع مصر دفاعاتها وقواتها الجوية في حالة تأهب بأنه مجرد إجراء استباقي تحسباً لأي ردّ من إسرائيل على التدريبات.
لكن في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، حذّر التقرير الاستخباراتي اليومي من أن معلومات من مصادر معتبرة تفيد بأن مصر وسوريا “تخططان لهجوم منسق عبر قناة السويس ومرتفعات الجولان قبل حلول مساء اليوم”، وهو ما حدث بالفعل.
إخفاق 11 سبتمبر
وتعد التقارير الاستخباراتية ركناً أساسياً في تحديد المخاطر التي تواجه البلاد، وفي هذا الصدد سجلت إخفاقات ونجاحات.
في أحداث 11 سبتمبر خلا التقرير الذي قُدِّم في ذلك اليوم من أي حديث عن هجوم محتمل، وانصب تركيزه بدلاً من ذلك على تطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على الرغم من أن تقارير في أغسطس توقعت أن يستهدف تنظيم القاعدة الولايات المتحدة.
وفي إشارة إلى إخفاق التقرير، يروي ميشيل موريل نائب مدير المخابرات المركزية الأميركية حينها أن الرئيس جورج بوش سأله “من فعل هذا؟”، فردّ موريل بأنه لا يعرف، ولكنه يشتبه بقوة أن كل الطرق تؤدي إلى أسامة بن لادن والقاعدة.
وبحسب التقرير الذي تم تقديمه إلى الرئيس الأميركي جورج دابليو بوش في السادس من أغسطس 2001 أي قبل 36 يومًا من هجمات سبتمبر، حذرت الاستخبارات الأميركية من أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، يخطط لهجمات تستهدف الولايات المتحدة من خلال اختطاف طائرات واستخدامها في الهجمات.
الأخبار على طريقة CIA
ويرجع خبراء هذا النوع من الإخفاقات في تحديد المخاطر الحقيقية إلى أن الاستخبارات لا تضمّن التقارير اليومية كثيراً من المعلومات الحساسة والمهمة، ما يجعلها أشبه بالعناوين الإخبارية لكن على طريقة CIA.
وتشير إحصاءات CIA إلى أن 40% من محتوى تقاريرها اليومية التي تُقدّم للرؤساء مغطى بالفعل في الصحافة.
ونقل الصحافي الأميركي والتر بينكوس عن الرئيس الأسبق بيل كلينتون أنه كان يشتكي من أن معظم التقارير اليومية التي يتلقاها تتضمن مواد سبق أن اطلع عليها في مصادر أخرى.
ووصف ريتشارد آلين مستشار الأمن القومي السابق للرئيس رونالد ريغان التقرير اليومي بأنه في أفضل حالاته نوع من المعلومات المتقطعة والأخبار المصممة للاستيعاب، ولكنه نادراً ما يتنبأ بشكل استباقي”.
ترمب والتقرير اليومي
وربما يكون ذلك قد دفع الرئيس دونالد ترمب في بداية فترته إلى التشكيك في الحاجة إلى التقرير الاستخباراتي اليومي، قبل أن يخبره مايك بومبيو مدير CIA حينها، ووزير الخارجية الحالي، أن التقرير أصبح جزءاً من الروتين اليومي للرئيس.
لكن الخبير الأمني ديفيد بريس الذي عمل في الاستخبارات معداً للتقارير اليومية، قال إن دور الاستخبارات يكمن في تقديم أفضل المعلومات الاستخبارية الممكنة ثم ترك الخيارات السياسية للرئيس.
واقتبس بريس عبارة شهيرة في جهاز المخابرات المركزية الأميركية CIA تقول: “بإمكانك أن ترشد صنّاع السياسات إلى المعلومات، ولكنك لا تستطيع حملهم على التفكير”.