آداب و ثقافة

العزلة قصة: عمر محمد العمودي

سمانيوز/خاص

أن تسكن وحدك لا يعني أنك حُرّ.. بل يعني أنك خرجت من الجدول العام للحياة، وعلقت في فراغ زمني مبهم.
السكن المنفرد ليس فضيلة، بل حالة وجودية هشّة، كأنك فاصلة في نهاية جملة لم تُكتب بعد.
أنت هناك، لكن لا أحد يقرأك. لا أحد يراك.

في هذا العزل القاسي لا تعرف متى يبدأ اليوم، ولا متى ينتهي. تنام فجأة وتصحى بلا سبب. تتناول الإفطار قبيل العشاء، وتغسل الصحون بعد منتصف الليل، لأنك مررت مصادفة من أمام المطبخ. ثم تجلس لساعات تراقب مروحة لا تدور، أو ظلًّا لا يتحرك.

تتجوّل بين الغرف لا لأنك تريد شيئًا، بل لأنك لا تحتمل البقاء في مكان واحد أكثر من اللازم.
تفتح الثلاجة دون جوع، وتضع الماء في الغلاية ثم تنساها، تحدث نفسك وتتظاهر بأن أحدًا يسمعك.. فقط لتتأكد من أن صوتك ما زال يحدث.

لا أحد يسألك أين أنت، لا أحد ينتظرك في الخارج، لا أحد ينتظرك في الداخل. ولا أحد يلاحظ غيابك. لا إشعار يُنبّهك إلى مرور الوقت، ولا عتاب يعيدك إلى الوعي.

في وحدتك تنتابك أحيانًا رغبة أن تصرخ باسم، لا لأنك تحتاج منه شيئًا، بل فقط ليقول “نعم، أسمعك”. ففي المدن المطفأة أشد أشكال العزاء أن يُسمع صوتك ولو مرّة.

أن تسكن وحدك هو أن تفقد تدريجيًا علاقتك بالساعة، بالضوء، وبفكرة التزامك بالوجود. أن تعيش كمشروع مؤجل، كمسودة لا أحد قرّر بعد أن يعتمدها.

من يسكن وحده حين يختفي، لا أحد يفتقده فورًا.. وحين يغيب لا أحد يهتم.
الوحيد غالبًا لا يُكتشف أمر نهايته إلّا حين تفوح الرائحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى