الجنوب العربيالسلايدر الرئيسيتقارير

خديعة الخطاب.. كيف يوظّف العليمي الوحدة لكبح تطلعات شعب الجنوب؟

من رمزية التفاهم إلى واقع الإقصاء.. تفكيك خطاب الذكرى وتعرية استراتيجيات التضليل السياسي

سمانيوز/تقرير/هشام صويلح

تمهيد فكري: استراتيجية التزييف السياسي

عند الوقوف على خطاب رشاد العليمي في الذكرى الخامسة والثلاثين لما تُسمى “باتفاقية الوحدة اليمنية”، نواجه نصاً مشبعاً بالرمزية والحنين المعلب، يُستخدم كأداة استراتيجية لإعادة تسويق مشروع فاشل في وعي شعب الجنوب. إن القراءة المتأنية لهذا الخطاب تكشف عن هندسة لغوية محكمة الغرض منها تثبيت مفهوم “الوحدة كقدر”، وتقديم الجنوبيين كشركاء دائمين في مشروع لا يملكون فيه حق الفيتو أو حتى تحديد شروط بقائهم.

قلب الحقائق وإعادة اختطاف الجنوب معرفيًا

بدأ العليمي خطابه بإشادة مبالغ فيها بدور “الروح الجنوبية” في مشروع الوحدة، قائلاً إن المبادرة والنشيد والراية كانت “جنوبية بامتياز”، ثم سرعان ما يستخدم هذه الحقيقة كمفتاح للالتفاف، عبر تعبيره عن “تفهمه للمزاج الشعبي الجنوبي” المتغير بفعل المظالم. في هذا السياق، يوظف العليمي تكتيك الاحتواء الناعم: يعترف جزئيًا بالمظلومية ليصادر الحق في تقرير المصير تحت ستار “التفهم”. هذه الاستراتيجية العقلية تهدف إلى نزع فتيل أي نزعة استقلالية جنوبية عبر قولبة وعيها داخل سردية الدولة المركزية التي “تفهم وتتعاطف” لكنها لا تتنازل.

التزييف السردي واختزال الجنوب

يسعى العليمي في خطابه لإعادة إنتاج وحدة قسرية بأدوات ناعمة. فعندما يقول إن “عدن اليوم ترسخ موقعها كقاعدة انطلاق لدحر مشروع الإمامة”، فهو يُحوّل الجنوب إلى “خندق للقتال” وليس شريكًا في البناء أو القرار. إن هذا التوصيف يُعيد الجنوب إلى مربع “الوظيفة القتالية”، لا “الهوية السياسية”، وهو نموذج قديم من الإلحاق لا يزال يُعاد تدويره.

خطاب مزدوج حول الجنوب: تبجيل زائف وتحييد فعلي

يقول العليمي إن “القضية الجنوبية تمثل جوهر أي تسوية سياسية”، ثم يستدرك بسرعة بشروط ضبابية مثل “المرجعيات الوطنية، الإقليمية، والدولية”، وهي إشارات ضمنية إلى مرجعيات أُنتجت من داخل المنظومة التي قمعت الجنوب منذ 1994، ومنها المرجعيات الثلاث التي تنفي حق تقرير المصير. بهذا، يستخدم العليمي تقنية الاحتواء بالتأطير، حيث يقدم وعودًا “ثورية الشكل”، لكن بقيود “رجعية المضمون”. يضع الجنوب في قلب التسوية، لكنه يربطه بسلاسل الماضي.

تبرير الفشل

حين يقول العليمي إنهم “لم يقمعوا احتجاجاً سلمياً”، هنا يشير بمكر إلى الاحتجاجات الشعبية بعدن والتي حاولت قوى النزوح اليمنية إخراجها عن سياقها السلمي باعتداءاتها على قوات الأمن الجنوبية، متجاهلًا تعطيله ملفات الخدمات وتدهور الأوضاع المعيشية، أبرزها الكهرباء والرواتب، ومتناسياً سجل القمع الذي مارسته قوات الاحتلال اليمني لشعب الجنوب منذ ثلاثة عقود.

وحدة الخداع لا وحدة الدولة

يتحدث العليمي عن “وحدة لا تقوم على الهيمنة”، بينما الواقع الملموس يُظهر نقيضًا صريحًا؛ فمنذ تسلّمه رئاسة محلس القيادة الرئاسي، قام بسلسلة قرارات فردية خارج التوافق، ضاربًا بعرض الحائط مبدأ “الشراكة” الذي بُني عليه تشكيل المجلس

الفساد المسكوت عنه: صمت مُخادع يكشف المستور

من أكثر ما يُسقط الخطاب في دائرة النفاق السياسي هو تجاهله للفساد المرتبط به وبعائلته. فالعليمي الذي يتحدث عن “شراكة في الثروة”، لم يُعلّق على التقارير التي كشفت تورطه ونجله في صفقات قطاع النفط بشبوة، ولا علّق على انهيار الكهرباء والخدمات في عدن، وهو الممسك بكل مفاتيح القرار. هذا الصمت ليس عفويًا، بل جزء من استراتيجية تضليلية شاملة.

استخدام الحوثي لإعادة توحيد قسرية تحت شعار الخطر المشترك

يمضي العليمي في خطابه نحو تصوير الحوثيين كعدو جامع يهدد الجمهورية والوحدة معًا، محاولًا إقناع الجنوبيين بأن الخطر الحوثي يستدعي نسيان مظالم الوحدة القسرية. هذه استراتيجية خوف كلاسيكية، يُراد بها تعليق المطالب السياسية في الجنوب على مشجب الحرب. لكن السؤال الجنوبي الحاسم يظل: لماذا نُطلب للدفاع عن وحدة لم تحمِ حقوقنا؟ ولماذا تُطرح الشراكة كشعارات وقت الحرب وتُنسى بعد انتهاء المعركة؟

تفكيك استراتيجية “الوحدة مقابل الكرامة”

الختام المثير في الخطاب كان حين قال العليمي: “وحدة من أجل الدولة لا المليشيا، وحدة من أجل الجمهورية لا الإمامة، وحدة من أجل المواطنة والشراكة والتنوع لا الهيمنة، والإقصاء”، وهو بيان عاطفي يخفي وراءه تناقضًا سافرًا، إذ إن الوحدة التي يصفها ظلت لعقود أداة للهيمنة والإقصاء بحق الجنوب. هذا التناقض يُعري الخطاب من جوهره، ويُظهر كيف تُستخدم المفردات العليا لتغطية البنية القمعية الدنيا.

تفكيك النوايا وبناء وعي مقاوم

خطاب العليمي، رغم زخمه العاطفي، هو وثيقة سياسية تسعى لإعادة هندسة العقل الجنوبي ضمن قوالب قديمة، بواجهة جديدة. هو خطاب وحدة لا تعترف بالندية، وشراكة مشروطة بالتخلي عن تقرير المصير. إن تفكيك هذا الخطاب لا يعني فقط فضح تلاعب لغوي، بل هو خطوة استراتيجية لإعادة بناء وعي جنوبي نقدي لا ينخدع بالمفردات، ولا ينسى التاريخ، ولا يقبل إعادة تسويقه بلسان من ساهم في تعميق أوجاعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى