تعز تحت قبضة الجبايات.. اقتصاد إخواني موازٍ يبتلع 37 مليار ريال سنويًا

سمانيوز/تقرير/خاص
وسط مدينة تعز، التي أنهكتها الحرب وتآكلت فيها الخدمات الأساسية، تنكشف معالم اقتصاد خفي يتغذى على معاناة المدنيين، تقوده جماعة الإخوان المسلمين تحت عباءة الدولة ومؤسساتها. فبينما تعاني المدينة من أزمات خانقة في الماء والكهرباء والنقل، تشير تقارير ومعلومات موثقة إلى وجود منظومة فساد وجبايات غير قانونية تُدر عشرات المليارات سنويًا لصالح الجماعة، بعيدًا عن أي رقابة حكومية أو محاسبة مالية.
المعطيات الصادرة من داخل المدينة، أبرزها ما كشفه أمين سر حزب التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، عادل العقيبي، تظهر أن الإخوان في تعز لا يديرون موارد الدولة بل ينهبونها، في عملية منظمة تُقسّم الجبايات إلى نوعين: أحدهما بغطاء رسمي عبر مؤسسات الدولة، والآخر غير قانوني يُفرض بالقوة لصالح قيادات عسكرية وأمنية ومسلحين مرتبطين بالجماعة.
جبايات قانونية بلا تقارير.. أرقام تصدم
يشير العقيبي إلى أن ما يُحصّل من رسوم رسمية يتم التلاعب به بشكل فاضح. فمثلًا، يبلغ العائد الشهري من جوازات السفر فقط نحو 145 مليون ريال، ما يعادل 1.74 مليار ريال سنويًا، وهو مبلغ لا ينعكس في تقارير المالية الرسمية بالمحافظة.
أما من مبيعات الغاز المنزلي، فتحصل الجماعة على 700 ريال عن كل أسطوانة، بإجمالي شهري يصل إلى 520 مليون ريال. يُضاف إلى ذلك 120 مليون ريال شهريًا من جبايات على المشتقات النفطية (ديزل وبنزين)، ليبلغ مجموع الإيرادات الشهرية الرسمية المنهوبة نحو 785 مليون ريال، ما يعادل 9.4 مليار ريال سنويًا، لا تظهر منها إلا النزر اليسير في تقارير الأجهزة المالية.
وثّق العقيبي، استنادًا إلى أرقام رسمية، وجود فجوة مالية هائلة بين ما أعلنته مصلحة الهجرة والجوازات كإيرادات فعلية (3.7 مليار ريال) وما أوردته وزارة المالية (1.2 مليار فقط)، بفارق يتجاوز 2.49 مليار ريال، وهو فارق يطرح أسئلة خطيرة حول مصير الأموال العامة في ظل هيمنة الإخوان على مؤسسات الدولة.
اقتصاد الظل: الجبايات غير القانونية
أما الوجه الآخر للنهب، فيتم عبر جبايات غير قانونية تفرضها الجماعة تحت يافطات غامضة مثل “دعم الجبهات” أو “تنظيم المحطات” أو “تنظيم النقل”، وتذهب مباشرة إلى أذرعها المسلحة. هذه الجبايات التي قدّرها العقيبي بمعدل شهري يتراوح بين 2.2 إلى 2.5 مليار ريال، تبلغ سنويًا نحو 28.2 مليار ريال، ما يجعلها تمثل العمود الفقري لما يمكن وصفه بـ”اقتصاد موازٍ” لجماعة الإخوان في تعز.
من أبرز هذه الجبايات:
تهريب السجائر والمشتقات النفطية والمواد الزراعية والطبية.
جبايات من المحاجر والأسواق ومحطات النقل الداخلية والخارجية.
إتاوات تُفرض على ناقلات الوقود من قبل اللواء الرابع مشاة جبلي.
رسوم عبور تفرض على مركبات البضائع في المنافذ الشرقية والغربية لصالح ألوية الإخوان (17 مشاة و22 ميكا).
جبايات تصل إلى 13 ألف ريال على وسائل نقل الركاب بين المحافظات.
جبايات تصل إلى 20 ألف ريال على خلاطات الأسمنت ومركبات الأحجار والرمل.
استحواذ على مبيعات مياه بعض الآبار من قبل جماعات مسلحة تابعة للإخوان.
انهيار الإيرادات الرسمية.. وصعود نفوذ الجبايات
تشير الأرقام إلى أن إجمالي الجبايات التي تجنيها جماعة الإخوان من تعز سنويًا يتجاوز 37.6 مليار ريال يمني، في وقت لم تتجاوز فيه الإيرادات الرسمية للمحافظة في عام 2024 سوى 9.7 مليار ريال. أي أن الجماعة تحصل على ما يقارب أربعة أضعاف إيرادات الدولة المحلية، دون أن تظهر تلك الأموال في أي سجلات مالية أو تقارير ختامية.
تتجلى خطورة هذا الوضع في أنه لم يعد مجرد فساد فردي أو حالات اختلاس معزولة، بل منظومة متكاملة تمأسس فيها النهب وأصبح هو القاعدة، بينما غابت الرقابة والمساءلة تمامًا.
تعز بين مطرقة الأزمات وسندان الجبايات
المفارقة المؤلمة أن تعز تعيش منذ أشهر أزمة مياه خانقة، أجبرت مئات الأسر على النزوح المؤقت من أحياء كاملة، فيما تتواصل الاحتجاجات الشعبية في شوارع المدينة رفضًا لتردي الخدمات. وفي المقابل، لا تنقطع الجبايات ولا تتوقف رسوم المرور، ما يكشف عن نمط من الحكم القائم على الجباية لا على الخدمة، وعلى السيطرة لا على المسؤولية.
الجبايات المفروضة على الوقود ووسائل النقل، بل وحتى على المياه في بعض المناطق، حولت حياة المواطنين إلى كابوس اقتصادي حقيقي، وجعلت من تعز واحدة من أكثر المدن اليمنية هشاشة، رغم امتلاكها قاعدة بشرية وتجارية واسعة.
تغاضٍ رسمي.. وتواطؤ إداري
يشير العقيبي إلى أن بعض الجهات الحكومية تعي حجم الجبايات، لكنها تصمت خوفًا أو تواطؤًا. “المسؤولون بالمكاتب التنفيذية لا يد لهم في نهب المبلغ لكنهم صامتون”، بهذه العبارة يؤكد الناصري أن الخلل لم يعد محصورًا بالجماعة وحدها، بل امتد إلى مؤسسات الدولة التي تحولت إلى واجهة لتمرير هذه الانتهاكات.
هذا الواقع يعكس حالة تفكك مؤسسي خطير، ويضع علامات استفهام حول مصداقية أي حديث عن إصلاحات إدارية أو مالية في ظل استمرار هيمنة جماعة لا تؤمن بالدولة إلا كوسيلة للجباية والتمكين.
خاتمة
لقد تحوّل نفوذ الإخوان في تعز إلى أداة ممنهجة لنهب المال العام، وسط صمت رسمي وتواطؤ واضح من مؤسسات يفترض أنها معنية بحماية مقدرات الشعب. فما يحدث ليس مجرد فساد مالي، بل هو تفكيك ممنهج لركائز الدولة وتحويل الجبايات إلى اقتصاد موازٍ يخدم الجماعة لا المواطنين.
إن استمرار هذا الوضع يشكل خطرًا مباشرًا على تعز وأهلها، ويعكس نموذجًا مفضوحًا لاستغلال السلطة وتغليب المصالح الحزبية على حساب المصلحة العامة. لا يمكن مواجهة أزمات تعز دون إسقاط منظومة النهب التي يديرها الإخوان، ولا أمل في إصلاح أو استقرار دون محاسبة من تاجروا بأوجاع المدينة وباعوا خدماتها في سوق الجبايات.
إن إنهاء عبث الإخوان بموارد تعز ليس خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تمليها كرامة الناس وحقوقهم وحق الأجيال القادمة في العيش في ظل دولة لا تُدار بعقليات النهب والغنيمة.